الأضرار الجسدية والنفسية لرداءة الوسائل التعليمية امحمد الخوجة متخصص في ديداكتيك العلوم الشرعية

من المسلم به أن لكل فن وسائل، وأنه لذلك كان من الحتم اللازم أن تتخذ الوسائل الجيدة للاستعانة على التحصيل والإفهام، ومنذ القديم والناس يستعينون في طلبهم للعلم بأحسن الوسائل، فكتب الوحي على الحجر ثم الرقاع إلى أن وصل إلى كتابته على الورق، بل حتى بلغ الأمر أن تختار جودة الورق حتى يعان الطالب ولا يمل.
وكان الناس يختارون جودة الأقلام فكتبوا بريش الطيور، واختاروا منها ريش ما ندر من الطيور كالطاووس ومنهم من فضل الأقلام المصنوعة من القصب إلخ.
وهذا كله إنما كان ينم عن الاهتمام بالوسائل المعينة على طلب العلم، ونحن أيضا سايرنا المنحى حسب ما كان يتوفر لدينا من إمكانيات، وقد لا تعجب من طالب يسأل صاحب مكتبة عن جودة قلم أو ورق وغير ذلك.
تلك الوسائل عديدة ولا يمكن حصرها، ولقد بات من المحقق أن الدول المتقدمة اعتمدت وسائل حديثة، لتفيد طالب العلم وتعينه لأنها علمت أنه هو المعول عليه في بناء البلاد وإصلاح العباد، وصار من المألوف أن نرى دولا لم تعد تعتمد على الكتب كوسيلة ضرورية، في الوقت الذي لا نزال نحن نثقل ظهر المتعلم في مستوى الابتدائي، برزمة من الكتب، حتى صرت تسمع مثلا يقول: الورقة التي قصمت ظهر التلميذ، عوض القشة التي قصمت ظهر البعير.
بل صار التعليم عن بعد في بعض الدول لا يكلف الحضور مادامت الشواغل كثرت والمهمات تراكمت، وسمعنا من حصل على شهادات عليا وهو لم يفارق عقر بيته، وكل ذلك تشجيعا على نشر الوعي والإسهام في تسهيل الطلب بكل مرونة وليونة.
فكثير من الحالات من أصحاب ذوي الاحتياجات الخاصة، تجد عندهم رغبة جامحة في التعلم لنبذ أصول الجهل لكنهم يصطدمون بواقع مرير تلوح حقيقته في الأفق كالشمس في ضحاها، وهو أن حالنا لا زال يرزح تحت المعطيات التقليدية التي ما فتئت إلا أن تسهم في رداءة المخرجات والنتائج، فتزداد نفسية صاحب الحاجة انكسارا.
الكتاب المدرسي:
وإذا كانت الوسائل تتعدد، فإن الكتاب هو الوسيلة المعروفة في مجتمع التعلم والتعليم في بلادنا، وهو المقصود في تصريف عناصر المنهاج، من الأهداف إلى التقويم.
هذا الكتاب هو الذي يشجع التلميذ كونه يمثل صلة وصل بين المدرس والمتعلم، ويترجم للمعلم كل ما تتوخاه الجهات المسؤولة لترسيخه في نفسية المتعلم من مبادئ وقيم ومهارات، إلا أن حضور الكتب بشكل كثيف في حياة التلميذ صار يؤرقه مما جعل الآباء يفكرون في اقتناء محفظات متينة جيدة الصنع، وربما كانت كبيرة ذات عجلات مع كونها غالية الثمن بالنسبة للآباء الفقراء، وهذا في حد ذاته مؤثر على نفسية التلميذ الذي لا يتوفر إلا على محفظة بالية مهترئة وربما استعملها غالب إخوته قبله.
مقترحات حول الكتاب المدرسي:
ومادام حديثنا هنا يدور حول الكتاب الذي هو أهم وسيلة، فلماذا لا تفكر لجنة التأليف في ضم كتب بعضها البعض، يكون لها نفس التوجه وبذلك سنفهم وسنبلغ للتلميذ أن تلك المواد لها تقاطعات مشتركة وتنتمي إلى نفس الميدان مصورين له الكفايات الممتدة، وهذا الطرح يحيلنا إلى الاكتفاء بعرض محاور وعوارض فقط، دون الإطناب في النصوص والتفاصيل التي لا تزيد الكتاب إلا حجما أكبر، مع العلم أن للمدرس الحق في التفصيل والشرح…، وبذلك نكون أمام تحقيق كتاب له مواصفات جيدة لا على مستوى الكم والحجم ولا على مستوى دفتر التحملات، ولا على مستوى انعدام المعاناة.
فمن الممكن أن نجمع بين كتاب التربية إسلامية وكتاب اللغة العربية مثلا، كما هو الحال بالنسبة للتاريخ والجغرافيا… وقد يكون هذا الاقتراح نعيقا في واد، ولكن الغيرة لها ألوان.
إن التوجه التجزيئي الذري لا يزيد إلا عنتا ومشقة، وذلك ينطبق على كثرة الكتب وتنوعاتها وإن كانت في الحقيقة تصب في اتجاه واحد، والتجزيء لا يحصل به الفهم إلا لماما، لذلك فإن اختيار الوسيلة لا ينبغي أن تكون اعتباطية بل ينبغي اختيار موصفاتها بدقة مع احترام مجموعة من المعطيات والضوابط التي تقوم على تمرير المهارات والمعلومات والكفايات بسهولة.
محتوى الكتاب المدرسي:
لا يخفى على كل لبيب أن المادة المدرسة لها دور كبير في الرغبة من لدن المتعلم، بل منهم من المختصين من اختارها وجعلها من بين شروط التعلم، إذ هي الحافز الذي يدفع المتعلم إلى الإقبال إذا كانت تساير مستواه وإدراكه العقلي وذات علاقة بمحيطه المعاش، وهي المنفر إذا كان مستوى المحتوى يفوق إدراكات المتعلم أو كانت لا تمثل له شيئا أمام الواقع، لأنه في نهاية المطاف لا يحتاجها لفك الإشكالات التي تعترض حياته.
إذن من الواجب أن يكون محتوى الكتاب المدرسي يخضع لمعايير وضوابط محكمة تراعي سن المتعلم ومجتمعه ومتطلبات الحياة التي تحققها بعض عناصر تلك المادة، وخذ على سبيل المثال مبحث الإعراب في اللغة العربية، وقواعد تصريف الأفعال في اللغة الفرنسية، إن هذين المبحثين مهمين جدا في حياة الطفل لكي يتواصل في المستقبل بشكل سليم، لكن هل يدرك المتعلم هذه القيمة؟ وخصوصا تلميذ المستوى الابتدائي النظامي، لأنه مهما تعلم قواعد اللغة الفرنسية فإنه لا يجد حقلا أسريا أو اجتماعيا يطبق فيه ما تعلمه، وكذلك الشأن بالنسبة لقواعد اللغة العربية، مما يجعل أغلب المتعلمين في التعليم النظامي ينفرون من النحو والتصريف في كلا اللغتين، فينتج عنه انكسار نفسي يتمثل في كراهية النحو والصرف في كلا اللغتين.
ومن تم يتوجب على المدرس و”الأسرة” أن يفتحا مجالا للتواصل باللغتين عبر القواعد الضابطة وإلا كان ما يتعلمه المتعلمون هذرا ولغوا، ولك أن تنظر إلى هزالة المستوى اللغوي التواصلي عند تلاميذ الثانوي التأهيلي وحتى الجامعي، بل تجد مدرسين وهذه ” طامة” لا يقدرون حتى على حسن التواصل بلغة مضبوطة ومتزنة وكل ذلك راجع إلى الترسبات الراكدة منذ زمن بعيد.
السبورة:
إن جودة السبورة تلعب دورا في شد انتباه التلميذ، لأنها هي المركز الجامع الذي تتفاعل فيه توجيهات المدرس وإرشاداته مع تساؤلات وتدخلات المتعلمين، لذا ينبغي استعمالها بكيفية تتيح للمتلقي فرصة الفهم والاستيعاب، واستعمالها بشكل سيء وإن كانت ذات جودة لا يختلف عن رداءة السبورة المتآكلة، والتي تكون سببا في اتهامنا لكثير من المتعلمين بأنهم لا يبصرون جيدا، والحقيقة أن المشكل يعود لرداءة الوسيلة.
المسلاط العاكس:
مع مسايرة الواقع صار الاهتمام ملحا باستعمال التكنولوجيا الحديثة في التدريس، ولاشك أن هذه الوسيلة لها من المزايا والإيجابيات ما لا يحصى كثرة، إلا أن هذه الوسيلة أيضا لا تختلف عن سابقتها من حيث عدم استعمالها بمهارة، لأنها قد تشوش أكثر مما تفيد خصوصا إذا كان استعمالها بكثرة، وأغلب المدرسين المهووسين بهذه التقنية صار يفضلها لأنها تغنيه عن “جحيم” استعمال الطبشورة، مما يغيب انتباه التلاميذ لجودة خط المدرس ومنهجه في التدريس وبالتالي محاكاته وتقليده، ومع ذلك لا نخفي الدور التي تلعبه الوسائل الحديثة من خلال عرض الأفلام القصيرة والنصوص المختصرة والصور المعبرة، ورب صورة خير من ألف كلمة، كما يقال.
وعلى العموم هذه هي أهم الوسائل التي إذا غاب استعمالها بشكل صحيح أو كانت رديئة عرضت التلميذ لأضرار جسدية وأخرى نفسية، فالجسدية تتمثل في ثقل وزن المحفظة الذي ينهك جسد التلميذ الصغير خصوصا إذا كان يقطع مسافة طويلة، أضف إلى ذلك الطاولات القديمة والمتهالكة على اعتبار أنها وسيلة وليست من التجهيزات، وما تخلفه من آثار على مستوى الظهر، من خلال الجلسة التي لا تكون بوضع سليم.
وأما الأضرار النفسية فقد أشرنا إلى بعضها آنفا، وبقي أن نشير إلى بعضها الآخر هنا بشكل مجمل، والإشارات تكفي لذوي العقول الراجحة، فلك أن تنظر في أعين التلميذ الذي يدرس في مؤسسة نظامية، تجهيزاتها قديمة ووسائلها التعليمية لا تقل شأنا عن هذا الوصف، لك أن تقرأ الغبن والحسرة في عين ذلك التلميذ وهو يتأمل سيارة نقل جميلة تقل تلاميذ ملامحهم غضة وناعمة، يحملون محفظات أنيقة كملابسهم تماما، تحيط بهم العناية انطلاقا من جوف الغرفة الخاصة بالأطفال، وصولا إلى حارس المدرسة الحرة.
ذلك التلميذ “المحروم” لا نخاله إلا يربط علاقة وطيدة بين ما يشاهده حقيقة، مع تصوره للوسائل الحديثة والمتطورة التي تتوفر عليها المدرسة الحرة والتي تسهم بشكل أو بآخر في جودة المخرجات والنتائج.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *