أولا: من هم أولو الأمر؟
– يراد بأولي الأمر: العلماء والأمراء. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: “ولاة الأمور، ذكر أهل العلم أنهم قسمان: العلماء والأمراء.
أما العلماء: فهم ولاة أمور المسلمين في بيان الشرع، وتعليم الشرع، وهداية الخلق إلى الحق، فهم ولاة أمور في هذا الجانب. وأما الأمراء فهم ولاة الأمور في ضبط الأمن وحماية الشريعة وإلزام الناس بها، فصار لهؤلاء وجهة ولهؤلاء وجهة.
والأصل: العلماء؛ لأن العلماء هم الذين يبينون الشرع ويقولون للأمراء هذا شرع الله فاعملوا به، ويلزم الأمراء بذلك، لكن الأمراء لا طريق لهم إلى علم الشرع إلا عن طريق العلماء، وهم إذا علموا الشرع نفذوه على الخلق.”1
ثانيا: وجوب طاعة ولاة الأمر:
* طاعة ولاة الأمور -أي:العلماء والأمراء- واجبة شرعا؛ لما يترتب عليها من صلاح المسلمين واجتماع كلمتهم واستقامة أمور حياتهم. قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} (النساء59).
ثالثا: طاعة العلماء والأمراء في ميزان الشريعة
* إن طاعة أولي الأمر من علماء وأمراء، ليست طاعة مطلقة مرسلة، بل هي طاعة مقيدة ومنضبطة ومحدودة بضوابط وحدود الشريعة الإسلامية. وهي طاعة جعل لها الإسلام ميزانا توزن به، فما وافق الميزان الشرعي؛ فهي طاعة شرعية واجبة، وما خرج عن مقتضى الميزان الشرعي؛ فهي طاعة فاسدة باطلة، ومحرمة.
* هذا الميزان هو قول النبي صلى الله عليه وسلم: “إنما الطاعة في
المعروف”. وهذا الكلام النبوي الحكيم هو جزء من حديث عقب به النبي صلى الله عليه وسلم على حادث وقع لبعض أصحابه رضي الله عنهم.
ـ فعن علي رضي الله عنه قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية، وأمَّر عليهم رجلا من الأنصار، وأمرهم أن يطيعوه، فغضب عليهم، وقال:أليس قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني؟ قالوا: بلى، قال: عزمتُ عليكم لما جمعتم حطبا وأوقدتم نار، ثم دخلتم فيها، فجمعوا حطبا، فأوقدوا، فلما هموا بالدخول، فقام ينظر بعضهم إلى بعض، قال بعضهم: إنما تبعنا النبي صلى الله عليه وسلم فرارا من النار، أفندخلها؟! فبينما هم كذلك إذ خمدت النار، وسكن غضبهُ، فذُكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: “لو دخلوها ما خرجوا منها أبدا، إنما الطاعة في المعروف”2.
معنى هذا الميزان :أن طاعة من تقدم ذكرهم، طاعةٌ محدودة بحدود المعروف. والمعروف هو الخير وضده المنكر. فمن تجب طاعتهم شرعا ومنهم العلماء والأمراء؛ إنما يُطاعون إذا أمروا بما فيه خير وصلاح، أما إذا أمروا بشر وفساد ومعصية؛ فإن طاعتهم تسقط، بل تحرم بمقتضى هذا الميزان النبوي القويم.
ــ فلا طاعة لعالم أو لأمير أو لغيرهما ممن تجب طاعتهم، إذا كان ما يأمر به يتجاوز حدود المعروف والخير، إلى المنكر والشر. وقد قال عليه الصلاة والسلام في حديث آخر: “لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق”3.
1ــ طاعة العلماء:
أوجب الإسلام طاعة العلماء، إذ قال الله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم” (النساء59). وقد تقدم القول أن أولي الأمر في الآية يراد بهم العلماء والأمراء.
ــ فطاعة العلماء واجبة؛ لأنهم يبينون للناس سبيل الحق ويهدونهم إليه، قال ابن قيم الجوزية رحمه الله: “فقهاء الإسلام ومن دارت الفتيا على أقوالهم بين الأنام، الذين خُصوا باستنباط الأحكام، وعنوا بضبط قواعد الحلال والحرام. فهم في الأرض بمنزلة النجوم في السماء، وبهم يهتدي الحيران في الظلماء، وحاجة الناس إليهم أعظم من حاجاتهم إلى الطعام والشراب، وطاعتهم أفرض عليهم من طاعة الأمهات والآباء بنص الكتاب…”4. ويُقال: “العلماء سراج الأزمنة، فكل عالم مصباح زمانه يستضيءُ به أهلُ عصره”.5
ــ لكن العلماء -على جلال قدرهم وعلو منزلتهم- قد يُخطئون ويزلون، وقد يصدر عنهم ما يخالف شرع الله. لذلك فإن طاعتهم يجب أن توزن بميزان
الشرع: “إنما الطاعة في المعروف”.
فإذا أمروا أو دعوا أو أفتوا بما يخالف قواعد الشرع، فأحلوا ما حرم الله أو حرموا ما أحل الله؛ فلا يطاعون ولا يُستجاب لهم في ذلك، أما ما يصدر عنهم مما يوافق الحق الذي عليه دليل وبرهان من أصول الشرع وقواعده، فيُقبل منهم ويُطاعون فيه ويُعترف لهم بما أصابوا، فلا يتم إسقاطهم بالكلية، كما يذهب بعض إخواننا؛ فإن ذلك مما يُخالف العدل الذي أمر به الملك العدل سبحانه إذ قال: “يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط، ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى، واتقوا الله، إن الله خبير بما تعملون” (المائدة8).
وللبحث بقية..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــ شرح رياض الصالحين 2/346.
2 ــ اللؤلؤ والمرجان 1206
3 ــ صححه الألباني في صحيح الجامع 7520.
4 ــ إعلام الموقعين عن رب العالمين 1/9
5 ــ تنبيه الغافلين،أبوالليث السمرقندي، ص:305.