تابعت وبإمعان ومنذ عام كامل أغلب البرامج والحوارات التلفزية خاصة بإذاعاتنا الوطنية، وتتبعت وباهتمام ما ينشر في مجلاتنا وجرائدنا عن هذا الموضوع الذي يؤز الغيورين أزا؛ ثم استنتجت أن مجتمعنا لا يزال يفتقد إلى الدارسين المتجردين إلا من الإنصاف؛ والمحايدين عن النسق العام الذي يحاول فرض نفسه وبقوة، إنه الفكر الذي يبكي على الجريمة ويندب عليها، ويتجاهل الدواء الحقيقي، وينبذ الحمية والوقاية؛ بل لا يعترف بالأسباب الحقيقية؛ إن بلدنا لا يزال بعيدا عن التعاليم الإسلامية السمحة التي تقطع حبال الجريمة قبل وقوعها، وتمنع أسبابها، وتجعل إتيان السبب جريمة في حد ذاته لكونه سبيلا إلى الوصول إليها.
إن بلدنا بحكوماته ومفكريه وجمعياته وعلمائه الرسميين وكل المساهمين في سياسته؛ لا يفتأ يقيم الدنيا ولا يقعدها على مشكل؛ إلى أن يظهر شبيهه على الساحة ليملأ الأفواه كما ملأها الأول ونسيناه؛ وتكثر المظاهرات والصراخ حول موضوع الاغتصاب؛ لتحقيق مطلب الرفع من عقوبة المغتصب؛ وينسون أن ذلك لن ينفع بل لن يرد للمغتصبة حقا؛ ولن يجبر لها نفسا..
نعم هي خطوة جدية أن نشدد في عقوبة المغتصب؛ لكنها تبقى دون حماية ملايين أخواتنا وأمهاتنا وبناتنا؛ وقد قيل: الوقاية خير من العلاج. وتبقى قرارات بلدنا محتشمة؛ عاجزة؛ تحت ضغوط سياسات لها أيديولوجيات معينة؛ فتستنكف أن تضع اليد على الجرح لتقول إن علينا حماية أطفالنا وبناتنا من: الخلوة المحرمة؛ والرفقة المحرمة؛ والمشاهدة المحرمة والبرامج الهدامة؛ والتصرفات اللاأخلاقية..؛ علينا أن نعود وبشجاعة إلى التربية الإسلامية.
إنه لشيء يهز الكيان، ويحرق الكبد؛ أن تتابع ما بُثّ من شكايات المغتصبات؛ وكلماتهن تجري على دموعهن؛ وفي مجتمعنا الملايين من تلك النماذج؛ غير أن الذي يحز في النفس ألا تشير البرامج واللقاءات التي تهتم بقضايا هذا النوع إلى الأسباب في ذلك. كان غالب ما تابعته تتمركز أسبابه حول تفريط الأنثى أو أقاربها؛ ومن نماذج ذلك:
إحدى الفتيات القاصرات التي اعتادت أن تدخل لدى صديقتها للدراسة؛ وفي يوم ما؛ لم تجد إلا أخاها الذي دعاها للدخول فلم ترفض؛ وكانت المسكينة ضحية ثقتها العمياء؛ ثم كان ما كان وبعد تعنيف أسرتها لها والنظرة الشزرة التي واجهها بها المجتمع، والكلام الجارح الذي كان يتبعها؛ فكرت البنت في الهروب إلى مدينة أخرى لتحترف البغاء وهي في الخامسة عشرة من عمرها.
ولما سألتها المحاورة إن كانت قد وجدت راحتها في هذا الوضع؟
فأجابت: إني أحس أني أغتصب كل يوم من جديد.
كان بالإمكان إنقاذ هذه الفتاة؛ واجتناب هذه المأساة بشيء بسيط؛ وهو أن ترفض الدخول إلا بعد استقبال أخته التي هي صديقتها.
امرأة تمتهن الطباخة في الأعراس والمناسبات؛ اتصل بها أحد المحتالين مظهرا أنه يرغب في اصطحابها إلى إحدى المناسبات؛ فلحق بها إلى سكناها؛ فكان الخطأ الأول أن أدخلته بيتها وهو رجل أجنبي ليس بمحرم لها؛ ثم أظهر أنه يريد أداء صلاة العصر؛ فأدفأت له الماء وتوضأ وصلى؛ فكان ذلك داعيا لجلب ثقتها؛ ثم امتطت سيارته رفقته فقادها إلى مكان خال وفعل بها ما فعل؛ فكان الخطأ الثاني هو ركوبها في سيارة غير سيارة أجرة؛ مع إنسان أجنبي وهو أمر غير مقبول شرعا.
وهذان نموذجان من تلك النماذج الكثيرة التي كان غالبها التفريط في أخذ الاحتياط الشرعي.
قد نثير استهزاء الحداثيين الذي لا يعدون الخلوة شيئا؛ لكننا نعلم أن منع ذلك؛ ونشر قيم ديننا هو المآل الوحيد للقضاء على هذه الظاهر شئنا أم أبينا؛ حتى لا نكون مثل النعامة التي تزرع رأسها في الرمال ظنا منها أنها محمية. حتى لا إنه لا مصالحة مع النزوة الإنسانية؛ إنها متى وجدت أسبابها شبّت كالنار في الهشيم وأطلقت ألسنتها لتلهب من حولها.