الحج المبرور وفضله عبد الله الروقي

الحج شأنه عظيم وفضله جسيم، وإن مما يدل على فضله أنه ركن من أركان الإسلام ومبانيه العظام، ولو لم يكن من أحب الأعمال إلى الله ما افترضه الله على عباده، وفي الحديث الإلهي قال الله تعالى: «وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ» أخرجه البخاري.
والحج المبرور ما وجد فيه أربعة أمور:
أولها: الإخلاص لله عز وجل؛ وثانيها: المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم في حجه، فيحرص الحاج على تعلم الحج حتى يأتي بالحج على الوجه الشرعي؛ وثالثها: أن يكون من مال حلال؛ ورابعها: أن يكون خاليا من المعاصي، فيتحرز الحاج قدر الإمكان من الوقوع في المعاصي، كالغيبة والنظر المحرم وسماع الموسيقى، وليحرص على الصحبة الصالحة التي تعينه على ذلك، وليحذر من أصحاب السوء فقد يقع بسببهم في المعاصي خاصة الغيبة التي هي من كبائر الذنوب.
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: «ومن ذلك ألا تحج المرأة إلا بمحرم، فإن حجت بغير محرم لم يكن حجها مبرورا».
يعني رحمه الله أن من حجت بغير محرم فقد وقعت في المعصية فخرج حجها عن كونه مبرورا.
وقد جاءت الأدلة بفضل الحج المبرور؛ فعن أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» متفق عليه.
وعنه رضي الله عنه: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الْجَنَّةُ» متفق عليه.
فهذان الحديثان أشرف حديثين في بيان فضل الحج المبرور، ففي الحديث الأول أن الحج المبرور يكفر الذنوب بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه»؛ وفي الحديث الثاني أن الحج المبرور ثوابه الجنة.
ومن الحديثين يستفاد أن صاحب الحج المبرور ترجى له السلامة من العذاب الناشئ عن الذنوب في الدنيا، ومن عذاب القبر في البرزخ وعذاب النار في الآخرة، وأنه يرجى له أن يكون من أهل الجنة.
ومما يدل على فضل الحج حديث أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ؛ قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللهِ؛ قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: حَجٌّ مَبْرُورٌ» متفق عليه.
وحديث عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللهِ نَرَى الْجِهَادَ أَفْضَلَ الْعَمَلِ، أَفَلاَ نُجَاهِدُ؟ قَالَ: لاَ، لَكِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ» متفق عليه.
فالحديث الأول فيه أن الجهاد أفضل الأعمال بعد الإيمان؛ ولكن ليعلم أن حج الفريضة أفضل من جهاد التطوع، قال الحافظ ابن رجب في فتح الباري: «ويكون المراد به جهاد المتطوع، وهذا أشبه بقواعد الشريعة؛ فإن من معه مال وعليه زكاة أو حج وأراد التطوع بالجهاد فإنه لا خلاف أنه يقدم الزكاة والحج على التطوع بالجهاد، كما قال عبد الله ابن عمرو بن العاص: حجة قبل الغزو أفضل من عشر غزوات، وغزوة بعد حجة أفضل من عشر حجات».
وفي الحديث الثاني وصف الحج بأنه أفضل الجهاد، وهذه فضيلة عظيمة للحج؛ وفي الحج ذلك الموقف الأعظم والمشهد الأكرم ألا وهو يوم عرفة المعظم، ذلك الموقف الذي تستجاب فيه الدعوات، وتتنزل فيه الرحمات، وتعتق فيه الرقاب من النار، ويدنو فيه الرحمن جل جلاله من الحجاج.
عن عَائِشَةُ رضي الله عنها قالت: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْداً مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ الْمَلاَئِكَةَ فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلاَءِ؟» رواه مسلم.
قال الحافظ ابن عبد البر في التمهيد، بعد ذكر حديث المباهاة بأهل الموقف: «وهذا يدل على أنهم مغفور لهم، لأنه لا يُباهي بأهل الخطايا والذنوب إلا من بعد التوبة والغفران».
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «فَإِنَّهُ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْحَجِيجَ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ يَنْزِلُ عَلَى قُلُوبِهِمْ مِنْ الْإِيمَانِ وَالرَّحْمَةِ وَالنُّورِ وَالْبَرَكَةِ مَا لَا يُمْكِنُ التَّعْبِيرُ عَنْهُ» مجموع فتاوى شيخ الإسلام 5/374.
ولما ذكر رحمه الله بعض الأعمال المشروعة يوم عرفة قال: «وجملة ذلك أن هذا الموقف مشهد عظيم ويوم كريم ليس في الدنيا مشهد أعظم منه» من شرح العمدة، لشيخ الإسلام.
وهل العتق الوارد في حديث عائشة رضي الله عنها السابق يشمل غير الحاج؟
أجاب ابن رجب في اللطائف بقوله: «يوم عرفة هو يوم العتق من النار، فيعتق الله من النار من وقف بعرفة ومن لم يقف بها من أهل الأمصار من المسلمين، فلذلك صار اليوم الذي يليه عيدا لجميع المسلمين في جميع أمصارهم من شهد الموسم منهم ومن لم يشهده، لاشتراكهم في العتق والمغفرة يوم عرفة».
فنسأل الله أن يمن علينا بالحج المبرور، وأن يغفر لنا السيئات ويضاعف الأجور، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *