بعد المخطط الاستعجالي.. جاءت القرارات الاستعجالية ذ.محمد بلهادي

كما هو معلوم في الأوساط التربوية، فقد جاء المخطط الاستعجالي لتدارك التأخر الذي حصل في تنفيذ وأجرأة الميثاق الوطني للتربية والتكوين، الذي بدأ تفعيله سنة 2000، ولأجل تحقيق هذا الهدف تبنت وزارة التربية الوطنية، وتحمست بشكل غير مسبوق لبيداغوجيا الإدماج، وجعلت منها نموذجا لتطوير المناهج، وجندت لها عدة من البرامج والأطر والتدريب والوسائل والدلائل والمذكرات… ما يكفي لشن حرب حقيقية على كل بيداغوجيا أخرى ممكنة وكل نموذج محتمل.
لكن السيد محمد الوفا وزير التربية الوطنية في الحكومة الجديدة منذ البداية أبدى تحفظه على ما جاء به المخطط الاستعجالي وترجم هذا التحفظ بإصدار مذكرته المتعلقة ببيداغوجيا الإدماج ، والتي أعلن بها عن ظهوره الرسمي وخروجه المدوي، هذه المذكرة تميزت بالإقتضاب في مضمونها، والإيجاز في عباراتها، والدقة في ألفاظها، والحسم في قراراتها، والمتضمنة لثلاثة مصطلحات فاصلة، وهي: “إلغاء”،”إرجاء”،”توقيف”.
الإلغاء تعلق بالمذكرة 204 الخاصة بنظام التقويم، والإرجاء تعلق بالعمل ببيداغوجيا الإدماج بالسلك الثانوي الإعدادي، في انتظار ما سيقرر السلك الابتدائي في هذا الشأن، والتوقيف تعلق بجميع التكوينات المرتبطة بالإدماج.
من الملاحظات الأساسية على هذه القرارات وخاصة ما تعلق منها ببداغوجيا الإدماج، أنها لم تستند على دراسة تقييمية رسمية لهذه المقاربة في الأوساط التربوية من طرف الجهات المختصة، ونشير هنا بالتحديد إلى المجلس الأعلى للتعليم الذي أصبح يسمى حسب دستور 2011 بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي؛ والذي من المنتظر أن يكون بمثابة برلمان للتربية، وكان من الأفيد لو بدأ السيد الوزير بتشكيل وتفعيل هياكل هذا المجلس، ثم وضع ملف المخطط الاستعجالي فوق طاولته من أجل التقييم والخروج بتوصيات بناءة.
رغم ذلك فقد وصف البعض هذه المذكرة بالتاريخية، حيث نزلت برداً وسلاماً على فئة عريضة من رجال التعليم، الذين عارض جزء منهم هذه البيداغوجيا وقاطعوها، وجزء آخر عمل بها على مضد ولم يستصغها، تحت ضغط بعض المديرين والمفتشين.
في المقابل نجدها نزلت كالصاعقة على فئة أخرى، وهي التي كانت تهلل وتكبر لبيداغوجيا الإدماج في كل مناسبة وحتى بدون مناسبة، وتدافعت على تطبيقها والعمل بها بكل ما أوتيت من قوة، واعتبرتها المنفذ الفريد والخلاص الوحيد لأزمة منظومة التربية والتكوين ببلادنا.
ومن الذين لم يتقبلوا هذه المذكرة والطريقة التي أنزلت بها نجد هيئة التفتيش التربوي، التي اعتبرتها إلى جانب القرارالذي جاء في نفس الفترة القاضي بإلغاء العمل بالمذكرة 122 الخاصة بتدبير الزمن المدرسي، مساً مباشراً بكرامتها، وتعد صريح على اختصاصاتها، وتهديداً لوجودها.
إذا نحن حاولنا أن نقيّم هذه البيداغوجيا ولو بشكل سطحي، فنجد على المستوى الاقتصادي قرابة 70 مليون درهم، استنزفت من خزينة الدولة وذهبت أدراج الرياح، أخذ منها الخبير البلجيكي “روجيرس كزافيي” حصة الأسد (67 مليون درهم وبالعملة الصعبة)، إضافة إلى كراسات الإدماج التي عمل على إعدادها المركز الوطني للتجديد التربوي والتجريب، والتي كلفت 12 مليار سنتيم بالتمام والكمال. هذه الأعداد المهولة من الكراسات والملايين من الصفحات سيلقى بها بكل بساطة في سلة المهملات.
وعلى المستوى التربوي، نلاحظ نوعاً من فقدان الثقة في المشاريع البيداغوجية الجديدة المستوردة، خاصة من طرف هيئة التدريس، وبسبب ذلك فمن المنتظر تشكل ممانعة تلقائية لكل جديد وإن كان مفيد.
نفس الملاحظة يمكن أن تقال عن هيئة المراقبة التربوية التي اعتبرت القرارات الأخيرة المتعلقة ببيداغوخيا الإدماج وتدبير الزمن المدرسي، تهميشاً لدورها رغم المجهودات الكبيرة التي بذلتها في التنظير والتأطير. لذلك فشد الحبل من جانب هذه الهيئة أمر متوقع فيما يستقبل من الأيام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *