إنّ أطفالَ اليوم، هُم شراعُ سفينة المُستقبل، ومشروعُ كلّ أسرةٍ، ومن المُهمّ جدّاً لأيّ مجتمع أن يكونَ أفرادُهُ أسوياءَ، إذ لا حاجةَ لنا بالمزيدِ من المرضى النفسيين. ومن المعروف أنّ الإنسانَ كائنٌ هشٌّ وضعيف، فمن الحيوانات من يستطيعُ الاعتمادَ على نفسه فقط بعد مرور بضع ساعات على ولادته، على عكسنا نحنُ، يكبُرُ الواحدُ منّا وبالكادِ يستطيعُ الاعتمادَ على نفسه وتخفيف الاتّكاءِ على الآخرين (والديه، أسرته، أصدقائه.. إلخ)، ومنهُ، فواجِبُ القويّ أن يحميَ الضّعيفَ ويظلَّه، وواجبُ كلّ زوجينِ هو حماية أطفالهم ما داموا قد قرّروا منذ البدءِ إنجابَ طفلٍ سيكونانِ مسؤولينِ عنه، ففي اللحظة التي يلعبُ فيها أطفالُنا بكلّ سلامٍ أمامَنا، يتعرّضُ طفلٌ ما، في بقعة من بقاع هذا العالم إلى تحرّشٍ أو اغتصابٍ سيقلبُ حياتَهُ رأساً على عقبٍ، ومن يدري، قد يكونُ أحد أطفالنا الضّحيّة القادمة، فكيفَ يمكننا إذن أن نحميَ أطفالَنا من الاغتصاب؟
في مجتمعنا العربيِّ، ما زال من العيبِ أن نناقش أهلنا في مواضيعَ تُصنَّفُ ضمنَ كلّ ما هو “قليل حياء”، ومُجرّدُ التساؤل عن أبسطِ ما يوجَدُ ضمن هذا السياقِ، يجعلكَ تنتظرُ صفعةً مباغتة تستحقُّها لأنّك تحدّثت في محظورٍ، ولن أقولَ هنا عكس الغربِ الذينَ يتحدّثونَ في كلّ الأمور، فمع توفّر الحوار بين الأطفال ووالديهم، فهم أيضاً يحتضنونَ نسباً مرتفعاً من حالات الاغتصاب، ممّا يؤكّد لنا أنّ المعرفةَ وحدها لا تكفي، فقلّما يلجأ الطّفل للبوحِ، لأنّ الغالبَ هو دفنُ السّرِ إلى أن يطوي الزّمَنُ أسرارَ صغارٍ يحملونَ ذنبَ ما لم يقترفوهُ عُمراً كاملاً. وفي الختامِ، يصلُ الحالُ ببعض هؤلاء الضحايا إلى الانتقام وإيذاءِ المُعتدي، أو الإقدام على العمل نفسه بتوسيع دائرة الضحايا، ما لم تكن ردّة الفعلِ هي الصَّمتُ للأبدِ.
بعض الخطوات التي يجبُ اتخاذُها كإجراءاتٍ احترازية لحماية الطفل:
أوّلاً: التواصل والثقة
إنّ التقرّبَ من الطّفلِ وكسب ثقته من بين أهمّ الأسباب التي ستُمكّنه من الإفصاحِ عمّا يمرّ بهِ أو يتعرَّضُ له، فالخوفُ من ردّة الفعلِ دائماً ما يكونُ العائقَ بين الأبناء وآبائهم، لذلك من الجيّد تخصيص دقائقَ قبلَ النّومِ أو في الوقت المُناسب لأيّ أسرة يتمّ فيها الاستماع إلى الطّفل ومعرفة كيفَ قضى يومَهُ ومع من ومعرفة تفاصيل أحداثِ ما قامَ بهِ. وإعطاؤه الأمانَ في كلّ مرّة يروي فيها عن أسوأ تجاربِهِ أو قيامه بأشياءَ خاطئة يجبُ إخبارهُ بالصّوابِ وترشيدُهُ وتفهُّمُ موقِفِهِ وإفهامه الصحيح، ومنحه الحق في الدّفاع عن نفسه، وتبرير موقفه، مع ختمِ الكلامِ بـ: “أنتَ طفلٌ جيّد، وأعلمُ أنّك تسعى إلى الصّوابِ دائماً وإن أخطأت فلا عيبَ، ومجرّد مشاركتكَ لنا في هذا الموضوع خطوة جيّدة يا ولدي”.
ثانيّاً: حماية الخصوصية
يُمكن تناولُ مسألة الخصوصية بازدواجيّةٍ تتمثّل في أن يحمِيَ ويحترمَ الآباءُ خصوصيّة أطفالهم من جهة، ويُعلّموه كيفَ يحمي خصوصية جسده من جهةٍ أخرى من أجل حفظ الوقاية للطّفلِ، فلا يجبُ أن يتمّ التساهلُ مع بقائه عاريّاً بعدَ أن يستحمَّ، ولا يجبُ أن يحمّمه غير المقرّبينَ جدّاً ممّن يمكن الوثوقُ بهم، ولا يجبُ أن يغيِّرَ له ملابسه ويلمسَ جسده أحد. كما يجبُ تعليمه عدم لمس بعض المناطق من جسده أو منح صلاحية لمسها لأيّ شخصٍ كانَ، وتعليمُهُ من محظوراتِ هذه الأفعال، أي: تعليم الطفل كيف يفرّق بين السلوك الشاذ (غير اللائق) والسلوك السوي. علاوةً على الحرصِ على تعليمه ارتياد الحمّام وحده، وتشجيعه على ارتداء ملابسه باستقلاليّةٍ دونَ الحاجة للآخرينَ. كما يجدر التنويه إلى أنّ حماية خصوصية الطّفل تشمل أيضاً عدم إجبارِهِ على عناق أو تقبيل أيّ شخصٍ أو الذّهابُ معه ولو في نزهةٍ عامة وهو لا يرغبُ، فقد يكونُ الشخص الذي نجبرهُ على تقبُّلِهِ وتقبيلهِ اليوم هو نفسُ مغتصبهِ غداً، وبالتّالي إذا ما أجبرَهُ أحد ما على القيام بما لا يريدُهُ أو يستغربُهُ فلن يُدركَ ما يجبُ ممّا لا يجبُ. لذلك، لا يجبُ أن يتمّ التعامل بأسلوب الإجبار مع الأطفال، بل على العكس، يجبُ احترامُ رغباتهم، وأخذ كلامهم وأفعالهم على محمل الجدّ والمُراقبة.
إنّ الرسول صلى الله عليه وسلّم عندما أوصانا بأن نفرّق بين أولادنا في المضاجع ولو دونَ سنّ البلوغِ، فقد كانت الوصيّة حافظةً لخصوصية الأطفالِ وخيراً عليهم، ومنه فلا يجبُ على الطفل أن ينام إلّا في مكانه الخاص، ولا يتمّ تركه للغرباء أو النّوم بجانب أيّ ضيفٍ أو قريب مهما أصَرَّ، وإذا ما كانت الأسرة في ضيافة أشخاص ما، يجبُ على الوالدينِ النّومُ في نفس الغرفة مع طفلهما.
ثالثاً: الجسدُ لا يكذبُ
تظهرُ على الطّفل الذي يتعرّضُ للتحرّش مجموعة من العلامات، فلطالما آمنتُ بمقولة أنّ الجسدَ لا يكذِبُ، فمهما حاولنا إخفاءَ ما نريدُ من المشاعرِ، فلا يُمكن لنا أن نخفيَها عن شخصٍ يفهمُ لغة الجسدِ، اللغة التي لا تَكذِبُ، فطقطقة الأصابع بالضرورة تعني التوتّرَ، والشرودُ بالضّرورة يعني الخوفَ أو التفكيرَ في شيء ما، وعليهِ، فلا يُمكن للوعيِ أن يضبِطَ كلّ شيءٍ. ومنه، فهناكَ علاماتٌ يلقي بها الجسدُ كعلامةٍ على أنّ طفلكِ يتعرّض للتحرّش أو الاغتصاب.
أظهرت دراسةٌ قامت بها الطالبة الباحثة الجزائرية مريم هلة تحت إشراف الدكتورة فضال نادية، تحت عنوان “أثر الاغتصاب في ظهور الكوابيس عند الطّفل” على أنّ الكوابيسَ المتكرّرة أو النّومَ المنقطع من بينِ العلامات التي تدلّ على أنّ الطّفل يتعرّض للاغتصابِ، وأنّ شعوره بانعدام الأمن يتسبّب له في الخوفِ. كما أنّ السرحان وفقدان الشّهية أيضاً من بينِ العلامات التي تدلّ على أن ابنك يتعرّضُ للتحرّش أو الاغتصاب. علاوةً على النّفور أو الخوف من الاقترابِ من شخصٍ ما، قد يكونُ مُؤشّراً على أنّ هذا الذي ينفر منه يُشكّلُ مصدراً للقلق.
قبل أن أشرَعَ في البحث عن هذا الموضوع، ولمّدةٍ طويلة اعتقدتُ بأنّ كلّ الأشخاص الذينَ يغتصبونَ الأطفال يفعلونها عن طواعيّةٍ، وذاتَ يومٍ في حلقة من حلقات المسلسل الأمريكي THE GOOD DOCTOR، تمّ إحضارُ شخص يُعاني من البيدوفيليا إلى الطّوارئ لأنّه كانَ يحاول التخلّص من مواطن الرّغبة لديه، تحت ذريعة أنّه يحبّ أخته كثيراً ولا يريد أن يؤذيها، فقد أنجبت أطفالاً وكلّما ذهبَ ليراها لا يستطيعُ، لأنّ هناكَ رغبةً تجتاحُهُ نحوَ الصّغارِ، وبعدَ أن تمّ إنقاذُهُ من محاولاته مرّتينِ، ألقى بنفسه أمامَ حافلةٍ وماتَ.
إنّ البيدوفيليا هي اضطرابٌ نفسي، يجعلُ المريضَ ينجذبُ ويميلُ جنسيّاً للأطفالِ، ويتمّ تصنيف البيدوفيليا كاضطرابٍ عقلي عندما يكونُ المريضُ يعاني بسببها، ويُحاول مقاوَمَتَها. وهذا الاضطراب منتشرٌ في صفوف الرّجال على غرار الإناث اللواتي تمّ تسجيلُ حالاتٍ نادرة لديهنّ، وللآن لا يوجد علاجٌ فعّال لهذا الاضطراب، فيتمّ فقط التعرّض لعلاج سلوكي نفسي، وتناول أدوية لتقليل الإثارة.
يقولُ الدكتور راي برانجارد: “إن المتحرّشين بالأطفال يتم التعرّف عليهم عن طريق أفعالهم، في حين أن مشتهي الأطفال يتم التعرّف عليهم من خلال رغباتهم. يمتنع بعض مشتهي الأطفال عن الاقتراب من أي طفل طوال حياتهم”.
إنّه لمن المفيدِ التعامل بمبدأ الشّك الديكارتي، أن أشكَّ في كلّ شيءٍ يَقِي ويحمينا من احتمالات نحنُ في غنى عنها، وتظلّ الغاية الوحيدة هي حماية الطّفل من كلّ ما يمكن أن يؤذيه، سواء حمايته من شخص قريب قد يضعه في خانة الضحايا القادمة، أو من شخصٍ غريبٍ نحنُ من يسمحُ بأن تكونَ له سلطة على أطفالنا، ومنه، وجبَ أن يكونَ الوالدانِ بمثابة الحاجبِ الذي يمنعُ وصولَ أيّ مضطربٍ إلى طفلهما. وبالرّغم من هذا، فلا يجبُ أن نخيفَ الطّفل ونثيرَ فيهِ الفزعَ ونحن نحميه، فالإفراطُ خانقٌ، والتفريطُ جريمة، وخيرُ الأمورِ دائماً أوسطُها، فنحن في الأخير لا نريدُ سوى زرع الطمأنينة والشعور بالأمن في نَفسِ الطّفل. إنّ المطلوب هو توعيتهم ومراقبتهم في البُعد والقرب، وليس القصدُ –أبداً- إرعابهم، وتذكّروا دائماً: المُتربّص شخص قريب، ولا يُمكن أن يأتي الاغتصاب دفعة واحدةً بلا مقدّمات، بعد محاولاتٍ كثيرة للتّحرّش، يبلغُ المعتدي غايتَهُ في الختام، ويصل إلى الطّفل، فلا تغفلوا عن أطفالِكُم، وراقبوا المقرّبينَ منهم، وتأمّلوا ملامح الطّفلِ دائماً، فهي البراءَةُ الوحيدة التي لا تَكذِبُ، والصدقُ النزيهُ لو كانَ يتجلّى، فتعابيرُ وجهه حقيقيّة بلا زيفٍ، ولم يتعلّم بعد التظاهُرَ، ويُجيدُ -بشدّةٍ- فضحَ نفسِهِ كلّما أرادَ نفيَ ما لا يريدُ أن يظهرَه منها.