هذا الموضوع ذو طبيعة تاريخية نقدية لتراث المسلمين طيلة ألف سنة، وغرضي من هذه القراءة النقدية التحذير من بعض ما ألصق بالإسلام منذ القدم والإسلام منه بريء.
وأبدأ بشرح ألفاظ العنوان لدفع ما يكتنفه من الغموض:
أما الطلائع: فمرادي بها الأفكار والمناهج المستوردة من هنا وهناك، وبالأخص تلك الأفكار والمناهج التي كانت أجنبية عن الإسلام ثم صارت من الإسلام بسبب استحسان الخلف لها حتى أصبحت تعرض اليوم على أنها قواعد مسلمة وإجماعات منعقدة، إنما سميتها طلائع لأنها قديمة ولأنها مهدت لقبول كل الأفكار التي أقحمت في الإسلام وتقحم إلى الآن.
وأما الغزو الفكري فمرادي به تسرب تلك الأفكار والمناهج إلى عقول المسلمين وكتبهم عن حسن نية أو سوء نية ثم استقرارها فيها ثم اعتقاد الخلف أنها من صميم الإسلام.
وأما مؤلفات الخلف فمرادي بها غالب الكتب المتداولة اليوم في العقيدة والتفسير والفقه وأصول الفقه والحديث والسيرة وغير ذلك.
هذا مع العلم بأن ما ألصق بالإسلام لا يدخل تحت الحصر، ولضيق المقام أقتصر على بعض النماذج التي عرفت مقاومة السلف من أول أمرها، ثم عرفت صراعا بين الخلف وبين بقية السلف طيلة تاريخ الإسلام، ومع ذلك ما زالت مستقرة بأماكنها في عقول الخلف ومؤلفاتهم، وتعتبر من التراث الأصيل في الإسلام، وقد اخترت من النماذج ما له صلة بالمناهج أو ما كان يعرض كقواعد وإجماعات مع أنه في الأصل لا يمت إلى الإسلام بصلة، وقد تم هذا التحول الخطير في معاني الإسلام على يد أناس ينتسبون إلى أهل السنة غير أن مناهجهم في العلم تخالف مناهج أهل السنة، وهؤلاء هم خلف أهل السنة.
وقبل عرض المناهج التي اعتبرتها طلائع الغزو الفكري لا بد لي من ذكر ما يقرب إلى أذهان القراء معنى أهل السنة وأهل البدعة، وخلف أهل السنة وبقية سلف أهل السنة:
أما أهل السنة فالمراد بهم المسلمون الذين اجتمعوا على الحق الثابت بالكتاب والسنة، وهم الصحابة والتابعون والأئمة المجتهدون في القرون الأربعة الأولى من الهجرة، وأما أهل البدعة وأهل الأهواء فالمراد بهم الفرق الضالة المتطرفة كالجهمية والقدرية والجبرية والباطنية من أهل الكلام؛ لأن الصراع في القرون الأربعة الأولى حول فهم معاني الإسلام كان بين أهل السنة وبين هؤلاء المتطرفين.
وأما خلف أهل السنة فالمراد بهم من تأثر بأفكار ومناهج الفرق الضالة من علماء القرن الخامس الهجري إلى اليوم، وأما بقية السلف من أهل السنة فالمراد بهم العلماء الملتزمون بمنهاج أهل السنة من علماء القرن الخامس الهجري إلى اليوم، لأن الصراع الذي دار بين أهل السنة وأهل الأهواء في القرون الأربعة الأولى تطور وانتقل إلى صراع بين بقية السلف وبين خلف أهل السنة، ولمعرفة أطراف النزاع وموضوعاته سنعرض نماذج من تلكم الطلائع في الحلقات القادمة.. (يتبع)