مللنا من الكتابة على المهرجانات والأفلام والمسلسلات وبرامج الواقع التي لا تبحث في الواقع إلا على المواهب الصوتية الغنائية والأجساد العارية مثل برنامج “استوديو دوزيم” الذي يتأكد دورة بعد دورة أنه يسير بمهووسي الشهرة من الشباب والشابات إلى درك استنساخ النموذج الغربي الذي سلّم زمام أموره لصناع اللذة ومنتجي الشهوة، فلا خلق عنده ولا قيمة غير المتعة واللذة، والتحرر من كل قيد، لتمتيع الحرية الفردية بالسيطرة على كل ما من شأنه أن يحقق لها مرادها، ولو بتقييد حريات الآخرين الذين يرفعون لواء الطاعة وعبادة المولى سبحانه وتعالى.
فهذا الزخم من الإنتاج العبثي البعيد عن ثوابت أمتنا المخالف لمقومات هويتنا، يتطلب من كل غيور أن يرفع قلمه في وجه الذين يغرقون بلادنا بكل ما تطرحه آلات الغرب الفنية والعلمية دون تمييز بين ما يضر أبناءنا وما ينفعهم، الأمر الذي يجعلنا لا نشك أن هؤلاء المهزومين يُسْتعملون من جهات أعلن آباؤها منذ زمن أن المسلمين لن يهزمهم غير إبعادهم عن تربيتهم القرآنية والسنية وذلك بإغراقهم في ملذات شهوة المرأة الغانية وكؤوس الخمر التي بلغ منها الإنتاج الوطني أزيد من 40 مليون لتر سنويا، وصارت متاحة في الفنادق والحانات والعلب الليلية والمتاجر والأسواق الممتازة وغير الممتازة، وعند “كرابة” الأحياء الذين يتحصنون بالقوة الإجرامية والرشوة السلطوية..
مهرجان تلو مهرجان، فأيام وأسابيع المغرب كلها مهرجانات من سينما (مهرجان طنجة، ومراكش، وتطوان، والرباط..)، إلى موسيقى تارة شرقية، وتارة غربية، وتارة روحية (بعيدا عن روح الله) صوفية، وتارة جازية، وتارة شبابية شيطانية، وتارة كناوية، وتارة شعبية، وتارة أندلسية، وتارة لاتينية، فالمغرب صار أرض الموسيقى والأغاني! وبلد تكريم الفن والفنانات! فمن أراد أن تغدق عليه الدراهم فالمغرب بلد السخاء، وما عليه إلا أن يجيد الغناء والمكاء!!
وعلى النهج نفسه كانت الدورة السادسة من برنامج “استوديو دوزيم”، حيث أفرزت النتائج التنافسية مجموعة من الشباب والفتيات، يحسبهم الناظر أجانب قادمين من وراء البحار، فلباس الفتيات مع الإكسسوارات من نوع ما ترتديه ممثلات الإغراء الجنسي الذي يبدي من المفاتن ما يجعل المتأدبة تمتنع عن لبسه، غير أن ملامحهن المغربية تدفع ذلك اللبس، كما أن تهتكهن يبين حقيقة فوزهن، وطبيعة من اختارتهن عين حاذقة في تمييز الغث من السمين..
إن القناة الثانية باحتفالها الكبير بهذا البرنامج المستنسخ عن برامج الغرب العلماني الإباحي، وبتوظيفها لأكبر استوديو في إفريقيا لهذا الغرض الذي يستهدف ضرب عمق القيم والأخلاق الإسلامية المغربية، تلعب دور معول الهدم وتخون مواطنيها الذين يأملون منها أن تقدم إعلاما هادفا بناء، لكن سيطرة المد الفرانكفوني عليها ورضوخها لإيديولوجيته يجعل من هذه القناة بوقا للثقافة الغربية والفرنسية بالتحديد..
وبعد العطايا المغدقة على المغنيين، يأتي دور الممثلين الذين يحتفى بإنتاجاتهم، وينالون من التكريم والتبجيل ما يجعل التافه منهم سيد الشاشة..لكن، في مغرب الغرائب وعلو كعب المستغربين، والتمكين لهم في أماكن السلطة والقرار، وفي زمن توظيف هلامية الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، صار في المغرب عرض النفايات الفنية، والإساءات الدينية من صميم الحداثة، ومن لب التمتع بحق وحرية التعبير، وحرية الإنتاج الفني ولو على حساب قيم ودين المغاربة المحافظين الذين تتمعّر وجوههم في كثير من المحافل عندما يشاد بتفوق المغرب في عدد المهرجانات، وفي تحطيمه للأرقام الخيالية من لاعبي القمار (3 مليون مغربي)، وفي العدد الكبير للمتحررات من سياج الأسرة من الفتيات (250 ألف امرأة تعيش لوحدها)، وبأن أكثر من نصف مليون فيه مدمنين على المخدرات، مع الارتفاع المهول لعدد العاهرات، ولشاربي الخمر، ولعدد الجرائم، ومن أنه وجهة مفضلة للسياحة الجنسية…
إن بلدنا المغرب الحبيب للأسف صار يعيش في ظل سياسات علمانية ليبرلية تسيبا في القيم، وانحدارا كبيرا على مستوى الأخلاق، بل وتفاهة وسفاهة على مستوى إعداد الأجيال التي ستحمل مشعل التقدم بالمغرب في القرن الواحد والعشرين، قرن الذرة والفضاء والسلاح النووي، فليس لنا من كل هذا التقدم سوى متابعة أخباره، فلماذا نختزل حياة شبابنا في السعي الحثيث وراء تحقيق المتعة واللذة؟