قال أحد الأصحاب بعد إطلاعه على مقال “مستحلب الزيت والماء وفصام السبئية النكد” أن الفكر السلفي وقلمه الخلفي لا يزال يرفل في ثياب العنف الفكري والإقصاء الفعلي والاستقواء بغير حق على كل ما يمت للوسطية والأخوة الدينية بصلة رحم ومصل دم، ثم أردف قائلا: أليس إخواننا الشيعة يرفعون صوتهم بكلمة التوحيد، ويصدعون بالصلاة والتسليم على محمد والآل الأطهار، زد على هذا أن زناد بنادقهم وفوهات مدافعهم لم ينقشع دخانها ولم تبرد نارها وهي اليوم موجهة إلى نحو من يدنسون الأقصى الشريف ويعبثون بالعرض النظيف…
إن أول ما يجب أن نستأسده ونحن نواجه ضحايا وسطية “السويدان وعمرو والجفري” هو التماس المعذرة لهذا النوع من السذاجة البريئة، ذلك أن الكثير من المسلمين اليوم لا يعلمون عن “الشيعة” إلا ما جاد به الوسطاء الجدد، من كونهم جماعة من الناس بالغت في حب آل البيت، وصرفت همتها لنصرتهم، ورفع الضرر الذي لحقهم، وهم جماعة تخالف أهل السنة في باب الفروع الفقهية، مخالفة فهم وتأويل لا يفسد للود قضية، ولا يقدح في صفاء الأخوة ونقاوة العقيدة، ولعل استئساد هذه المعذرة سيفتح لنا آفاقا من الحزم وهامشا من الجراءة المنضبطة، وجهدا جهيدا نقتحم به حصون العمامة السوداء، ونميط اللثام عن ذلك الوجه الذميم الذي يتوارى خلف قناع التقية، ذلك النفاق العقدي الذي ما فتئ يغير جلده ويخفي حبائل شراكه، ويكيد الكيد تلو الكيد لنوال إربه المقيت، وبسط مشروع نفوذه الخبيث.
ولعل مِن شكر نعمة الانتساب إلى الحق أن نكون عند الثخوم، لا نمل من تبصرة الغافلين بجحور الهوام السامة، ولا نكل من تكرار الكر لاستعادة بريق الإيمان، ذلك الإيمان الذي من ثمراته ما حدثنا به الصادق المصدوق عن كون المؤمن لا يلدغ من الجحر مرتين، فلا ضير إذن ولا بأس من اللدغة الواحدة شريطة أن يليها التسليم الجازم، في كون التشيع تنطع مارق يسعى إلى إحياء دولة المجوس الكسروية التي دك الإسلام أركانها، وقوض عروشها وأخمد نيرانها، وعلى هذا الأساس جاء أس الرفض، ولهذه الغاية وضعت عقائد القوم، وخرج مذهب التشيع للوجود كدين مفصول عن دين “ما أنا عليه وأصحابي” له مبادئه وعلومه وعقائده ومعارفه التي تخندقه مع البودية والكونفوشيوسية، وهلم جرا من الخرافات والأساطير والأباطيل.
قد يقول صاحبي إن فقه الأولويات وفهم المصالح والترجيح بينها لا يقتضي إثارة مثل هذه المسائل والأمة غارقة في دمائها، تحارب على جبهات الصليبية الكائدة والصهيونية الحاقدة، فيقال له أن المصلحة والواجب ما وافق الشرع وإن جاء مخالفا للأهواء معارضا للعواطف المخدوعة، ثم هل من المروءة في شيء أن نآخي ونعانق من يشتم الناقل ويزدري المنقول ويسعى جاهدا لإحياء مجد كسرى والنفخ في نار “مزدا” وهذا تاريخهم الحافل بالبغي والعدوان شاهد على كلمة السواء بيننا وبينهم.
ويكفينا من ذلك أن نهمس للذين يصدعون بأخوتهم بفجاعة مقتل الخليفة العادل فاروق الحق بيد غلامهم المجوسي أبو لؤلؤة، ثم بعده جاءنا ابن السبئية متأبطا لمشروع الإمامة وشر الولاية، لينفخ في موقد الفتنة ضد مجيش جند العسرة ذي النورين الحيي عثمان بن عفان زد على هذا اعتقادهم بردة وكفر أصحاب الرسول الكريم بعد وفاته، سوى آل البيت وقليل من الصحب كسلمان وعمار وبلال وعلى هذا المعتقد والإيمان جرت العادة أن تعقد أول حلقاتهم التعليمية في حسينياتهم وحوزاتهم، بل إن أول ما يأخذه الطالب الرافضي هو آليات فكرية مارقة يخلص بها إلى نقد أصول أهل السنة، وتجريح أمهات كتبهم كالصحيحين والسنن والمسانيد والمستدركات…
يا صاحبي إن ثمة فرقا بين من حمل السلاح مع سيدنا علي رضي الله عنه لأنه رأى أنه أحق بالخلافة وأن رأيه كان سديدا في قضية إرجاء الثأر من قتلة عثمان، وبين هؤلاء المجوسيين أحفاد ابن العلقمي وأبي إسماعيل الصفوي الذين يقولون بالعصمة لأئمتهم ولا يتورعون في شتم السنة وتكفير أسلافنا الأطهار ورميهم بالفسق واللواطة وبالجبت والطاغوتية.
يا صاحبي إن هناك فرقا شاسع وبونا واسعا بين ما تجود به الشرائط الحمراء المتحركة سليلة القنوات الفضائية التي صارت للكثير بمثابة المدرسة الهوائية، وبين ما تحويه كتب الشيعة من زور وبهتان، وما تتشدق به ألسنتهم من تقية وخطب ثورية هوجاء.
يا صاحبي إننا عندهم من المبغضين لعلي وآل البيت الأكرمين، إننا بذلك أبناء سفاح وهم عند أنفسهم أبناء نكاح، فقد جاء عن علي بسند مترهل متعدد المجاهيل أن نبينا كان مسندا ظهره إلى الكعبة، فجاءه شيخ محدودب الظهر قد سقط حاجباه على عينيه من شدة الكبر وفي يده عكازة، فقال: يا رسول الله ادعو لي بالمغفرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: خاب سعيك يا شيخ وضل عملك، فلما تولى قال لي يا أبا الحسن أتعرفه؟ قلت: لا، قال: ذلك اللعين إبليس، قال: فجلست على صدره ووضعت يدي لأخنقه، فقال لي: لا تفعل يا أبا الحسن فإني من المنذرين إلى يوم الوقت المعلوم، والله يا علي إني لأحبك جدا، وما أبغضك أحد إلا شاركت أباه في أمه وصار ابن زنا فضحكت وخليت سبيله”.
يا صاحبي إن عند القوم كما يزعمون ما ليس عندنا عندهم “الجامعة” وطولها سبعون ذراعا بذراع النبي خطها بيمينه فيها كل حلال وحرام وعندهم “الجفر” وما يدريك ما الجفر؟! وعاء آدم، فيه علم النبيين والوصيين والعلماء الذين مضوا من بني إسرائيل، وعندهم مصحف فاطمة فيه مثل قرآننا هذا ثلاث مرات، والله ما فيه كما يزعمون من قرآننا حرف واحد، وعندهم علم ما كان وما هو كائن إلى أن تقوم الساعة.
يا صاحبي إنهم يدّعون أن أئمة الشيعة بمنزلة رسول الله عليه الصلاة والسلام في العصمة والوحي والطاعة إلا في أمر النساء، فلا يحل لهم ما يحل له صلى الله عليه وسلم.
ثم اسمع يا صاح لأحد محققيهم واسمه نعمة الله الجزائري: “لا يجمعنا مع أهل السنة رب ولا نبي ولا كتاب لا ربنا ربهم ولا نبينا نبيهم ولا كتابنا كتابهم” ثم اسمع بعد هذا النابغة الأندلسي العَلم الفحل الحافظ ابن حزم وهو يقول: “ومن قول الإمامية كلها قديما وحديثا إن القرآن مبدل زِيد فيه ما ليس منه، ونقص منه كثير” ثم أردف: “إن دعوى الشيعة ليست حجة على القرآن ولا على المسلمين لأنهم ليسوا منا ولسنا منهم”، ثم إذا استمعت للشهادتين فاختر لك أي السبيلين تروم، سبيل الفجار أم صراط الأبرار، واعلم أنه لا أعراف بين نار “مزدا” وجنة محمد، وأن بين الحق والباطل مستحلب مستشر، وأي مدع للتقريب والمجانسة فهو جاهل بحالهم وكتبهم أو مخادع كذاب أشر.