ليس الإسلام هو المسلم بوجمعة حدوش

عندما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، دخل أبو بكر الصديق رضي الله عنه عليه في بيت عائشة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مسجى في ناحية البيت، فأقبل حتى كشف عن وجهه فقبله ثم أقبل على الناس، وقال: أيها الناس، إنه من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، ثم تلا هذه الآية: “وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِين”.

في هذا الموقف لم يكن أبو بكر الصديق -وهو أفهم رجل لدين الله بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم- تزعجه فكرة من يحفظ هذا الدين بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنه كان يدرك أن موت شخص أو حياته ليس به يُحفظ الدين، إنما الدين محفوظ مِن عند مَن شرعه واختاره وارتضاه، لذلك أكد هذا الفهم بقوله أن من كان يعبد محمدا ويصلي ويصوم ويظهر تدينه لأجله فهذا بشر فقط وقد مات ولن يموت الدين بموته، لكن من كان يُقدِّم عبادته لمن يستحقها فهو حي لا يموت، وهو من شرع الدين ويحفظه.

وزاد على ذلك وأكد فهمه هذا بتلاوته للآية الكريمة التي تنهى الناس عن الارتداد بعد وفاة المصطفى لأنهم لن يضروا الله ولا الإسلام في شيء ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو بشر خصه الله بالرسالة فقط، فلا يفنى الدين بوفاته ولا يندثر بموته، فالرسالة باقية وإن مات المُرسَل.

في هذه الأيام اختلط في أذهان بعض الناس وعلى تفكير بعض ضعاف النفوس منهم العلاقة بين الإسلام كدين الله سبحانه، وبين بعض العلماء أو الدعاة أو المهتمين به، أو الذين يبدو عليهم آثار وعلامات التدين، فيقع لهم الإشكال في أن يُخطئ هذا الشخص أو تزل به قدمه أو يتعثر في أمر هو غير معصوم منه، فيتساءل هؤلاء الناس، هل يوجد هذا في الدين الله؟ هل هذا من الدين الله؟

وقد غاب عنهم أن دين الله لا يمثله أحد مهما كانت درجته، وأن كل شخص يمثل نفسه فقط مهما كان مستواه العلمي والتعبدي، فإذا كان نبي الله الذي هو رسول الإسلام وهو المعصوم عليه الصلاة والسلام باعتباره رسولا، قد يُخطئ أخطاء عفوية باعتباره بشر “قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ” غير أن الفرق “يُوحَىٰ إِلَيَّ” لا يَحمِل الصحابة أخطاءه البشرية على أنها من الدين فكيف لمن هو أدنى منه.

والله سبحانه قد عاتب نبيه الكريم على هذه الأخطاء البشرية المعدودة على رؤوس الأصابع، فقد نسي الرسول صلى الله عليه وسلم يوما أن يقول “إن شاء الله”، فقال له سبحانه في سورة الكهف: “وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا، إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ”، وأيضاً عتابه الله تعالى في سورة التوبة حينما أذِن لبعض المنافقين بالتخلف عن غزوة تبوك بقوله: “عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ”، وكذا عتابه له حينما قال له: “يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ” في سورة التحريم، وفي سوره عبس أطال الله سبحانه عتابه على نبيه لما أعرض عن عبد الله بن أم مكتوم الأعمى، “عَبَسَ وَتَوَلَّى، أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى”…

وغير ذلك من الآيات التي جاءت معاتبة للنبي صلى الله عليه وسلم، فلو كان الله سبحانه يخشى على دينه من بعض أخطاء نبيه البشرية ما ذكرها وما أشار إليها، ولسترها أو أوحى إليه سرا بأن يصوبها، فكيف يقول أن نبيه نسي أن يقول إن شاء الله، وكيف أن يقول أن نبيه أذن لبعض المنافقين بالتخلف عن غزوةٍ على عكس مراد الله، وكيف له سبحانه أن يقول أن نبيه “يحرم” أمورا تتعلق بزوجاته أحلها الله له، أو أن يقول بأن نبيه أعرض يوما عن أعمى ولم يلتفت له، فلو لم يكن الله يعلم أن أخطاء عباده البشرية لا تضر الإسلام في شيء وأن هذا الدين هو دين الله وأن أخطاء أي إنسان إنما تتعلق به لا بالإسلام لما أشار إليها.

فإذا كان هذا الحال مع نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم، فما بالنا بغيره ممن هم أدنى منه بل لا مقارنة بينهما كمن يقارن بين الثرى والثريا. فالعديد من العلماء والدعاة يخطؤون ليل نهار ولا يضرون الإسلام شيئا، فليس الإسلام هو المسلم.

فهذا عبد الله القصيمي ومن لا يعرف قصة عبد الله القصيمي الشيخ والعالم الذي كان ينافح ويدافع عن الإسلام، بل كان منتميا للدعوة السلفية، ساهم القصيمي في الدفاع عن الاسلام فألف كتباً عديدة في الرد على الشيعة وألف كتباً تصدى فيها للملاحدة الذين يتصيدون الأحاديث النبوية ويثيرون حولها الشبهات، ومن أشهر كتبه (الصراع بين الإسلام والوثنية)، فقد كان سجل القصيمي حافلاً بالملاحم والجهود في خدمة الإسلام، لكن هل تعلمون إلى أي شيء تحول بعد كل هذا؟

فهو لم يترك السلفية أو يتحول إلى النصرانية أو اليهودية أو حتى إلى أي دين كان، بل أصبح ملحدا لا يؤمن بأي إله أو دين، نعم من شيخ وعالم إلى ملحد شعاره لا إله، فهل ضر الإسلام في شيء، طبعا لم يضر الإسلام في شيء، فقد مات القصيمي لكن دين الله لم يمت ولم يفن، مات القصيمي وعاش الإسلام وسيعيش إلى أن يشاء الله أمرا كان مقدورا، وهكذا غيره من العباد والزهاد والعلماء والمسلمين ومنهم كثير قد انحرفوا عن دين الله ولم يضروه في شيء.

لهذا إن عصى المسلم أو انحرف فلا يقال انظروا إلى الإسلام ما يوجد به، بل يقال انظروا إلى المسلم لم يطبق دينه، كما أن من خرق قانونا معينا لا يقال إن في القانون عيبا، بل المشكل فيمن احتال على القانون، غير أن هذا ما لا يريد أن يعترف به أعداء الدين من غير المسلمين أو من العَلمانيين، إذ أنهم كلما سقط ملتحي أو منتقبة أو محجبة أو شيخ أو داعية في هفوة معينة أو انحراف أو غيره، رأيتهم يجمعون جيوشهم من الصحفيين والإعلاميين وشبه الإعلاميين ليقولوا للناس عبر قنواتهم وصحفهم وجرائدهم الورقية والإلكترونية انظروا إلى هذا الإسلام الذي يفرخ لنا أصحاب الشهوات الذين لا يفكرون إلا في فروجهم وبطونهم.

وقد فعلوا هذا فيما مضى مع “إسلامي” وامرأة داعية، ويفعلونه الآن مع من في ظاهره سمة الإسلام والله أعلم بما في قلوب العباد، وغرضهم وغايتهم من ذلك تشويه الإسلام، لكن إذا ما فعل نفس الفعل من هو على ملتهم أو قريبا منهم فإنهم يبررون ذلك، ولك أن تشبع من التبريرات وحسن الظنون إذا ما اقترفوها هم، بل رأيتم وسمعتم دفاعهم المستميت على مغنيهم الذي اتهم بالاغتصاب كيف برروا له فعلته.

نعود ونقول إن دين الله لا يضره لا من أخطأ في حقه من المسلمين ولا من أراد به سوء من غير المسلمين أو من المنحرفين عنه الذين يريدون تشويهه، كما أنه لا يضره تبديل بعض أحكامه وأسسه من دولة ما أو حكومة ما أو شخص ما، فدين الله باق ومحفوظ.

أو لم يقل سبحانه عن أول مصدره: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، بل وقال في حق خليله المصطفى (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ، لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ، فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ) الحاقة، 44ـ47، فإذا كان هذا الوعيد في حق سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم لو قال في حق الله أو الإسلام ما لم يوحي به الله له، فكيف هو حال من يسعى في تحريف كتاب الله والتقول على الله فيه ما لم يقله، وبهذا القياس يمكن الاستدلال بهذه الآية على أنه لا يستطيع بشر أن يزيد أو ينقص من كتاب الله شيئا، فالعقوبة العاجلة له بالمرصاد، فعدم الانقاص أو الزيادة فيه مستحيلة ولا تضره، فكيف يضره أخطاء من ينتمون إليه، فليس الإسلام هو المسلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *