بالأمس البعيد ذكر “آرثر جيمس بلفور” وعده التاريخي في حياة أمة التيه والضلال, فما ارتاحت أجفان الانجليز حتى تخلصوا من “المشكلة اليهودية”, فمكنوا اليهود من فلسطين لتصير لهم دولة, فصاروا ذا قوة لا يخشى عليهم من المسلمين الذين مزقهم الاستعمار وأسقط نظام حكمهم (الخلافة).
واليوم يواصل “البلفوريون” خدمة الوطن القومي لليهود إذ وافقت اللجنة الرباعية الدولية حول الشرق الأوسط يوم 27 يونيو المنصرم على تعيين “توني بلير” سفاح العراق مبعوثا للسلام في المنطقة.
وقال “بلير” عقب اختياره كمبعوث: “إن الأولوية المطلقة تكمن في محاولة تطبيق ما يشكل الآن توافقا لدى المجموعة الدولية, على أن الطريقة الوحيدة لإحلال الاستقرار والسلام في الشرق الأوسط هي: حل يقوم على أساس دولتين لإسرائيل والأراضي الفلسطينية”.
وامتنانا وشكرا للرباعية قالت “ميري أيسين” المتحدثة باسم “أولمرت”: “إن رئيس الوزراء يعتقد أن “توني بلير” شخصية إيجابية للغاية وأنه سيكون سعيدا للغاية وهو يراه مستمرا في المشاركة بفعالية في قضية الشرق الأوسط”.
ونظرا للمصالح المشتركة لكل من الانجليز والأمريكان فلا غرابة أن يرشح “بوش” رفيقه في الحرب على العراق “توني بلير” مبعوثا للرباعية الدولية -المكونة منهم وحدهم فلا حظ لنا في السيادة لأننا رضينا بالدون حتى دب إلينا الوهن- التي تضم كلا من الولايات المتحدة وروسيا والأمم المتحدة والاتحاد الأوربي.
إذن نحن في زمن يصير فيه مجرم الحرب “توني بلير” مبعوثا للسلام, أليس بأوامره ومباركته قتل جيشه إلى جانب الجيش الأمريكي آلاف المسلمين وشرد الملايين في العراق؟! ولاقى منه الأفغان ما لقوا بحجة الحرب على الإرهاب.
إن المفاهيم قد تختلط على بعض الناس, لكن العقلاء لا تنطلي عليهم بهرجة اللعبة السياسية ومخادعة الخطاب الغربي, فأي سلام تعني الرباعية؟! وبمفهوم من هذا السلام؟!
فالسلام عند إسرائيل: هو استكمال بناء الجدار العازل, وجعل القدس عاصمة لها, وبناء الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى, وإزاحة “حركة حماس” من الواقع السياسي الفلسطيني…
والسلام عند الغرب تحقيقه راجع إلى استكمال الحملة الصليبية الجديدة على الإسلام.. والتمكين لإسرائيل حتى ينزل “الفارقليط” فيخلص أمة الصليب من صليبها, تحت شعار “المجد لله في العلا, وعلى الأرض السلام” (كلمة يرددها القساوسة)..
وأما السلام عند العرب (القوميين) فمفهومه لم يتبلور بعدُ بسبب خلافهم الدائم, وتبعية الكثيرين للغرب, وقبول البعض بالأمر الواقع المفروض غصبا من بني صهيون على المسلمين..
أما السلام عند المسلمين فهو شيء آخر..
إن تعيين “توني بلير” مبعوثا للسلام في الشرق الأوسط هو استخفاف واستهتار بعقول الشعوب الإسلامية وليس العربية فقط.. إنها مهزلة وقحة بحق الأمة المسلمة التي تعيش مرحلة الوهم حيث نزع الله المهابة منها من صدور أعدائها حتى صارت تقابل السيف وفوهة المدفع بغصن الزيتون وألحان السلام وفق ما وضعها دهاقنة السياسة في الكواليس والغرف المظلمة للمنظمة “الماسونية” التي اخترقت أغلب مواقع القرار في الأوطان الإسلامية.
أما بخصوص ترحيب قادة حركة فتح حيث صرح صائب عريقات: “الرئيس يؤكد أنه سيعمل جنبا إلى جنب مع “بلير” لتحقيق الهدف المشترك للتوصل إلى السلام على أساس مبدأ الدولتين الإسرائيلية والفلسطينية”, فهذا الترحيب إنما يفسره دعم الرباعية لحركة فتح العلمانية في حربها ضد حماس وليس رغبة تلك الأطراف للبحث عن حل لإحلال السلام بين الضحية والمغتصب.
فهل يرجى خير من حكومة تمد يدها للعدو من أجل سلامتها؟
حكومة ما إن تكونت حتى انهالت عليها المساعدات التي منعها الفلسطينيون يوم فازت حماس بـ”الانتخابات”!
وأما جوابا عن سؤال عنوان المقال: كيف أصبح مجرم الحرب مبعوثا للسلام؟!, فهو يخضع لمنطق سياسة المنتصر، فإذا كان “جورج بوش” في نظر الرباعية وفتح وباقي أغنياء الحرب راعي السلام! و”شارون” شبه الهالك حمامة السلام, فكيف لا يصبح “توني بلير” مبعوثا للسلام؟!
فبأي مفهوم يروج العلمانيون للسلام، أبمفهوم الرباعية و”بوش” و”بلير” و”وأولمرت”؟ أم بمفهوم من يبادون في العراق وفلسطين ولبنان والشيشان وأفغانستان والصومال والقائمة مفتوحة..؟