ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب يوم الجمعة خطبتين، يفصل بينهما بجلسة يسيرة على المنبر.
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عمر رضي الله عنهما قَالَ: (كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ يَقْعُدُ بَيْنَهُمَا) رواه البخاري (928).
ولم يَرِد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن الصحابة الكرام -فيما نعلم-: الدعاء أو الذكر بكلام مُعَيَّنٍ بين خطبتي الجمعة، وإنما ذكر بعض أهل العلم استحباب الدعاء بين الخطبتين، تحريًّا لساعة الإجابة التي في يوم الجمعة، ومن أقوى الأقوال في تعيينها: أنها من أول خروج الإمام للخطبة إلى انتهاء الصلاة.
ونقل ابن حجر الهيتمي عن القاضي أنه قال: والدعاء في هذه الجلسة [بين الخطبتين] مستجاب. ثم قال ابن حجر:
“ويؤخذ مما ذكر عن القاضي: أن السنة للحاضرين الاشتغال وقت هذه الجلسة بالدعاء، لما تقرر أنه مستجاب حينئذ، وإذا اشتغلوا بالدعاء فالأولى أن يكون سرا، لما في الجهر من التشويش على بعضهم، ولأن الإسرار هو الأفضل في الدعاء إلا لعارض” انتهى. “الفتاوى الفقهية الكبرى” للحافظ ابن حجر الهيتمي (1/251-252).
وقال الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله: “أما رفع اليدين والأصوات بالدعاء عند جلوس الخطيب بين الخطبتين فلا نعرف له سنة تؤيده، ولا بأس به لولا التشويش، وأنهم جعلوه سنة متبعة بغير دليل.
والمأثور: طلب السكوت إذا صعد الإمام المِنبر، وإنما السكوت للسماع؛ لذلك نقول: لا بأس بالدعاء في غير وقت السماع، ولكن يدعو خُفية، لا يؤذي غيره بدعائه، ولا يرفع كل الناس أيديهم، فيكون ذلك شعارًا من شعائر الجمعة بغير هداية من السنة فيه؛ بل إنهم يخالفون صريح السنة؛ إذ يقوم الإمام ويشرع في الخطبة الثانية وهم مستمرون على دعائهم، فأَولى لهم سماع وتدبر وقت الخطبة، وتفكر وتأثر وقت الاستراحة، وأهون فعلهم هذا أن يكون بدعة مكروهة. والله أعلم” انتهى. “مجلة المنار” (6/792).
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله هل هناك دعاء معين وارد، أو ذكر معين يقوله المصلي بين خطبتي الجمعة؟ وهل ورد أن خطيب الجمعة يدعو بين الخطبتين أم لا؟
فأجاب: “ليس هناك ذكر مخصوص أو دعاء مخصوص، لكن يدعو الإنسان بما أحب، وذلك لأن هذا الوقت وقت إجابة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر: (أن في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلى يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه).
وفي صحيح مسلم من حديث أبي موسى: (أنها ما بين خروج الإمام -يعني دخوله المسجد- إلى أن تقضى الصلاة).
فهذا الوقت وقت إجابة، فينبغي للإنسان أن يستغل الفرصة بالدعاء بين الخطبتين بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة.
وكذلك يقال بالنسبة للإمام: إنه يدعو بين الخطبتين، لكن دعاءً سريا بما يريده من أمر الدنيا والآخرة.
وكذلك أيضا في صلاة الجمعة في السجود بعد أن يذكر الأذكار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بما شاء.
وكذلك أيضا في التشهد يدعو قبل السلام بما شاء بعد أن يدعو بما ورد الأمر بالدعاء به”.
وأما رفع اليدين بذلك فلا أعلم به بأساً؛ لأن الأصل في الدعاء أن مِن آدابه رفع اليدين، فإذا رفع الإنسان يده فلا حرج، وإذا دعا بدون رفع يد فلا حرج، وهذا في الدعاء الذي بين الخطبتين” انتهى. “فتاوى نور على الدرب” (فتاوى الصلاة/صلاة الجمعة).