إثارة دافعية التعلم في التربية النبوية 1/2 محمد ايت العربي. م/ م تمزموط نيابة زكورة

ما دامت التربية تخاطب الإنسان، وما دام لهذا الإنسان حاجياته وأولوياته التي يسعى إلى تحقيقها ويتغيى تحصيلها، فإن من أكبر الرهانات التي لا ينبغي للمربي أن يغفل عنها تشجيع المتعلم للاندفاع نحو التعلم.
إنها التربية على الاختيار في واحدة من أنصع صورها؛ فإن مما يؤشر على نجاح سيرورة التعلم والتربية أن يعبر المعني بها عن رغبته واندفاعه نحو موضوع التعلم، وأن يفصح عن حاجته إليه. وفي المقابل لابد على المربي والمدرس أن يبدأ بإعداد المتعلم للتفاعل إيجابيا مع موضوع التعلم حتى لا يكون متلقيا سلبيا. وهذا ما يسمى في حقل التربية والتعليم “التحفيز Motivation”.
التحفيز: هو حالة اهتمام بموضوع معين لدى الفرد المتعلم، بحيث كلما ارتفعت درجة هذا الاهتمام ارتفع الإقبال على هذا الموضوع واجتهد المتعلم في طلبه، وكلما ضعف هذا الاهتمام كلما انخفض ذلك الطلب وتقلص) .
فعملية التحفيز هذه تجعل المتعلم متسلحا بالانتباه الذي هو شرط التعليم والتعلم الفعال والناجع وهو (اختيار وتهيئ ذهني أو توجيه الشعور وتركيزه على شيء معين استعدادا لملاحظته والتفكير فيه) .
إن التحفيز بهذا المعنى يعني لجوء المربي والمدرس إلى عدة أساليب مختلفة لإثارة اهتمام المخاطب نحو موضوع التعلم والتربية، لأن ذلك هو الضامن للتجاوب والتفاعل الإيجابي مع الموضوع.
وبالرجوع إلى السنة النبوية الصحيحة نجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحرص أشد الحرص على إثارة الدافعية لدى المخاطَبين نحو موضوع التعلم، والاستعداد الذهني والنفسي للقيمة التي يريد أن يربيهم عليها. ولقد كانت الأساليب النبوية في ذلك متنوعة تنوعا يدل على غنى التربية النبوية.
ونظرا لاستحضار التربية النبوية أهمية الاستعداد النفسي والانتباه الذهني لدى المتعلم في نجاح ونجاعة الفعل التربوي، فقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام يتوقف عن الكلام إذا رأى من المخاطب ما يدل على انتفاء هذا الاستعداد الذهني والنفسي، وذلك لأن الخطاب التربوي حينئذ يصير ذريعة إلى هدر الجهود لا غير.
ومما يستشهد به في هذا السياق حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر، فقال: اتقي الله واصبري، قالت: إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي ولم تعرفه). هنا علم الرسول عليه السلام أنها في حالة نفسية وذهنية لا يمكن معها التفاعل بإيجابية مع الخطاب التربوي فسكت ولم يزد شيئا رعاية لشرط التعلم الغائب. وتتمة الحديث (فقيل لها: إنه النبي صلى الله عليه وسلم فأتت باب النبي صلى الله عليه وسلم فلم تجد عنده بوابين فقالت: لم أعرفك…) .
كان عليه السلام يحرص على التحفيز وإثارة الاستعداد الذهني والنفسي بأساليب متعدد، منها:
أولا: أسلوب السؤال المتنوع
كان عليه الصلاة والسلام في تربيته على القيم كثيرا ما يستهل العملية التربوية بطرح سؤال يختبر به درجة الاستعداد النفسي لدى المخاطب نحو موضوع التعلم؛ وكان يزاوج بين السؤال التهيـيئي والتحفيزي والاختباري والإنكاري والحجاجي وغيرها، كل ذلك حسب السياق التربوي وحالة المخاطَب. ونذكر أمثلة تبين هذا التنوع في السؤال.
– السؤال التهييئي
عن أبي بكرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: (الشرك بالله وعقوق الوالدين، وكان متكئا فجلس فقال: (ألا وقول الزور وشهادة الزور…) .
فقد أثار عليه الصلاة والسلام انتباههم أولا بطرح سؤال تهييئي، ثم لما علم رغبتهم في التعلم واستعداداهم للانخراط والتفاعل فيه أفصح لهم عن موضوع التعلم. فإن مثل هذه القيم السامية -وعلى رأسها التوحيد- مما لا ينبغي مخاطبة المتعلم به إلا بعد التأكد من وجود الدافعية الذاتية منه.
– السؤال الاختباري
عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟ قلت: (الله لا إله إلا هو الحي القيوم). فضرب على صدري وقال: (ليهنك العلم أبا المنذر) .
اختار النبي عليه الصلاة والسلام أسلوب السؤال الاختباري في هذا السياق التربوي. وقد يكون هذا الأسلوب من السؤال -في نظري- من أنفع وأكثر أساليب الاستفهام المثيرة لانتباه المتعلم(ة) والمخاطب بالتربية، لأنه يجعله يستجمع كل قواه الذهنية واستدعاء تعلماته السابقة من أجل الجواب عن السؤال، خصوصا إذا علم من المربي حرصه على التشجيع والمكافأة. إنه ما يسمى في الأدبيات التربوية المعاصر “استراتيجية التدريس أو التعليم بالاكتشاف”، وفلسفتها التربوية أن تجعل المتعلم(ة) هو الذي يكتشف المعلومة بنفسه.
– السؤال التحفيزي
ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوما لأصحابه: (أيعجز أحدكم أن يقرأ بثلث القرآن في ليلة) فشق ذلك عليهم وقالوا: أينا يطيق ذلك يا رسول الله؟ فقال: (قل هو الله أحد الله الصمد) ثلث القرآن) .
هنا استعمل عليه السلام السؤال التحفيزي لأنه قصد تحفيزهم إلى التنافس على أمر يظهر من خلال تصوراتهم الأولية على أنه فوق طاقتهم البشرية، ولعلمهم بأن الشريعة الإسلامية لا يمكن أن تخاطب المكلفين بفعل ما يفوق طاقتهم، انتظروا الجواب والتوضيح بكامل الاستعداد النفسي فزال الإشكال.
– السؤال الحجاجي
إنه السؤال المعتمد على المناقشة من أجل التربية بالإقناع. وهذا الأسلوب التربوي النبوي مما تتماشى معه التصورات التربوية الحديثة التي تنادي باعتبار المتعلم محور ارتكاز العملية التربوية التعليمية التعلمية. من الأحاديث النبوية الدالة على ذلك ما ثبت عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه وفيه أن الرسول عليه السلام قال: (…وفي بضع أحدكم صدقة. قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته فيكون له فيها أجر؟ قال: أليس إذا وضعها في الحرام كان عليه وزر؟ فكذلك لو وضعها في الحلال كان له أجر) .
إن الحرص على السؤال والجواب من الأساليب البيداغوجية الفعالة في التربية والتكوين؛ لما في ذلك من إيجاد التفاعل الإيجابي بين المربي/المدرس والمخاطب/المتعلم. على عكس التزام أسلوب الإلقاء الذي لا يراعي إرادة المتعلمات والمتعلمين ولا اهتماماتهم، ولا يهتم بضرورة انخراطهم الفعال والإيجابي في السيرورة التعلم والتربية.
إذا كان أسلوب السؤال بأنواعه المختلفة (تهييئي، اختباري، تحفيزي، حجاجي) من تقنيات التنشيط الناجعة بيداغوجيا وتربويا، فإنه ينبغي التذكير بضرورة الاحتراز من الأسئلة التعجيزية التي قد تشكل عائقا أمام السيرورة العادية للفعل التربوي، بل قد تقتل في المخاطبين الاهتمام بموضوع التعلم، وتصيبهم بالهزيمة النفسية التي تعيق النجاعة المنتظرة. وتفعيلا لهذا الأسلوب التربوي الناجع يبقى على المربي(ة) الحرص على حسن توظيف نوع السؤال في شتى مراحل التربية والتعليم؛ فقد يلجأ إلى السؤال التهييئي مثلا في وضعية الانطلاق، والسؤال التحفيزي والحجاجي أثناء بناء التعلمات الجديدة، ويناسب السؤال الاختباري مرحلة التقويم التكويني أو النهائي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *