عشق التعري؛ مرض أم حداثة؟ (لارغيت تتعرى والصقلي تصفق) حمّاد القباج

إن عشق العري وحب التعري مرض مزمن يصيب القلوب التي ضعفت مناعتها الإيمانية أو ماتت.

وهذا المرض يصعب على صاحبه أن يكتمه في نفسه؛ بل يشعر بدافع ذاتي للجهر به والحديث عنه والتعبير عنه بأقوى ما يدركه من أنواع التعبيرات، كما يشق عليه أن يتفرد به، بل يحب أن يراه في كل أحد…
ولذلك نلمس هذا في كلام وسلوك أهل المجون وعشاق الإباحية، لا سيما الشعراء وأصحاب القلم منهم.
وقد ارتبطت هذه الظاهرة بمجال الأدب منذ غابر الزمن؛ ارتبطت به لكون الأدب علما وضع للتعبير عن المعاني الجميلة بأفضل الأساليب وأبلغ العبارات، لكن انحراف الذوق جعل كثيرين يعتبرون المجون والتعري من الجمال والحسن؛ ومن هنا لاحظنا اشتمال التراث الأدبي على آلاف النصوص الشعرية والنثرية في عشق الجسد العاري والتدقيق في وصفه والتعبير عن حبه إلى درجة تصل أحيانا إلى التأليه والعياذ بالله.
وقد وجد في كل أمة مصلحون ما فتئوا يؤكدون -بدافع ديني أو ذوقي أدبي سليم- انحراف هذا المسلك، وقبح الذوق الذي ينبني عليه.
وعرف هذا الانحراف عند علماء الإسلام باسم: “عشق الصور”، وتتابعوا على عده مرضا قلبيا يحتاج إلى علاج قوي وطويل الأمد.
.. ولما تفتق الفكر الحداثي المعاصر من الفلسفة المادية الملحدة التي انتصرت في ثورتها على النصرانية المحرفة، دعم ذلك التوجه المرضي في علم الأدب، وصار من أهم روافد الإباحية التي اتخذت مذهبا فلسفيا ولم تبق مجرد نزوات شخصية، وظهرت (إبداعات) تؤله التعري وتعتبره شيئا ضروريا في حياة الإنسان، وبرزت الدعوة إلى ثقافة وسلوك العري والتعري، وظهر ذلك كله في واقع الآلاف من الناس رجالا ونساء، واتخذ صورا وأشكالا من أقربها وأكثرها شيوعا ما نلاحظه عند الفتيات من ميل مفرط إلى اللباس العاري.
لقد بين الإسلام بوضوح أن التعري سلوك ساقط يتنافى مع الكرامة الإنسانية، وهو مرض يغذيه داعيان أساسيان؛ الأول من داخل النفس البشرية: وهو غياب الحياء، والثاني من خارجها: وهو وسواس الشيطان وتزيينه.
وأكد في المقابل أن الستر فطرة بشرية وسلوك حضاري وواجب شرعي يحافظ عليه أهل الإيمان والحياء.
قال الله تعالى: {يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26) يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُون}َ [الأعراف/26، 27]
وعن معاوية بن حيدة قال: قلت يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر قال: “احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك”، فقال: الرجل يكون مع الرجل قال “إن استطعت أن لا يراها أحد فافعل” قلت والرجل يكون خاليا قال: “فالله أحق أن يستحيا منه” [رواه الترمذي وحسنه]
وقال عليه السلام: “الإيمان والحياء قرنا جميعا، فإذا ارتفع أحدهما ارتفع الآخر” [رواه أحمد وصححه الألباني]
إن غياب هذه المعاني الشرعية البليغة الجمال والروعة، هو الذي جعل جماهير من المسلمين والمسلمات يميلون إلى ثقافة العري وسلوك التعري، كما هو حال نادية لارغيت زوجة مدير المركز السنيمائي المغربي، التي قادها عشقها للتعري إلى الزج بجسدها في أوحال المهانة والابتذال؛ حيث قدمته رخيصا مهينا على غلاف مجلة فرنكوفونية.
وقد سوغت انحطاطها السلوكي بقولها: “أعلم أن صورتي سوف تصدم أناسا لكنها بالنسبة لأناس آخرين ستمنحهم نفسا حداثيا غير متوقع”.
وبقدر أسفي حين أقارن بين مسلمة أقامت حربا ضد من سعى لتعريتها، وبين مسلمة تعرت من تلقاء نفسها، بقدر حزني على أناس لم يأخذوا من الحداثة إلا أزبالها، ولم يمجدوا منها إلا أمراضها، أناس أسقطوا من يدهم اليمنى حياءهم وأدبهم الاجتماعي، ومن يدهم اليسرى عوامل التقدم العلمي والصناعي والتقني والاقتصادي، ومدوا اليدين إلى حداثة الفسق والمجون والإلحاد، يلهثون وراءها عطشى جوعى مرضى، يلتمسون فيها الري والشبع والشفاء، وهي لا تزيدهم إلا جوعا وعطشا ومرضا؛ في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا..
ومما يؤسف حقا؛ أن نزهة الصقلي وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن، كانت أول من اعتبرت ذلك السلوك نفسا حداثيا، وصرحت ليومية الأحداث بأن الصورة عادية.
وهذا السعي للتطبيع مع مظاهر الثقافة الإباحية يعطينا مؤشرا على المدى الذي وصل إليه أنصار الحركة النسوية العلمانية في التنكر للقيم وأحكام الشريعة الإسلامية، وارتمائهم المطلق في أحضان العلمانية الإباحية التي لا تؤمن بالدين والأخلاق.
إن (هيستريا) عشق العري والتعري التي أصابت عددا من المسلمين والمسلمات، والتي تجلت في نصوص (أدبية)، وأفلام سينمائية، وأعمال مسرحية، ومهرجانات غنائية، وإعلانات تجارية أو تقارير طبية…إلـخ.
إنها تعبير عن الضياع والانسلاخ من الهوية والتنازل عن الشخصية واللهث وراء سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى {إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب}
أجل؛ يحسبون أن الحداثة النافعة والرقي والازدهار يؤتى من باب الإباحية والانحراف الأخلاقي؛ بينما يتفق العقلاء أنهما عاملا تفكك وانحطاط..
إن المغرب يشهد صراعا قويا بين سلوك الستر والحجاب الذي يستند إلى النص الشرعي وأدب الحياء والعرف المحتشم والحضاري، وبين سلوك العري والتبرج الذي يستند إلى مرض القلب وثقافة الإباحية والأدب الماجن.
وهو صراع يدخل في إطار التدافع بين مقومات الفضيلة وعوامل الرذيلة.
وعلى المغاربة أن يتصفوا بالتعقل والاستعلاء على نزوات النفس الشهوانية ليعبروا بلسان واحد عن رفضهم لهذا السلوك المَرَضي الدخيل على هويتهم وقيمهم، وعلينا أن نحقق الوعي الناضج الذي يجعلنا نقتبس من الحداثة خيرها المتمثل في التقدم في البحث العلمي والتطوير التقني والاقتصادي، ونرد شرها وأمراضها التي يعتبرها الغربيون ضريبة الحداثة، ولم يعتبروها يوما شرطا لتحققها أو بريدا إليها.
وهي ضريبة يمكن أن نتخلص منها نحن إذا تمسكنا بديننا وأخلاقنا العالية، وجعلناها إطارا محيطا بسعينا نحو التقدم والازدهار، أما المرضى فشفاهم الله..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *