د.الكنبوري*: الحديث عن الإلحاد فيه مبالغة مقصودة.. وعندما نصون التدين فنحن نصون الدولة والمجتمع حاوره: نبيل غزال

1- تتحدث بعض الدراسات عن ارتفاع مؤشرات الإلحاد في المجتمع، كيف تقرؤون هذه الدراسات؟ وهل هناك فعلا ارتفاع في نسبة الإلحاد؟

في اعتقادي الحديث عن الإلحاد في المجتمع المغربي وفي العالم العربي عموما فيه مبالغة شديدة، لكنها مبالغة مقصودة ومخطط لها بدقة لإبعاد الشباب عن الدين عبر إعطاء انطباع بأن الإلحاد اليوم موضة شبابية.

أنا أعتقد أن الإلحاد كان ينتشر أكثر في صفوف الشباب خاصة الطلبة وفي صفوف النخبة في السبعينات والثمانينات بسبب ذيوع الماركسية والوجودية والفلسفات الإلحادية عموما، وكان الإلحاد وقتها موضة فعلا لكن موضة ثقافية.

أنا شخصيا مررت بهذه التجربة لبضع سنوات في الطور الإعدادي كبعض أفراد جيلي بسبب قراءاتنا المنحرفة عن الدين لدى الماركسيين العرب وأيضا هشاشة وعينا الفكري والديني وغياب التأطير من طرف الدولة التي كان يهمها فقط ربح الصراع السياسي ضد أطراف معينة مهما أد ذلك إلى خسارة جيل كامل. لذلك فإن هذه الدراسات مفتعلة ومضخمة، الواقع الحقيقي اليوم ليس ارتفاع وتيرة الإلحاد بل ارتفاع وتيرة الإيمان.

هذه هي الحقيقة العلمية التي يتم التستر عليها لطمس حالة التدين في المجتمعات، ليس فقط في العالم الإسلامي بل حتى في الغرب وآسيا وإفريقيا. هناك موجة كبيرة وعالمية للرجوع إلى التدين. لا يهم إن كان تدينا صحيحا أم لا، لكن ما يهم هو نزعة التدين في ذاتها. انهيار الأيديولوجيات الكبرى وديانة التقدم الخطي، وفشل الإيمان الأعمى بممكنات العلم وسقوط القيم الليبرالية في الغرب دفعت الناس إلى اعتناق ديانات شرقية كالبوذية والكونفوشوسية وغيرهما. ثم هناك توجه واسع نحو الإسلام في الغرب وهناك عشرات الآلاف من الغربيين الذين يدخلون الإسلام سنويا وهذه الأرقام تزعج الكنيسة لذلك يتم التستر عليها.

2- ما هي أسباب ذلك؟

أسباب الإلحاد في المجتمع المغربي وفي العالم العربي متعددة ومتشابكة. لا يمكننا أن نكتفي بالأساليب البسيطة والمناهج السطحية لقراءة الظاهرة، كأن نعتبر مثلا أن الجهل من أسباب الإلحاد فقط دون غيره. هناك أشخاص لديهم معرفة بالدين لكنهم يلحدون، هناك أشخاص كانوا في حركات إسلامية ثم خرجوا إلى الإلحاد.

السبب الرئيسي في الظاهرة هي الفجوة التي تتسع بين الدين والواقع. الدين أصبح دينا ليبراليا يهم الفرد فقط ولا يؤطر القيم المشتركة ولا يشكل مصدرا للسياسات الكبرى والقيم الكبرى كالعدل والمساواة والاستحقاق ومحاربة الفساد وخلق التنمية وغير ذلك.

واليوم لدينا شباب متعطش إلى الكرامة والإنصاف وتوزيع الثروة والحرية وسواها.. ولا يمكن إقناعه بدين لا يتحرك في المجتمع ولا يقدم ضمانات دنيوية.

هناك أيضا انتشار أسماء من الجهلة والمدفوعين الذين صاروا يحتلون الواجهة ويتم تقديمهم كمفكرين أو مثقفين يتحدثون في الدين عن جهل ويعطون صورة بائسة عن الإسلام ويركزون فقط على عورات المسلمين، ولا يقدمون أي نماذج مشرقة عن الإسلام ويطعنون في كل شيء باسم البحث العلمي، والبحث العلمي يتبرأ منهم براءة الذئب من دم يوسف. هؤلاء هم دعاة الإلحاد اليوم في المجتمع.

 

3- تحدثتم في تدوينة لكم عن ضمور دور العلماء وتغول السياسة وصعود أسماء تافهة تتكلم في الدين، كيف تدفع هاته الأمور إلى الإلحاد؟

نعم، العلماء اليوم لم يعد لهم دور، أو على الأقل صار الدور المطلوب منهم هو التصفيق وتقديم شهادة الزور أو السكوت. عندما نصنع علماء بهذه الشاكلة ونقدمهم للشباب فنحن نصنع نماذج سيئة له ونساعد على تشويه صورة العلماء، وبالتالي عندما تريد الدفاع عن العلماء غدا لن تجد من يسمعك لأن صورة العلماء هي هذه التي صنعتها بيدك وهي صورة لا يقبلها أحد.

وعندما تحتاج علماء للدفاع عن قضيتك سوف تخسرها بالتأكيد لأنك ستستعين بصناعة مشوهة. اليوم النماذج الناجحة في المجتمع هي رجال السياسة، رجل السياسة له موقع ومركز وحظوة ونفوذ ليس للعالم منه نصيب. العالم مهان والسياسي مطاع فكيف نطمع في دفع الشباب إلى تقدير الدين ورجاله. أئمة المساجد يعيشون على الفتات بينما رجال السياسة يتقاضون الملايين، ونحن لا نكرم حفظة القرآن ونساعد بهذا على رفعه من المجتمع. المجتمعات الحية تكرم رجال العلم ورجال القرآن كما تفعل تركيا.

4- هل انتكاسات “الربيع العربي” وتراجع الإسلاميين في معظم دول العالم العربي تدخل ضمن تلكم الأسباب؟

بالتأكيد الربيع العربي لعب دورا في شيوع الإلحاد أو بالأصح ترويج الحديث عن الإلحاد. لكن كيف؟ الربيع العربي كان عودة للحركات الإسلامية إلى الشارع وهو أمر ترفضه القوى الغربية. ولمحاربة هذا التوجه الجديد في السياسة تم التركيز على الدين. هم يعتقدون أن استهداف الدين سوف يقضي على الإسلاميين وهذا خطأ وخطر في نفس الوقت لأنه يستهدف الأنظمة نفسها والمجتمع نفسه.

لنأخذ المغرب مثلا، منذ أن بدأ الطعن في الإسلام بدأ النقد المبطن لإمارة المؤمنين، فالدين لا يتجزأ. عندما تتيح الفرصة لضرب الدين تتيحها لضرب جميع المؤسسات المرتبطة به، وهذا يقود إلى تحلل الروابط الدينية والتاريخية الكبرى التي طالما شكلت وحدة النسيج الاجتماعي للبلاد.

للأسف الكثيرون بمن فيهم المسؤولون لا يلتفتون إلى هذه القضية، عندما نصون القيم الدينية ونصون التدين فنحن نصون الدولة والمجتمع.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*  د. إدريس الكنبوري: مفكر وباحث في الفكر الإسلامي وعلم الأديان المقارن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *