محمد المكي بن عزوز… من القبورية إلى السلفية

كان الشيخ التونسي (محمد المكي بن عزوز) في بداية شبابه -أيام عيشه بتونس زمن الدولة العثمانية، من دعاة القبورية المناوئين لدعوة الكتاب والسنة، وقد ألف -حينها- عدة كتب، منها كتابه “السيف الرباني في عنق المعترض على الغوث الجيلاني” يرد فيه على من أنكر كرامات الشيخ الشهير عبدالقادر الجيلاني وما نُسب إليه من خرافات، وقد تهجم فيه على دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب -لجهله بها-، وجوّز الاستغاثة بالأموات، (ص 35). ثم حرص على توزيع كتابه هذا في أنحاء بلاد المسلمين، فوقعت نسخة منه بيد علامة العراق الشيخ السلفي محمود شكري الألوسي -رحمه الله-، الذي بادر بعد قراءته للكتاب إلى مناصحة صاحبه بإرسال خطاب وعظي رفيق، دون أن يكتب اسمه عليه، مرفقٌ به أحد كتب علماء الدعوة السلفية، ولعل هذه الهدية قد صادفت قلبًا متجردًا من ابن عزوز قادته -بإذن الله- إلى الحق، حيث تغيرت أحواله بعد انتقاله من تونس إلى الأستانة بتركيا.
يقول علامة الشام جمال القاسمي في رسالته إلى الألوسي -ولم يدرِ برسالة الألوسي السابقة لابن عزوز-: “إن حضرة العالم النحرير، سليل العلماء الأفاضل السيد محمد المكي بن عزوز التونسي نزيل الأستانة كان من أشداء المتعصبين للجهميين والقبوريين، ثم بصّره الله تعالى الحق فاعتنقه، وأصبح يدافع عنه.
وهذا الفاضل لشهرة بيته ونباهة أمره يُعدُّ بألوف، وقد هاجر من نحو اثني عشر عاماً من تونس إلى الأستانة، وكان رد على الصيادي في تأليف سماه: “السيف الرباني في الرد على القرماني”.. ثم إن الأستاذ الكبير صفينا البيطار لما زار الأستانة هذا العام مع الوفد الدمشقي زار السيد وجرَّ البحث إلى مسائل سلفية، ثم إن الأستاذ كاتبه من شهر فأجابه الآن بجواب نقلت محل الشاهد منه، وأشرت إلى طالب عندنا فنقل صورة ما نقلته وترونه طي هذا الكتاب، وإذا كان لمولانا أيده الله أصدقاء في الأستانة يكاتبهم فلا بأس بمكاتبة السيد المنوَّه به، وإني في هذا البريد سأكتب له بما أرسلت لفضيلتكم من كلامه، وأُعرفه بسامي مقامكم، عساه يزداد بصيرة ونوراً، فالحمد لله على توفيق هذا السيد وهدايته لما هُدي له”.
وقد أورد القاسمي نص رسالة ابن عزوز للبيطار، وهي:
كتبتُ إلى حبيب لي في المدينة المنورة ما نصه: سؤال خصوصي: أخبرني بإنصاف، واعلم أنك مسؤول في عرصات القيامة عن ذلك، أخبرني عن الوهابية الذين ترون: معاملاتهم، وحالتهم مع السنة، والحضرة النبوية، فأنا إلى الآن ما اجتمعت بوهابي، وقد تناقضت عندي المسموعات بالأذن والمرئيات في الكتب بالأعين؟ وبيان التناقض نقرِّره لك يا حبيب لتعرف كيف تجيبني، فإن المقام خطير: بعض الناس يقولون: الوهابية يحقرون المقام النبوي، ولا يرون فرقاً بينه وبين بقعة خالية في الأرض، ويقولون لمن شرب الدخان أشركت بالله، وهذا لا معنى له، ويضللون من أثنى على رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنارة، ويكفرون من زار قبراً ودعا الله عنده ويستحلون دمه.
وهؤلاء القادحون فيهم يقولون على سبيل القدح: هم تابعون ابن تيمية أحمد تقي الدين، فهنا جاء التناقض، فإن ابن تيمية إمام في السنة كبير، وطود عظيم من أطواد العرفان، حافظ للسنة النبوية، ومذهب السلف، يذب عن الدين، ويقمع المارقين؛ كالمعتزلة والقدرية، والرافضة والجهمية، ما فارق سبيل الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة قيد أنملة، وإن كان حنبلياً في الفروع، فهو في أصول الدين جامع لمذاهب الأربعة الأئمة، والأربعة الخلفاء الراشدين ومن سلك سبيلهم.
فإن كان الوهابية حقيقة على منهج ابن تيمية وابن القيم ونحوهما من فقهاء الحنابلة السنية فهم أسعد الناس بالشريعة؛ لأن ابن تيمية وأصحابه لم يُسيء القول فيهم إلا القاصرون عن درجاتهم، علماً وتحقيقاً، والراسخون في العلم شهدوا بعلو مكانتهم. وإن كان الوهابية مُتَّصفين بالصفات الذميمة المشار إليها أولاً، فأول خصم لهم ابن تيمية ونظراؤه من أئمة الحنابلة، فليسوا بتابعيهم. وبعض الناس يقولون: الوهابية هم القائمون بالسنة، المتجنبون للبدع، المتبعون للحديث الشريف، وعلى مذهب أحمد بن حنبل وطريقة السلف في الاعتقاد، وقد كنت طالعت الرسائل المؤلفة من محمد بن عبدالوهاب وأصحابه، ورأيت ما كتبه الجبرتي في “تاريخه” من عقائدهم وسيرتهم، فما هي إلا طريق السنة ليس فيها ما يُنكر، ورأيت رسائل القادحين فيهم ينسبون لهم الدواهي والعظائم، والوهابية ينفون ذلك عن أنفسهم، لا يحتجون لحسن تلك القبائح، تنبه للفرق بين قول المتنصل مما نُسب إليه وقول محسِّن ما نُسبَ إليه: فالأول منسلخ من اعتقاد ذلك وفعله، معترفٌ بقبحه، مكذب لمن وصفه به، والثاني معترف باتصافه، تأمل هذه النقطة، وفي الحقيقة: (تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تُسئلون عما كانوا يعملون).
من قصة رجوع عالم تونس (محمد المكي بن عزوز) من القبورية إلى السلفية لسليمان بن صالح الخراشي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *