– قوله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} (الآية: 14).
كلمة «المسمومة» تفهم على غير وجهها.
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى «المسوَّمة».
قيل: هي الراعية؛ قاله سعيد بن جبير، وابن عباس، والحسن، والربيع، ومجاهد…
قال آخرون: «المسوّمة»: الحسان، وقد روي هذا عن مجاهد، وعكرمة، والسدي.
وعن ابن عباس وقتادة: «الخيل المسوّمة»: المعلَمة.
وقال غيرهم: «المسوّمة»: المعدّة للجهاد، كما نقل عن ابن زيد.
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصواب في تأويل قوله «والخيل المسوّمة»: المعلَمة بالشِّيات، الحسان، الرائعة حسناً من رآها، لأن «التسويم» في كلام العرب: هو الإعلام؛ فالخيل الحسان مُعلَمةٌ بإعلام الله إياها بالحسن من ألوانها وشِياتها وهيئاتها، وهي «المطهَّمة» أيضاً.
قال صاحب «التحرير والتنوير» في تفسيرها: و«المسومة» الأظهر فيها ما قيل: إنها الراعية، فهي مشتقة من السَّوْمِ، وهو الرعي، يقال: أسام الماشية إذا رعى بها في المرعى، فتكون مادة فَعَّلَ للتكثير أي التي تترك في المراعي مددا طويلة، وإنما يكون ذلك لسعة أصحابها وكثرة مراعيهم، فتكون خيلهم مكرمة في المروج والرياض.
وقيل: المسومة من السُّومَةِ -بضم السين- وهي السمة أي العلامة من صوف أو نحوه، وإنما يجعلون لها ذلك تنويها بكرمها وحسن بلائها في الحرب.
قال القرطبي: «كل ما ذكر يحتمله اللفظ، فتكون راعية، معدة حسانا، معلمة، لتعرف من غيرها».
– قوله تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (الآية: 123).
«أذِلَّةٌ» هنا ليست على حقيقتها، بل لفظا مستعارا.
قال القرطبي: و«أذلة» معناها قليلون، وذلك أنهم كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر أو أربعة عشر رجلا، وكان عدوهم ما بين التسعمائة إلى الألف.
و«أذلة» جمع ذليل؛ واسم الذل في هذا الموضع مستعار، ولم يكونوا في أنفسهم إلا أعزة، ولكن نسبتهم إلى عدوهم وإلى جميع الكفار في أقطار الأرض تقتضي عند التأمل ذلتهم وأنهم يغلبون.
وقال الشيخ محمد رشيد رضا: «{وأنتم أذلة} أي نصركم في حالة ذلة كنتم فيها على قلتكم -كما يفيده لفظ أذلة، إذ هو جمع قلة- وقد كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا؛ والمراد بكونهم أذلة أنهم لا منعة لهم إذ كانوا قليلي العدة من السلاح والظهر (أي ما يركب) والزاد؛ ولا غضاضة في الذل إلا إذا كان عن قهر من البغاة والظالمين، ولم يكن المؤمنون بمقهورين ولا مستذلين من الكافرين وإنما كانت قوتهم في أوائل تكونها.
فالذلة كناية عن الضعف، وقلة العتاد والعدد، لا ذلة النفوس، إذ القرآن يشهد عليهم بأنهم أعزة في قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}.
– قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} (الآية: 142).
هذه الآية تفهم على غير وجهها.
يقول العلامة الشعراوي: «وعندما نسمع ذلك فعلينا أن نعرف أن الله يعلم علما أزليا من المجاهد ومن الصابر، ولكنه علم لا تقوم به الحُجة على الغير، فإذا حدث له واقع صار حُجة على الغير».
قال الزمخشري: «{أَمْ} منقطعة؛ ومعنى الهمزة فيها الإنكار؛ {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ} بمعنى ولما تجاهدوا، لأنّ العلم متعلق بالمعلوم؛ فنزل نفي العلم منزلة نفي متعلقه لأنه منتف بانتفائه؛ يقول الرجل: ما علم اللَّه في فلان خيرا، يريد: ما فيه خير حتى يعلمه؛ ولما بمعنى لم، إلا أن فيها ضربا من التوقع فدلّ على نفي الجهاد فيما مضى، وعلى توقعه فيما يستقبل؛ وتقول: وعدني أن يفعل كذا، ولما تريد، ولم يفعل، وأنا أتوقع فعله، وقرئ {وَلَمَّا يَعْلَم اللَّهُ} بفتح الميم».
قال القرطبي: «والمعنى أحسبتم يا من انهزم يوم أحد أن تدخلوا الجنة كما دخل الذين قتلوا وصبروا على ألم الجراح والقتل من غير أن تسلكوا طريقهم وتصبروا صبرهم؟ لا، حتى {يعلم الله الذين جاهدوا منكم} أي علم شهادة حتى يقع عليه الجزاء؛ والمعنى: ولم تجاهدوا فيعلم ذلك منكم».
قال الإمام الرازي: «قال أبو مسلم في {أم حسبتم} إنه نهي وقع بحرف الاستفهام الذي يأتي للتبكيت؛ وتلخيصه: لا تحسبوا أن تدخلوا الجنة ولم يقع منكم الجهاد».
– قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ} (الآية: 152).
«تحسونهم» بمعنى تقتلونهم قتلا ذريعا، وتستأصلونهم.
قال القرطبي: و«تحسونهم» معناه تقتلونهم وتستأصلونهم.
قال أبو عبيد: الحس: الاستئصال بالقتل، يقال: جراد محسوس إذا قتله البرد، والبرد محسة للنبت، أي محرقة له ذاهبة به.
أصله من الحس الذي هو الإدراك بالحاسة؛ فمعنى حسه أذهب حسه بالقتل.
قال أبو عبيد: الحَسُّ: الاستئصال بالقتل، واشتقاقه من الحِسّ، حَسَّه إذا قتله، لأنه يُبْطل حِسَّه بالقتل.
قال القاسمي: «إِذْ تَحُسُّونَهُمْ» أي تقتلونهم قتلا كثيرا؛ من «حسه» إذا أبطل حسه.
والله تعالى أعلى وأعلم.