حظر المآذن ولا يحيق المكر السيّئ إلا بأهله أحمد اللويزة

…يكاد القوم أن يجنوا وتطيش عقولهم فهم يسابقون الريح خشية أن يتحول الإسلام قوة مؤثرة في المستقبل القريب بإذن الله، وتتحول بلدانهم إلى منارات إسلامية تصدر الإسلام بعد أن كانت تصدر الكفر، وتنشر الإيمان بعد أن كانت تنشر الشك والإلحاد، فأعداء الإسلام على اختلاف ألوانهم ومرجعياتهم ولغاتهم يد واحدة يضعونها على قلوبهم لأنهم يعلمون علم اليقين أن الإسلام يهيمن على غيره إذا تمكن دون حاجة إلى ظلم أو اضطهاد، فهو يعلو ولا يعلى عليه.

الحرب المستعرة نارها والمتأجج لهيبها اليوم، والتي تروم القضاء على الإسلام، ومحو معالمه، ودرس آثاره، ليست أمرا غريبا على هذا الدين وأهله، فمنذ أن بزغ فجر الإسلام وسطع نوره على الأرض، تجند أعداء الحق وأنصار الباطل ليحاربوه خشية أن يبسط أنواره على الكون، فتزول بذلك هيبتهم، ويتزلزل سلطانهم، فيستوي القوي والضعيف والرئيس والمرؤوس، والغني والفقير، وينتشر العدل وينتكس الظلم، وتسود الفضائل وتندحر الرذائل، ويصفو جو الحياة ويذهب كدرها الذي يستغله أعداء الهدى والنور ليصطادوا فيه، ويصرفوا فيه باطلهم استعلاء على الخلق واستكبارا في الأرض.
لكن اليوم وبشكل مغاير يكاد القوم أن يجنوا وتطيش عقولهم، فهم يسابقون الريح خشية أن يتحول الإسلام قوة مؤثرة في المستقبل القريب بإذن الله، وتتحول بلدانهم إلى منارات إسلامية تصدر الإسلام بعد أن كانت تصدر الكفر، وتنشر الإيمان بعد أن كانت تنشر الشك والإلحاد، فأعداء الإسلام على اختلاف ألوانهم ومرجعياتهم ولغاتهم يد واحدة يضعونها على قلوبهم لأنهم يعلمون علم اليقين أن الإسلام يهيمن على غيره إذا تمكن دون حاجة إلى ظلم أو اضطهاد، فهو يعلو ولا يعلى عليه.
تختلف الأساليب والهدف واحد هو إصابة الإسلام في مقتل، فأمريكا ابتكرت الحادي عشر من شتنبر، وبريطانيا تسن قوانين لمحاربة الإرهاب وتعني بذلك الإسلام، وفرنسا تصنع من الحجاب والنقاب مشكلة قومية، وإيطاليا تشرع قوانين للهجرة لطرد المسلمين، والدانمارك تسخر من رسول الإسلام، واللائحة طويلة، وهاهي اليوم دولة يقال إنها مسالمة بعيدة كل البعد عن المشاكل التي يعج بها العالم، وأنها في توادد مع دول الأرض تخلق لنفسها مشكلا من نفسها فتستفتي شعبها عن حظر المآذن رمز الإسلام، ليصوت غالب شعبها على الحظر الذي هو أمنية حكومية أرادت أن تختفي خلف صوت الشعب، وستار الديمقراطية التي تحترم خيار شعوبها.
إنها مهزلة سياسية بكل المقاييس، أن يجرى استفتاء شعبي من أجل أربع مآذن، وكأن الأمر يتعلق بحرب أو كارثة. ومن جهة أخرى وهذا الأساس، أن الذين كانوا يودون تحقيق مكاسب من وراء هذا الاستفتاء، يعضون اليوم على أنامل الأسف والأسى للنتيجة العكسية التي حققها الاستفتاء المشئوم بل السعيد حقا. لأن ما حققه لصالح الإسلام والمسلمين ما كان ليتحقق لولا هذه الخطوة التي لم يحسبوا لها حسابها جيدا. وها هم اليوم بعض الساسة هناك يتبرؤون ويرمون بكرة النار هذه إلى أطراف أخرى، ويسعون إلى إلغاء نتيجة هذا الاستفتاء.
هذه هي سنة الله في الكون ولن تجد لسنة الله تبديلا، وكما يقال: “رب ضارة نافعة”، فكم كانت هذه الضربات التي تعرض لها الإسلام والمسلمون نافعة لهذا الدين وكانت ضربات خيرا له؛ فهو كالذهب لا تزيده النار إلا صفاء، وصدق الحبيب الذي لا ينطق عن الهوى حيث يقول: “إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر” صحيح الجامع.
وكم استفاد الإسلام؟
وكم دخل الناس فيه أفواجا على اختلاف درجاتهم منذ ثلاثائهم الأسود؟
حيث الإسلام يحارب بلا هوادة ولا مراوغة وبكل السبل، لكن ذلك دفع الناس إلى أن يبحثوا عن الإسلام فوجدوه دينا حريا بالاعتناق فاعتنقوه، وسُخر من رسول الله صلى الله عليه وسلم فبحث الناس عن هذا الرجل فوجدوه نبيا حريا بالإتباع فاتبعوه، وحورب الحجاب فبحث الناس عن حقيقته فوجدوه شريعة أولى بالالتزام فالتزموا به، وهاهي المآذن ستكون فتحا على الإسلام بعد قرار حضر بنائها وسيدخل ناس بسببها إلى الإسلام وصدق القائل:
وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت، أتاح لها لسان حسود
وقد عرضت قناة فضائية أيام حج هذا العام لقاءا مع أحد القساوسة الذي أسلم وكان ذلك أول حج له، وكان سبب إسلامه أن إدارته كلفته بقراءة القرآن ليثير حوله الشبهات، فانتهى به المطاف مسلما داعيا إلى الإسلام، وصدق الحق سبحانه القائل في محكم كتابه: “وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ”، “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم”، قال مكحول رحمه الله: ثلاث من كن فيه كن عليه: المكر والبغي والنكث، قال الله تعالى: “وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ”، وقال تعالى: “إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم”، وقال تعالى: “فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ” تفسير القرطبي.
فهذا دين الله وللدين رب يحميه ولو اجتمع عليه مَن بأقطارها ما استباحوا بيضته، ولا اقتلعوا جذوره. غير أن محاولاتهم لن تتوقف عند هذا الحد ولا زالت الأيام حبلى بالقرارات والقوانين التي تحمل عنوان الديمقراطية وتتضمن معنى الاضطهاد والتهميش والتهجير ومحاربة الإسلام وأهله. فأوربا لن يغمض لها جفن ولن يرتاح لها بال حتى ترى علم الإسلام منكسا وشرعه مدنسا. ولكن صدق الله العظيم إذ يقول: ” إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ”، فالله ناصر دينه ومتم نوره ولو كره الكافرون.
ثم ليتأمل العلمانيون إن كانت لديهم عقول كيف يرتعد الغرب الكافر من قيم الإسلام وأهله رغم أن أغلبهم في غفلة لاهون وله مهمشون ومحتقرون، في حين تنعتونه بدين التخلف والرجعية وما إلى ذلك مما تحويه جعبة أدعياء الحداثة الصدئة وأسطوانتهم المشروخة. ألا يدل ذلك على رهبة حقيقية تمتلك أوربا بساستها ورعاياها من يقظة بدأت بوادرها تظهر لكل ذي عينين مبصر متأمل، ثم إذا كان هذا الغرب قد حار وما نفعته حيلة وما أغنته الإمكانيات التي بيده؛ فكيف للعلمانيين وهم الذين يعيشون على فتات موائده أن يحققوا ما يصبون إليه، إنه لقمة الحمق والجهل أو التجاهل. فما يهم غالبية العلمانيين هو قضاء مصالحهم وتسمين أرصدتهم ولو على حساب دين المغاربة وهويتهم وأمتهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *