انتبه يا عبد الله؛ فإنك في بيت الله (6) تطييب المسجد وتطَيُّبِ المصلي وما ينافي ذلك (2/2) نور الدين درواش

انتهينا في المقال السابق بالحديث عن نهي النبي ﷺ من أكل ثوما أو بصلا من دخول المسجد.

ويلحق بما ذكر النبي ﷺ من الأشجار ذوات الروائح الكريهة كل ما له رائحة مستقذرة سواء أكان مباحًا أم كان محرمًا كالدخان… مما ينبعث منه مكروه من الروائح التي ينبغي أن تُصان المساجد عنه سواء أكان ذلك في البدن أم في الملابس أم في المطاعم أم في غير ذلك مما يتعاطاه الناس.

وما شرع الله ـ غُسل الجمعة إلا لتخلية البدن من الأوساخ والروائح التي قد تؤذي ضيوف بيوت الله فعَنْ عِكْرِمَةَ، أَنَّ أُنَاسًا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ جَاءُوا فَقَالُوا: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ أَتَرَى الْغُسْلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبًا؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنَّهُ أَطْهَرُ، وَخَيْرٌ لِمَنِ اغْتَسَلَ، وَمَنْ لَمْ يَغْتَسِلْ فَلَيْسَ عَلَيْهِ بِوَاجِبٍ، وَسَأُخْبِرُكُمْ كَيْفَ بَدْءُ الْغُسْلِ كَانَ النَّاسُ مَجْهُودِينَ يَلْبَسُونَ الصُّوفَ وَيَعْمَلُونَ عَلَى ظُهُورِهِمْ، وَكَانَ مَسْجِدُهُمْ ضَيِّقًا مُقَارِبَ السَّقْفِ – إِنَّمَا هُوَ عَرِيشٌ – فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي يَوْمٍ حَارٍّ وَعَرِقَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ الصُّوفِ حَتَّى ‌ثَارَتْ ‌مِنْهُمْ ‌رِيَاحٌ آذَى بِذَلِكَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَلَمَّا وَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ تِلْكَ الرِّيحَ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ إِذَا كَانَ هَذَا الْيَوْمَ فَاغْتَسِلُوا، وَلْيَمَسَّ أَحَدُكُمْ أَفْضَلَ مَا يَجِدُ مِنْ دُهْنِهِ وَطِيبِهِ» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ثُمَّ جَاءَ اللَّهُ بِالْخَيْرِ وَلَبِسُوا غَيْرَ الصُّوفِ، وَكُفُوا الْعَمَلَ وَوُسِّعَ مَسْجِدُهُمْ، وَذَهَبَ بَعْضُ الَّذِي كَانَ يُؤْذِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا مِنَ الْعَرَقِ([1])

فعلى المسلم قبل ذهابه إلى المسجد أن يحرص على الطهارة والتنظف في بدنه، والتجمل في لباسه، والتطيب في رائحته؛ حتى يخشع في صلاته ولا يؤذي المصلين ولا الملائكة.

كما ننصح بالمداومة على نظافة الفم بالماء والمطهرات -كمعجون الأسنان- وأولاها وأفضلها السواك، الذي وردت فيه نصوص كثيرة مطلقة ومقيدة.

والمقصود بالمطلق ما ورد من استحباب السواك ومنها وصف النَّبِيِّ ﷺ له، فيما روت عنه عائشة رضي الله عنها، أنه قال:«السِّوَاكُ ‌مَطْهَرَةٌ ‌لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ»([2]).

والمقصود بالمقيد؛ ما ورد في استحبابه عند الوضوء وعند الصلاة وعند قيام الليل وعند تلاوة القرآن وعند الاستيقاظ من النوم وعند دخول البيت.

أخطاء متعلقة بالروائح:

  • ومن هذا الباب خطأ كثير ممن ابتلي بالتدخين… ولا شك أن هذه البلية ممحقة للبركة مضيعة للمال ومهلكة للبدن، وقبل هذا كله فهي مغضبة للرب ـ ثم صاحبها يؤذي المصلين بِنَتَنِ ريحه في المسجد، بل يؤذي الملائكة فإنها تتأذى بالثوم والبصل والكرات، وهي مباحة في الأصل وريحها دون رائحة التدخين فكيف وهو مُحَرَّم..

ونحن لا نقول للمدخن: اترك المسجد؛ بل نقول له: إننا نفرح بك رفيقا في بيت الله، ومؤنسا على طريق الصلاة، فاترك التدخين ولازم بيت الله ﻷ وصلاة الجماعة، فملازمة المسجد من أعظم ما يعين على ترك التدخين.

