اعرف كتابك -9- د. يوسف مازي(1)

من مقاصد الهدى المنهاجي للقرآن الكريم أن يعرفك بتحريف الكتب السماوية السابقة، وأن يثبت لك حفظ القرآن الكريم وسلامته من أي تحريف، لتتلقى بصائره بلا ريب. يقول تعالى: {مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَـٰكِن لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا} (النساء)، وقال أيضا جل في علاه: {وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (المائدة).
وروى الإمام أحمد، والبزار واللفظ له، عن جابر رضي الله عنه قال: نسخ عمر كتابا من التوراة بالعربية فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل يقرأ ووجه النبي عليه الصلاة والسلام يتغير، فقال له رجل من الأنصار: ويحك يا ابن الخطاب! ألا ترى وجه رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ فقال رسول الله: «لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا، وإنكم إما أن تكذّبوا بحق أو تصدقوا بباطل» في سنده جابر الجعفي ومجالد، وكلاهما ضعيف.
وفي رواية لابن كثير بإسناد صحيح أن عمر بن الخطاب أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب، فقرأه على النبي عليه الصلاة والسلام، قال فغضب وقال: «أتَتَهوَّكون فيها يا ابنَ الخطابِ؟ والذي نفسي بيدِه لقد جئتُكم بها بيضاءَ نقيَّةً، لا تسألوهم عن شيءٍ فيخبرونكم بحقٍّ فتكذبونَه، أو بباطلٍ فتُصدِّقونه، والذي نفسي بيدِه لو أنَّ موسى كان حيًّا ما وسِعَه إلا أن يَتبَعني» من حديث جابر بن عبد الله، كما في البداية والنهاية (1/185).
إنه منهج تربوي فريد من النبي المعلم عليه الصلاة والسلام يبين للناس بقوله: «وإنكم إما أن تكذّبوا بحق أو تصدقوا بباطل» فالذي صدق الباطل يستلزم أنه يكذب بالحق وإن لم يصرح به؛ لهذا وجب في حق كل من أراد أن تكون آيات القرآن له بصائر أن يقيم الدليل على تحريف وبالتالي بطلان ما عدا الفرقان. في هذه المقالة بعض مما قد يعينك على إثبات ذلك.
نزلت التوراة باللغة الهيروغليفية، لغة موسى وبني إسرائيل في مصر، ولقد مات موسى عليه السلام ودفن بمصر قبل دخول بني إسرائيل بقيادة يوشع بن نون إلى أرض كنعان -فلسطين- وقبل نشأة اللغة العبرية بأكثر من مائة سنة، إذ العبرية في الأصل لهجة كنعانية؛ فأين هي التوراة التي جاء بها موسى قومه ووضعها في التابوت(2)؟ {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (البقرة).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-(1) باحث في العلوم الشرعية، خطيب مسجد الزيتون-بني ملال.
-(2) صندوق من خشب السنط، طوله 1.25م وعرضه 0.75م وارتفاعه 0.5م، مطلي بالذهب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *