دة. زينب عبد العزيز: مقدمة «جاك بيرك» كلها سموم هدامة للشرع والدين
وما قمت به هو أنني وضعت كل الترجمات السابقة مفتوحة على مكتبي
لأراجع ترجمة كل آية، لأتفادى ما وقعوا فيه جهلا أو عمدا
1- توجد 19 ترجمة للقرآن الكريم بالفرنسية؛ فما هو الجديد الذي جاءت به هذه الترجمة؟
ـ لندرك أهمية ما قمت به من جهد وما أتيت به من جديد إجمالا في ترجمتي، علينا أن نعلم أن أول ترجمة تمت لمعاني القرآن الكريم كانت في القرن الثاني عشر الميلادي، أيام حرب الاسترداد واقتلاع الإسلام من الأندلس/إسبانيا.
وقد طلب «بطرس المبجل» -رئيس دير كلوني- من المترجم أن تأتي ترجمته؛ بحيث كل من يقرأها من الذين تم تنصيرهم من المسلمين؛ أن تمحو أي أثر للإسلام من ذهنهم.
وهذا التحديد أورده المستشرق «رجيس بلاشير» في كتابه عن «القرآن» (صفحة:9) ليضفي به مصداقية على ما قام به هو من تحريف في هذا الكتاب!!
فالمستشرق الذي عانت نصوصه الدينية من التحريف والتغيير والتبديل لا يدرك معنى أن يكون هناك نصا منزّلا من عند الله لم يتم التلاعب به. وذلك التوجه الذي طالب به «بطرس المبجل» اتبعه كل المستشرقين في ترجماتهم بصفة عامة وبنسب متفاوتة.
وما قمت به هو أنني وضعت كل الترجمات السابقة مفتوحة على مكتبي لأراجع ترجمة كل آية، لأتفادى ما وقعوا فيه جهلا أو عن عمد.
فالمدعو «كازيميرسكي» مثلا، له ترجمة بالفرنسية وله قاموس من جزئين للترجمة من العربية إلى الفرنسية. وقد أدهشني أن أراه يترجم الكلمة في القرآن بمعنى مخالف؛ بينما يضع فى القاموس المعنى السليم لنفس الكلمة!
ومن أهم ما قمت به في ترجمتي هو عدم اللجوء إلى الشرح وإطالة النص بما ليس هو موجود فيه، وإنما التزمت بمقابل الكلمة فقط، ولم أضف إلا فيما ندر، ولضرورة مرونة الصياغة بالفرنسية إلا كلمة واحدة أحيانا وأضعها بين قوسين ليدرك القارئ أنها غير موجودة فى القرآن.
2- ذكرتم في مقدمة الكتاب أن كل الترجمات الموجودة حالياً بها العديد من الانحرافات التي تبتدأ بالسهو غير المقصود وتنتهي بالتحريف المتعمد، فكيف ذلك؟
ـ نعم، كل الترجمات السابقة لترجمتي بها الكثير من المآخذ، لكنني أقسّمها إجمالا إلى مجموعتين: ما قام به المستشرقون، والأخطاء والمآخذ فيها كلها متعمدة لإدانة القرآن والإسلام والمسلمين، أما الترجمات التي قام بها المسلمون فتختلف قطعا في التوجه، وما بها من مآخذ يرجع إلى أنهم ينقلون بعض العبارات عن المستشرق، على أنه من أصحاب اللغة، ولا يكلفون أنفسهم معاناة مراجعة مختلف معانى الكلمة.
فمثلا كلمة «الأعلى» أو عبارة «ربك الأعلى»، ترجمها معظم المستشرقين بكلمة le Haut أي «العلى» وليس بالمقابل السليم: le plus Haut، «الأعلى»، وهي على مستوى الترجمة شديدة البساطة أو السهولة، ولا يمكن أن يقع فيها شخص مبتدئ في الترجمة. لكن إذا ترجمها المستشرق بالمقابل الصحيح فذلك يعنى في نظره أنه يقر بأن الله عز وجل، أعلى من يسوع، الذي تم تأليهه في مجمع نيقية الأول سنة 325 للميلاد.
وقد يمكن أن نضع ترجمة هذه العبارة في نطاق السهو جدلا، لكن الخطأ المتعمد هو ما يمس العقيدة والدين في الصميم، وما أكثره، مثل ما قام به «جاك بيرك» في ترجمته.
كما أنني التزمت بدقة بمختلف أنواع التصريف والتشكيل كالمفعول المطلق الذي كثيرا ما يرد في القرأن للتأكيد على المعنى، كعبارة «فدمرناها تدميرا»، أي تدميرا حقيقيا وليس مجازا، هذه الصيغة ما من مترجم من الفريقين قام بترجمتها على أنها تكرار لا لزوم له!
أما بالنسبة للتشكيل فكلنا كناطقين باللغة العربية ندرك أهميته خاصة إذا كانت الكلمتان تتم كتابتهما بنفس الأحرف. أما المستشرق فحتى إن عرف ذلك فلا يلتزم به ليكون مجالا للتلاعب.
وذلك مثال كلمة «مخلِص» و«مخلَص»، فواحدة مكسورة والأخرى مرفوعة، واحدة مرتبطة بالإخلاص والأخرى بالاصطفاء، والفرق واضح.
وفي القرآن الكريم ترد هذه الكلمة تحديدا مرتبطة بسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وعدم الالتزام بها يخل بالمعنى حتى وإن كانت كلمة الإخلاص صفة حميدة، فهي لا تدل على معنى الاصطفاء والحماية من الخطأ.
3- ما هي أبرز المشكلات التي واجهتموها خلال ترجمة القرآن الكريم إلى الفرنسية؟
ـ من أبرز المشكلات التي واجهتني خلال ترجمة القرآن الكريم بالفرنسية، هو اختلاف الوعاء بين اللغتين. فاللغة العربية تتميز بثراء شديد في إمكانية الاشتقاق سواء من الفعل، وهو ما يعطى أكثر من ثمانين إمكانية اشتقاق من الفعل الواحد، أو من الاسم، عند إدخال أفعال التفضيل والمفعول أو المفعول المطلق.
وذلك بخلاف أن اللغة العربية من ثرائها ودقتها في التعبير تعطي اسما لكل مرحلة من المراحل العمرية أو لكل حالة من الحالات وتطورها أثناء الحياة نفسها، كمختلف عبارات الناقة الواردة فى القرآن.
أما في الفرنسية فنجد مثلا ناقة كبيرة أو صغيرة، أو جمل كبير أو صغير. لكن العربية تفرق ما بين الناقة الولود، أو تلك التي وضعت خمس مرات، أو التي لا يجوز ذبحها.. وتمتد المسميات من السائبة والوسيلة والحام والبحيرة إلى آخره. أما في الفرنسية فينقصها الكثير من التصريفات الأساسية في الأفعال، كأن لا يوجد المثنى بعامة ولا المثنى المؤنث، ولا صيغة فعل الأمر المؤنث، وغيرها كثير.
فيضطر المترجم إلى الشرح، وهو ما يخالف النص الأصلي وهو القرآن. لذلك تضعنا كل هذه المشكلات والإمكانيات اللغوية أمام ضرورة الاشتقاق وهو ما يخشى المترجم القيام به.
لكنني لجأت إليه بالنسبة للبسملة لتكون ترجمة الرحمن والرحيم من نفس الجذر وهو الرحمة. إذ اشتققت كلمة Miséricordeur للرحمن، مع مراعاة كافة قواعد الاشتقاق وفقا للعلامة «جريفيس» وكتابه الخاص بالاشتقاق. بذلك تأتي ترجمتي لها، ولأول مرة في تاريخ الترجمات، على أكمل وجه كالنص العربي:
Au Nom d’Allah, le Miséricordeur, le Miséricordieux
وكنت آنذاك مشارك مشرف على رسالة دكتوراه في سويسرا وعليَّ متابعة أعمال الطالب، فسافرت والتقيت بالأستاذ «أوليفييه ﭙو»، أستاذ ورئيس قسم اللغويات بجامعة جنيف، وعرضت عليه ما قمت به من اشتقاق وأقرني تماما، ثم أضاف مازحا: «لا تتوقعي أن تأتي الأكاديمية الفرنسية وتهنئك أو تشكرك على ما قمت به من جهد سليم، وذلك لمجرد أنك مصرية ومسلمة، لكن أتركي الكلمة تدخل اللغة عن طريق الاستخدام، مثل «فدائي» و«فدائيين» إذ يكتبونها بالفرنسية كما تنطق بالعربية..
4- هل هناك فرق بين الترجمات التي قام بها المسلمون والتي قام بها المستشرقون؟
ـ أوضحت فيما سبق أن الفرق الأساسي بين الترجمات التي قام بها المسلمون وتلك التي قام بها المستشرقون أن التوجه لكل فريق منهما يختلف تماما، وأن الاختلاف يكمن أساسا في نقل بعض العبارات دون التأكد من صحتها.
فالكلمة يتم اشتقاقها للتعبير عن معنى معيّن، وحينما يصادف المترجم كلمتان بالفرنسية كمقابل للكلمة المطلوب ترجمتها من العربية، عليه أن يبحث بدقة عن مختلف معاني كل كلمة من الكلمتين الفرنسيتين ليختار الأدق والأنسب للكلمة العربية.
فطالما أمامنا كلمتان فلا بد وأن يكون هناك فرق بينها. مثال كلمة «طلاق»، ترجمها العديد من المستشرقين بكلمة Répudiation بينما المقابل السليم لها هو Divorce.
والفرق بين الكلمتين حتى وإن كانتا تدلان على الانفصال، فالأولى تتضمن معنى العنف والإهانة، وهو ما يخالف معنى كيفية الطلاق في القرآن الذي نص على أن يتم ذلك بمعروف، بينما الكلمة الثانية تدل على عملية الانفصال فقط. فحينما ينقل المسلم اختيار المستشرق يقع اللوم على من نقل دون أن يتبين المعنى الدقيق لكل كلمة.
أما من حيث التوجه، فما من مسلم سيقوم بتحريف دينه أو أن يطالب المسلمين بتغييره وتعديل النص القرآني ليتماشى مع العصر الحديث، مثلما طالب «جاك بيرك» في المقدمة المغرضة التي قال أنه وضعها في نهاية الترجمة احتراما للنص القرآني وكلها مليئة بالفريات!
فما من مسلم سيقول أن الرسول عليه الصلاة والسلام هو مؤلف القرآن، وأنه نقل سورة الإخلاص من الشاعر اليوناني القديم بارمينيدس!
وما من مسلم سيقول أن للقرآن أجل، وأن القائل هو سيدنا أبو بكر رضي الله عنه!
فمقدمة «جاك بيرك» كلها سموم هدامة للشرع والدين برمته، لذلك عند قراءتها، كتبت أهم هذه المآخذ وعرضتها على الشيخ جاد الحق، رحمه الله، رئيس الأزهر آنذاك. وانزعج الرجل خاصة بعد كل التقدير والتهليل الذي حظيت به تلك الترجمة في معظم البلدان العربية خاصة، فقام بتشكيل لجنة من كبار العلماء والأساتذة الذين يجيدون الفرنسية، لمراجعة تلك المقدمة المكونة من 82 صفحة.
وبعد مراجعتها بكل دقة كان قرار اللجنة رفض هذه الترجمة ومنعها من الدخول إلى مصر، وقالت اللجنة: لا يمكننا إصدار قرار بمنعها في البلدان الأخرى.