من بين المخاطر التي تهدد الشباب المسلم خطر الإعلام الإباحي؛ حيث لم يعد الخروج إلى الشارع والاحتكاك برفقاء السوء ظاهرة مفسدة للأخلاق، بل باتت العوامل المورثة لسوء الأدب وقلة الحياء وانعدام الحشمة تدخل إلى البيوت قادمة من خارج الحدود الجغرافية، الشيء الذي يجعل السيطرة عليها أمرا بالغ الصعوبة.
في ظل هذه التحديات الخطيرة التي أفرزها زمن التطور والاتصالات السمعية والبصرية، أصبح الآباء والأمهات الخائفون على فلذات أكبادهم يمتنعون عن اقتناء جهاز (البارابول) ويقننون استعمال شبكة الأنترنت ظانين أنهم يحمون أبناءهم من خطر المد الإباحي القادم من الخارج.
والواقع أن هناك خطرا أشد من الإعلام الإباحي؛ وهو خطر التعليم الإباحي؛ فلم يبق إغواء المراهق الشاب رهينا بجلوسه أمام التلفاز ومشاهدة قناة إباحية، بل إنه أصبح مهددا من المقررات الدراسية التي يظن أنها تحوي دروسا في اللغة والتحليل اللغوي والنقد الأدبي ليجد أغلبها كتبا (إيروتيكية) أشد إثارة مما تبثه القنوات الأكثر إباحية في العالم.
والخطورة لا تكمن هنا فحسب؛ أي (في وجود ظاهرة الإباحية نفسها) بل تتجلى في نوعيتها.
فإذا كان المراهق أو الشاب عند رؤيته لمشاهد خليعة على شاشة التلفاز يتأثر فقط، فإنها تظهر في القصص والقصائد والكتب الرومانسية في قالب يصطلح عليه بالفني والجميل وتحت اسم روائع الأدب:
– يقظة الأحاسيس (l éveil des sens)
– الحب الرومانسي (l amour spirituel)
– الجاذبية الجسدية الكونية (l attraction corporelle / universelle)
– الجاذبية العاطفية (l attirance sentimentale)
– التجاذب الروحي (l attraction spirituelle)
ويبقى تصور العلاقة الجسدية غير الشرعية (الزنا) في الرواية أو القصة على أنها اتحاد روحي جسدي بين البطل والبطلة يرمز إلى أصل الخلق وإلى المغزى الرامي إلى وجود الثنائيات (ذكر وأنثى) مع لجوء الكتاب والشعراء إلى أبطال يتصفون بالحساسية المفرطة والعواطف الجياشة، أضف إلى ذلك الدور الذي يلعبه الوصف الدقيق، والذي قد يجرد البطل من ملابسه (البطل أو البطلة) ويصف كل جزء موجود بجسديهما وتبقى النعوت (les adjectifs) تخدم مصالح مروجي هذه القصص والروايات المخربة للعقول مثال:
بياض لون البشرة واتساع العينين وجمال لونهما، طول الشعر، نحافة الخصر وبروز الصدر، هذا بالنسبة للبطلة، فيما يبقى البطل يقتصر نعته على قوة العضلات وطول القامة وسمرة اللون غالبا.. إلـخ.
أما اللقاءات بين البطل والبطلة فتتم بأماكن شبيهة بالجنة والعياذ بالله (le paradis terrestre).
حينها يتوقف الزمن ليسافر الخيال ويصل بالحواس إلى أقصى وأبعد مراتب الاستمتاع “الروحاني الجسدي” الذي يزعم الكاتب فيه أنه يقترب من الخالق والعياذ بالله.
وقد تجد أغلب الروايات المدرجة في المقرر تتضمن هذه المشاهد والأحداث المخلة بتعاليم الدين الإسلامي وتمس –مثلا- بقطعياته فيما يتعلق بالمحرمات في النكاح؛ كتحريم الأم على ابنها، قال سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم} (الآية 23 من سورة النساء).
ومن ذلك؛ الرواية التي تحكي عن ابن يتزوج أمه، رواية (la machine infernale) للكاتب (Jean Cocteau) حيث نجد في صفحتها الأولى “أن الابن قتل والده وتزوج بأمه” مشيرا إلى بطل الرواية (أوديب) ونجد نسخا أخرى من نفس الرواية تتناول هذه الأسطورة من الناحية السيكولوجية، حيث اعتبر وجود الأب هو الحاجز النفسي أمام الابن الذي يشعر بالغيرة والحقد، لأن والده كان يملك حق الاستمتاع الجنسي بجسد الأم!
إذا فلنتخيل معا تأثير مثل هذه الأفكار على عقول الشباب أو بالأحرى المراهقين.
هناك أمثلة أخرى عديدة؛ كمسرحية (la religieuse) للكاتب (Didrot) والذي يصور للقارئ أن أماكن العبادة تجري داخلها ممارسات شاذة بين الراهبات وأن رجل الدين مكبوت يدعي أمام الناس الورع والتقوى.
ومثال آخر للكاتب (Gustave Flaubert) في رواية (Madame Bovary) والتي يجعل الكاتب فيها القارئ يتعاطف مع الزوجة الخائنة، ويصور أن البطلة كانت ضحية لزواج فاشل، ويجعل من الارتباط الشرعي قيدا يمنع المرأة من السعادة.
وإليكم كذلك رواية (la tentation de saint Antoine) لنفس الكاتب والتي يكفي النظر إلى غلافها الخارجي الذي يظهر صورا خليعة.
.. كانت هذه مجرد أمثلة بسيطة لكتاب فرنسيين.
أما بعض الروايات العربية لبعض الكتاب المغاربة المنطوين تحت لواء (الفرانكفونية)، فيتفننون في ملئها بمشاهد أدبية خليعة تدور أحداثها مثلا داخل حمام النساء أو فوق سطوح المنازل أو داخل بيت مهجور بأحد الأحياء الشعبية.
وعادة ما يكون بطلها شابا يقوم بإطلالة من النافذة فيرى زوجة أحد الجيران ليتبادلا النظر، وينسج بعدها الكاتب خيوط قصة بعنوان: أجمل أيام حياتي أو أروع قصة حب عشتها في شبابي.. إلـخ.
فهل أصبح الزنا الذي حرمه الله سبحانه وتعالى في قوله: {ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا} (سورة الإسراء الآية 32)، قيمة فنية جمالية؟
والملاحظ أن أغلب الروايات والقصص المدرجة في المقرر تصوغ الزنا والخيانة الزوجية في شكل من أشكال الإبداع حيث تفقد مواصفات الخطيئة والفاحشة بل أحيانا يصل الأمر بالتلميذ -الطالب- المتلقي إلى الشعور بحاجة إلى عيش تجربة مماثلة.
هذا يدفعنا إلى التساؤل: ألا توجد في خزانة الأدب العالمي (والتي تتضمن ملايين القصص المحترمة) سوى القصص الإباحية والخليعة لتدريس اللغة والأدب؟
لماذا لا تدرج ترجمة قصص الأنبياء باللغة الفرنسية ضمن المقررات الدراسية؟
أليس فيها جميع مقومات القصة المتكاملة من إطار مكاني وزماني وشخصيات؟
أما القصائد الشعرية فجلها تضرب بعرض الحائط بقيم وتعاليم الدين الإسلامي مثل غض البصر والعفة، حيث أن الشاعر لا يرى محبوبته خلسة بل يتأملها (PauleVerlaine/Arthur Rimbeau) ففي آخر الأبيات يصل عشقه إلى درجة الموت، وينادي معشوقته لكي تنقده على طريقة المجون والخلاعة اللغوية “آه أنا أموت، أعطني..” إلى آخر البيت الشعري.
كانت هذه نبذة مختصرة عن واقع مرّ يعيشه تلاميذ وطلاب بعض التخصصات؛ كالأدب الفرنسي والفلسفة، والكلام كثير حيث أن هناك أمثلة مفصلة لا يتسع المجال لذكرها.
كل ما يمكن قوله هو أننا في حاجة ماسة إلى إعادة النظر في مقرراتنا الدراسية ونظامنا التعليمي الذي أقل ما يمكن أن نقول عنه أنه دخل مرحلة الانفلات الأخلاقي؛ فلا عجب إذا أصبحنا نرى خريجي الثانويات والجامعات يرفضون هويتهم الإسلامية؛ فهم إما يهاجرون إلى الخارج أو يعيشون داخل وطنهم الأم بعقلية أوروبية ومشاعر وعواطف وأفكار وطاقات كان أولى لو تم شحذها واستثمارها في خدمة الدين والصلاح والخير عوض تغذيتها بالثقافة الإباحية اليهودية.
ولا غرابة أيضا في أن نجد شبابنا يتحول إلى قنابل بشرية موقوتة قابلة للانفجار ضد الدين والتقاليد مطالبة بحرية مزعومة روجت لها مقررات دراسية تتضمن قصصا خيالية لا أصل لها من الواقع..