سجلت دراسة حديثة أصدرها معهد اليقظة الصحي بفرنسا يوم الإثنين 2 ذي الحجة 1429هـ/1 دجنبر 2008م بمناسبة اليوم العالمي لمحاربة السيدا انخفاض نسبة الإصابة بفيروس السيدا سنة 2007م بمعدل 12 في المائة، وفي نفس الوقت أكدت أن نسبة المصابين بهذا الداء ارتفعت في صفوف الشواذ جنسيا، حيث انتقلت النسبة في صفوفهم في السنوات الخمس الأخيرة من 26 إلى 38 في المائة، وسجلت الدراسة استقرار هذه النسبة في سنة 2007م.
وتعليقا على هذه النتائج أكد “بيرتراند أودوان” المدير العام لمؤسسة ”سيداكسيون” لجريدة ”لوموند” الفرنسية أن هذا الانخفاض يحتاج إلى تأكيد، وأن هذه النسبة المسجلة لا زالت ضعيفة.
وفي المقابل رغم المقاربة المعتمدة مغربيا لمحاربة السيدا، فقد سجلت الأرقام منذ سنة 1993م تزايدا مضطردا في حدوث حالات الإصابة بالسيدا، إذ انتقلت نسبة الحالات المصرح بها حسب إحصائيات وزارة الصحة من 30 في المائة في الفترة الممتدة ما بين 1986م/2000م إلى 70 بالمائة في الفترة الممتدة ما بين 2001م/2007م.
كما أكدت معطيات وزارة الصحة التحليلية لمؤشر السن أن فئة الشباب هي الأكثر إصابة.
وبكل أسف نتساءل، لماذا تنخفض نسبة الإصابة بهذا الداء الخبيث في فرنسا بلد الحرية الجنسية وبلد “باريس” عاصمة الجنس، وترتفع في المغرب البلد الإسلامي والمتمذهب بفقه الإمام مالك؟
إن المطلع على واقع انتشار الممارسات الشاذة في المغرب من دعارة وسياحة جنسية وشذوذ وتعاطي المخدرات، وتفتح متسيب للعلاقات بين الرجال والنساء، وكذا الحملات الإعلامية التي تروج للممارسات والعلاقات غير الشرعية، بل وتدعو إليها في الكثير من المناسبات بحجة الحرية الفردية، وإلغاء القيود الدينية والقانونية التي تؤطر حياة الأفراد وتمنعهم من الوقوع في الفواحش، ليعلم يقينا أن ارتفاع عدد المصابين بداء السيدا ما هو إلا نتيجة لذلك المشروع الفاسد الذي يراد منه نشر الرذيلة في صفوف المجتمع المغربي.
ومن المعلوم أن داء فقدان المناعة هو داء قدم إلى بلدنا المغرب محمولا في دماء المجان من الغربيين، الباحثين عن إشباع الرغبات الشاذة وتفريغ الكبت الجنسي عبر السياحة الجنسية، وهو الأمر الذي تؤكده حتى المنابر العلمانية التي تتعاطف مع هذه الممارسات المخالفة للشرع والقانون، ففي العدد:178 من مجلة “نيشان” والذي اختير له ملف: “كيف احترفت القوادة” جاء في الصفحة 28: “في محل آخر راق هذه المرة، لكن نوعية زبنائه لا تختلف عن زبناء العلبة الليلية الأولى. أغلبهم أجانب..”، وفي الصفحة 29 تتكلم إحدى العاهرات عن تجربتها فتقول: “بمنزل سهام سأتعرف على مجموعة من الكليان أغلبهم أجانب..”، ولهذا وجد هذا الداء رواجا باهرا في صفوف الزواني ومتعاطي الدعارة، ليزداد كداء فتاك من الأدواء التي يعمل المغرب على محاربتها في مقاربات عديدة، قلما تأتي بنتائج إيجابية.
وقد أكدت إحصائيات الوزارة أن انتشار الداء في الفترة الممتدة ما بين 2004م/2008م كان انتقاله عبر العلاقة الجنسية غير الشرعية كوسيلة وحيدة شملت ما يقرب 87 في المائة.
هذا يحيلنا إلى ضعف المقاربات المنتهجة لمحاربة هذا الداء، ففي الوقت الذي يجب على القائمين على الأمن الصحي للمغاربة اعتبار الوازع الديني كرادع أخلاقي وسلوكي في ضعف المراقبة الأمنية والمجتمعية، نجد أن التدابير التي اتخذت لمحاربة هذا المرض قد تتلخص في شعار ترفعه جل الفعاليات المشاركة في الحملات الوطنية والدولية وهو الدعوة إلى الوعي الضروري في العلاقات الجنسية، الذي يبقى مجرد شعار لتأطير الممارسات غير الشرعية والتي تعتبر العامل الرئيسي لانتشار هذا الداء..
فهذه حكيمة حميش “رئيسة جمعية محاربة السيدا بالمغرب” في جواب لها على سؤال وجه لها في برنامج “مباشرة معكم” والذي تناول في حلقة يوم الأربعاء 06 دجنبر 2006م موضوع السيدا، حول مسألة عزل السجناء المصابين بالسيدا في زنزانات خاصة بهم في السجن حتى لا تنتقل العدوى لباقي السجناء، رفضت هذا العزل مراعاة لمشاعر المصابين الذين لا ينبغي تهميشهم بل يجب إدماجهم مع المجتمع على حد زعمها..، ولما عُقِب عليها بخطر انتقال العدوى عبر الشذوذ الجنسي الذي تعرفه السجون (التي تتكفل بعملية إصلاح السجناء!!)، كان جوابها: “لا ينبغي عزلهم مهما كان، وإذا كان هناك شذوذ جنسي فإنه ينبغي توزيع العازل الطبي على السجناء”.
أما نادية بزاد رئيسة فرع المنظمة الإفريقية لمحاربة السيدا بالمغرب فقد صرحت بعد الدراسة التي قامت بها المنظمة الإفريقية: “ما اكتشفناه هو جهلا بالسيدا، وانعدام ثقافة الوقاية، والاستعمال الضعيف للعازل الطبي”.
إن الخطاب العلماني المغيب للخطاب الشرعي في المقاربات المنتهجة في بلدنا المغرب هو السبب الرئيسي في ارتفاع عدد المصابين أو الحاملين لفيروس السيدا، ففي الوقت الذي نحتاج فيه إلى محاربة الدعارة والزنا، وتوعية المسلم بخطر هذا الداء الذي غالبا ما يكون سببه نشوة عابرة في ممارسة غير شرعية، وتذكيره بقيومية الله تعالى ورقابته عليه وباليوم الآخر والحساب والعذاب، وتحسيسه بضرورة اجتناب ما يوقعه في غضب خالقه وسخطه الموجب للعقاب في الدنيا والآخرة، مما يولد لدى المواطنين وازعا دينيا يمنعهم من اقتراف كل أنواع المخالفات من زنا ولواط وسحاق ومخدرات التي تعتبر من أهم أسباب انتشار السيدا.
نحن لا ننكر أن هناك من يصاب بهذا المرض خطأ، أو بطريقة غير مباشرة، ولا علاقة له بالمخالفات الشرعية، لكن في معالجة أي مشكل لا بد وأن ننظر ونولي الرعاية والاهتمام في دراسته إلى السبب الرئيس والخطير في هذا المشكل، فإذا علمنا أن الممارسات الجنسية غير الشرعية هي السبب الرئيس وجب وكان لزاما علينا أن نحارب هذه الممارسات، لا أن ندعمها ونؤطر لها عبر نشر ثقافة الوقاية مع تقنين تلك الممارسات، لأن من كان أو كانت في أحضان مصاب بهذا الفيروس فإنها لا تفكر في طرق الوقاية -ولو كثرت مزودات العوازل الطبية أمام الصيدليات وفي الشوارع والأسواق، وأمام بوابات المدارس- وإلا لاجتنبت هذه الممارسة من أولها خوفا واحتياطا.
إن ممارسة الجنس خارج إطار الزواج مدعاة للإصابة بهذا الداء الوبال، حيث أن هذه الممارسة مرفوضة في شرعنا وأعرافنا، ونفس الأمر بالنسبة للشذوذ في بعض الدول الغربية التي أطلقت العنان للحرية الجنسية الطبيعية مع رفض جزئي للمثلية الجنسية، وهو ما أكدته الدراسة الفرنسية وإحصائيات وزارة الصحة المغربية، فحيث كانت المخالفة كان العقاب..
إن تغييب المصلحين والدعاة والعلماء عن الساحة الإعلامية، وتجاهل المقاربة الإسلامية في مكافحة السيدا، يجعل القائمين على إنتاج اللذة والمروجين للفساد بشتى أشكاله يعملون على أصعدة كثيرة ومختلفة ويستغلون الحافز الإعلامي الميسر لهم لخدمة أهدافهم، وهو الأمر الذي يساهم في ارتفاع حالات الإصابة في المغرب.
فمتى يخبو الخطاب العلماني في المقاربات الإصلاحية حتى يحيى المجتمع المغربي بنفحات الطهر الإسلامي المبني على المنهج الرباني؟