  • ومن الآفات التي ابتلت بها مساجدنا اليوم رائحة الجوارب المؤذية والمقززة بسبب تساهل كثير من المصلين في نظافة أقدامهم أو نقاء جواربهم ونعالهم، أو سرعة تعرق وتغير أقدامهم ونعالهم، ولا شك أن رائحة ذلك أسوأ وأشد من رائحة الثوم والبصل والكرات…فالواجب على رواد بيوت الله تجنب كل ذلك، ومن أراد دخول المسجد وعلم أن بقدميه أو جوربيه رائحة مؤذية؛ فليغسل قدميه قبل دخول المسجد بالماء والصابون، حتى يتيقن زوال الرائحة النتنة التي تؤذي المصلين، وبخاصة حال سجودهم ووضع جباههم وأنوفهم موضع مرور الأقدام.
  • ومما له تعلق بهذا الباب بعض أصحاب المهن الشاقة ممن يشتغلون في الحرارة، كعمال البناء والأفران الحمالين ومن شابههم ممن تسبب ظروف اشتغالهم في انبعاث رائحة العرق الشديد المؤذي فيدخلون بيوت الله على حالهم وقبل تنظفهم وإزالة الروائح عن أجسامهم وثيابهم.
  • ومن ذلك أيضا أن بعض الناس الذين يمارسون الرياضة، فيعرقون عرقا شديدا، وتنتن أجسامهم، فيأتون للمساجد قبل التنظف والاستحمام وتغيير الملابس المتعرقة والنتنة.
  • ومن ذلك أيضا باعة المواد الشديدة الرائحة كبائعي السمك، والعمال في تصبير السمك، أو في موانئ الصيد أو قوارب الصيد، أو عمال الجلود أو الأمعاء، أو غيرها من الروائح الشديدة والزُهُومَة([3]) المؤذية فهؤلاء يؤذون المصلين وربما تأذت منهم الملائكة، ويفسدون فرش المسجد وينتنونه…

قال القاضي عياض: “قال الإمام:([4]) الأحاديث التي فيها النهى عن دخول المسجد لمن أكل الثوم وشبهه قال أهل العلم: يؤخذ منها منع أصحاب الصنايع المنتنة كالحَوَّاتِين والجزارين من المسجد”([5]).

  • ومن ذلك أيضا بعض من يشتغلون في إعداد بعض الأطعمة شديدة الرائحة كالمقليات، أو المشويات، ومن أسوأ ما يمثل به لهؤلاء من يشتغلون في شواء لحم السمك أو المفروم منه (كفتة السردين) ولا تخفى رائحة ذلك وشدتها. وهؤلاء العمال مهما تحرزوا فإن الرائحة تعلق بثيابهم، ما يؤذي غيرهم فعليهم بالصلاة في بيوتهم أو أماكن أعمالهم حرصا على أداء الصلاة في وقتها وتجنبا لإيذاء المصلين والملائكة.
  • ومن ذلك أيضا من يكون به جرح أو مرض يسبب انبعاث رائحة كريهة منه، فالواجب عليه السعي في علاج سبب الرائحة، وترك المسجد إلى أن يزول المانع.
  • ومما له تعلق بالباب خطأ بعض الناس الذين يتعاطون شرب الأعشاب الطبيعية، أو البهارات، الشديدة الرائحة؛ إما على سبيل التداوي أو على سبيل الاستمتاع، فيؤثر ذلك في رائحة الجوف والفم وبخاصة عند المبالغة والإكثار ما يؤذي المصلين وقد يؤذي الملائكة.

وحصر أفراد ما يحصل به الأذى في هذا الباب متعذر، وإنما نبهت بما ذكر على ما لم يذكر، وإذا تَتَبَّعتَ موارد الأمر بالنظافة والتطهر في نصوص الشرع؛ علمت يقينا أن الإسلام دين الطهارة الحسية والمعنوية، وما تشريع الغسل والوضوء في مناسبات كثيرة ومتقاربة إلا دليلا واضحا على ذلك.

ولهذا فعلى المسلمين عموما ومن ابتلي بهذه الروائح خصوصا؛ العناية بالاستحمام والنظافة اليومية، مع الاستعانة بالمعطرات والطيب، أو بعض المواد التي كان يستعملها الناس قديما لمنع الرائحة الكريهة من الإبطين والمغافر مثلا كالشب ونحوه.
————————————————–
([1]) رواه أبو داود (353)، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (380).
([2]) رواه  النسائي(5) وصححه الألباني في صحيح الجامع (3695).
([3]) الزُّهُومَةُ: رِيحُ لَحْمٍ سَمِينٍ مُنْتِنٍ. وَلَحْمٌ زَهِمٌ: ذُو ‌زُهُومة. [لسان العرب (12/277)].
([4]) يقصد المازري.
([5]) إكمال المعلم بفوائد مسلم (2/496).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *