القدرة الشرائية للمواطن المغربي.. بين مؤثرَين داخلي وخارجي

 

1-ارتفاع الأسعار بالمغرب

عادت أسعار المحروقات، كذا أسعار بعض الخضر والفواكه، إلى الارتفاع ابتداء من شهر غشت الماضي، ما أدى إلى تضرر القدرة الشرائية للمواطنين وارتفاع معدل التضخم.

وقد أكدت “الجامعة الوطنية لأرباب وتجار ومسيري محلات الوقود بالمغرب”، في شهر شتنبر المقبل، أن أسعار المحروقات ستشهد ارتفاعا ملحوظا ابتداء الأيام الأولى لشهر أكتوبر.

وتوقعت ذات الجامعة أن “الزيادة الجديدة ستؤدي إلى ارتفاع سعر ليتر الديزل إلى أكثر من 14 درهماً، في حين سيظل سعر ليتر البنزين يحوم حول 15.50 درهماً”.

أما أسعار الخضر والفواكه فهي نفسها عرفت ارتفاعا ملحوظا، حسب ما تم رصده في الأسواق المغربية، وحسب ما أكده المستهلك المغربي الذي كاد أن يعتاد نمطا جديدا من الأسعار يقطع مع النمط المعتاد.

وتعرف الخضر الأساسية في المائدة المغربية من قبيل البطاطس والطماطم والبصل والجزر ارتفاعا لا يقوى جميع المواطنين على تحمله، أما الفواكه فقد عرف أغلبها زيادة غير مسبوقة.

2-أسباب ارتفاع الأسعار وتضرر القدرة الشرائية

يمكن إرجاع “ارتفاع الأسعار وتضرر القدرة الشرائية” إلى عدد من الأسباب الداخلية والخارجية.. فتحديد الأسعار ليست عملية داخلية محضة، بل خاضعة لتقلبات السوق الدولية التي ترتبط بها كافة الدول بهذه الطريقة أو تلك.. وبالتالي فارتفاع معدل التضخم عالميا ينعكس على معدلاته في كل دولة، مهما كان ذلك بدرجات متفاوتة.

ويرى الخبراء أن الحرب الروسية الأوكرانية، بالإضافة إلى الصراعات المستجدة كالحرب بين “إسرائيل” والمقاومة الفلسطينية في الشرق الأوسط، وكذا تداعيات انتشار فيروس كورونا، وارتفاع معدلات التضخم بالمراكز الرأسمالية خاصة الولايات المتحدة الأمريكية؛ كلها عوامل خارجية من شأنها أن تسبب ارتفاع أسعار المحروقات والمواد الأساسية.

أما الأسباب الداخلية فيمكن إجمالها فيما يلي:

-عدم وجود مصفاة لتكرير وتخزين النفط، في ظل تأخر تسوية وضعية “لا سامير”.. ومن شأن وجود مصفاة أن “يوفر الشروط اللازمة فيما يتعلق بالتكرير والتخزين” (حسب سؤال برلماني لفريق التقدم والاشتراكية)، الأمر الذي ينعكس على أسعار المحروقات ويحد من هامش الربح الخاص لشركات المحروقات.

-الجفاف وقلة الأمطار، وهو ما يشهده المغرب في السنوات الأخيرة فيؤثر سلبا على الزراعة التي تعتمد في أغلبها بشكل أساسي على الأمطار إما بشكل مباشر أو من خلال الوديان والأنهار ومجاري السقي. يقتضي هذا المستجد البحث عن سياسات زراعية جديدة تتأقلم مع قلة الأمطار وندرة المياه، حتى لا تتضرر القدرة الشرائية للمواطنين، ومن أجل الحفاظ على الأمن الغذائي وتوازن السوق المغربية.

-التصدير؛ فقد أوضح رئيس الجامعة الوطنية لجمعيات المستهلك، في تصريح خص به جريدة “هسبريس” الإلكترونية، أن “سبب ارتفاع أسعار الخضر في الأيام الأخيرة يرجع أساسا إلى ترخيص السلطات المكلفة بالفلاحة بتصدير البطاطس والبصل بالأساس إلى عدد من الأسواق، وهو ما نتج عنه انخفاض في العرض الموجه إلى السوق المحلية”. وبسبب التأثير السلبي التصدير على السوق الوطنية فقد “بادرت وزارة الفلاحة مؤخرا إلى منع التصدير مؤقتا نحو الدول الإفريقية”، حسب ذات المصدر.

 

3-مشكلة التضخم في المجتمع المغربي

سجلت المندوبية السامية للتخطيط أن “معدل التضخم في المغرب -استنادا إلى مؤشر أسعار المستهلكين- استقر عند 4.9% على أساس سنوي شهر شتنبر مقارنة مع 5% في شهر غشت”.

وزادت المندوبية أن “أسعار الغذاء ارتفعت بنسبة 9.9% على أساس سنوي، في حين زادت أسعار السلع غير الغذائية بنسبة 1.3%”.

أما على أساس شهري، فحسب ذات المؤسسة، “ارتفع المؤشر إلى 0.8%”، وزادت أن “التضخم الأساسي -الذي لا يشمل المواد ذات الأسعار المتقلبة- بلغ 4.6% على أساس سنوي و0.5% على أساس شهري”.

 

4-وزيرة الاقتصاد والمالية تتوقع تراجع التضخم

سبق لوزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح أن “توقعت تراجع التضخم في المغرب”، مشيرة إلى أن التضخم “سيقترب من مستواه الطبيعي عند 2% عام 2024”.

وسجلت الوزيرة أن “هذا التضخم شهد تباطؤا منذ الذروة التي سجلها في فبراير 2023، إذ بلغ 10.1% قبل أن يعود إلى 5% غشت”.

وأضافت الوزيرة أنه “من أجل الحفاظ على هذا الاتجاه النزولي للتضخم ومنع حدوث أي صدمة لإمدادات المنتجات الغذائية على وجه الخصوص، يعمل المغرب على معالجة مسألة الأمن الغذائي بشكل أفضل”.

 5-مطالب نقابية لتحسين القدرة الشرائية

انعكست مشاكل التضخم وتضرر القدرة الشرائية للمواطنين على شعارات النقابات الأكثر تمثيلية في فاتح ماي من العام الجاري، فلم تخرج هذه الشعارات عن إطار “الأسعار، القدرة الشرائية، الدولة الاجتماعية”.

فرفعت الكونفدرالیة الدیمقراطیة للشغل شعار “لا لتدمیر القدرة الشرائیة، والمس بمكتسبات التقاعد، والإخلال بالاتفاقات الاجتماعیة”، واتخذت الفيدرالية الديمقراطية للشغل “تحسين الأوضاع المادية للأجراء رافعة أساسية للدولة الاجتماعية” شعارا لها، فيما دعا الاتحاد المغربي للشغل إلى “وقف مسلسل التهاب الأسعار والهجوم على القدرة الشرائية للطبقة العاملة”.

ومن جانبه، قال الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل، الميلودي موخاريق، إن “فاتح ماي لهذه السنة (2023) يأتي في ظروف جد استثنائية، تتسم بغلاء المعيشة وضرب القدرة الشرائية لعموم الأجراء ومختلف الفئات الشعبية وحتى الفئات المتوسطة”.

وأضاف موخاريق، في تصريح ل”و م ع” أنه “من غير المعقول أن تظل الحكومة مكتوفة الأيدي أمام هذه الظروف، كما لا يمكن أن تتحجج دائما بالظرفية الدولية”.

وتابع ذات المتحدث أن الحكومة “بيدها العديد من الآليات الكفيلة بدعم القدرة الشرائية، منها خفض الضريبة على القيمة المضافة المتعلقة بمختلف المواد الاستهلاكية والخدمات، ولو بشكل جزئي ومرحلي”.

 6- رابطة اقتصادية تقترح عشر توصيات

ترى رابطة الاقتصاديين الاستقلاليين، في وثيقة لها، أن “إعداد مشروع قانون المالية للسنة المقبلة (2024) يأتي في ظرفية معقدة ومتسمة بالضبابية التي فرضتها أزمة كورونا والجفاف المستمر والحرب في أوكرانيا، ما دفع العالم نحو تحولات كبيرة قوضت التوازنات الأساسية والمالية وأدت إلى تضخم مرتفع ومستمر”.

وفي إطار توصياتها العشر، دعت ذات الرابطة إلى “الحفاظ على التوجه التصاعدي للسياسة الاقتصادية”، مؤكدة أن “سعر الفائدة حالياً بلغ السقف المحتمل، وأي زيادة إضافية فيه قد تعيق دينامية الاستثمار الخاص وتهدد العرض والطلب الناتجين عنه”.

وأكدت أن “العودة إلى نسبة مقبولة من التضخم ممكنة من خلال محاربة ارتفاع أثمان المواد الغذائية، عن طريق تقوية العرض الفلاحي الموجه للسوق الداخلية، وتخصيص حصيص من المواد الغذائية ذات الاستهلاك الواسع، ودعم الأسمدة لرفع الإنتاجية”.

كما دعا ذات المصدر إلى “إنعاش الطلب الداخلي من خلال الصرف السريع للتعويضات العائلية والدعم المباشر انطلاقاً من الدخول الدراسي المقبل، والحد من نسبة البطالة، خاصة بالمجال الحضري، بدعم استمرار الدينامية الصناعية في القطاعات المنتجة لفرص الشغل المستدامة، كالسياحة وخدمات الأشخاص والرقمنة والتكنولوجيا”.

وذلك بالإضافة إلى “تسريع وتيرة الاستثمار وضمان تمويل قطاع الماء ومكافحة الإجهاد المائي من خلال إنهاء مشاريع الربط المائي بين الأحواض، وإطلاق وتشغيل محطات تحلية المياه، وإعادة استخدام المياه العادمة، والاستعمال المسؤول للفرشات المائية”، حسب الرابطة ذاتها.

وأبرز ذات المصدر أن “الوقت حان لتسريع تحرير إنتاج وبيع الطاقات المتجددة، وجذب الاستثمار في بنيات نقل الكهرباء النظيفة، سعياً إلى تمكين الاقتصاد من تموقع أنسب في سوق المنتجات الخالية من الكربون”.

وطالبت رابطة الاقتصاديين الاستقلاليين ب”ضرورة شروع الحكومة في توسيع عادل لقاعدة الضرائب من خلال ضريبة على القيمة المضافة أكثر حيادية وبساطة، تشمل تجارة السلع والخدمات عبر الإنترنيت، واعتماد ضرائب على المخزونات غير المنتجة، بما فيها الممتلكات المنقولة وغير المنقولة داخل وخارج المحيط الحضري، على غرار الضريبة على الأراضي غير المبنية”.

 7-إجراءات حكومية.. هل تفي بالغرض؟

كان وزير الادماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، يونس السكوري قد أكد، في وقت سابق من العام الجاري، أنه “سيتم إحداث لجنة يقظة اجتماعية بهدف بحث تحسين القدرة الشرائية”.

وأضاف السكوري أنه “على غرار لجنة اليقظة الاقتصادية التي أحدثت في ظل الأزمة الصحية، سيجرى إنشاء لجنة اليقظة الاجتماعية بهدف بلورة تصور لتحسين القدرة الشرائية للشغيلة”.

وزاد أنه “جرى التوصل إلي اتفاق يقضي بتشكيل لجنة لليقظة الاجتماعية مكونة من ممثلين عن الحكومة وممثلين عن الشركاء الاجتماعيين لاقتراح تصور متكامل بشأن تحسين القدرة الشرائية للشغيلة المغربية حتى يتسنى أخذه بعين الاعتبار في قانون المالية برسم سنة 2024”.

وكان رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش قد أعلن شهر أبريل الماضي، في بيان لرئاسة الحكومة، أنه “ناقش مع النقابات تحسين القدرة الشرائية للمغاربة، وذلك في ظل ارتفاع معدل التضخم بالبلاد”.

وأضاف أخنوش، في البيان الذي أعقب الحوار الاجتماعي الذي جمع بين الحكومة والنقابات وأرباب العمل، أن “انعقاد هذا الاجتماع يكرس مأسسة الحوار الاجتماعي بشكل راسخ”.

وكشف أنه “اتفق مع النقابات على مواصلة العمل والتفكير المشترك داخل لجنة مشتركة بحضور مختلف الشركاء الاجتماعيين، لتدارس كل ما من شأنه أن يحسن القدرة الشرائية للمواطنين في أفق الإعداد لمشروع الموازنة المقبل”.

وزادت رئاسة الحكومة أن “حصيلة الحوار الاجتماعي كانت مشرفة، بعدما أوفت الحكومة بعدد كبير من التزاماتها رغم الظرفية الصعبة”.

تستمد الإجراءات الحكومية نجاعتها من الواقع الفعلي لقدرة المواطنين، وإن استمرار ارتفاع الأسعار وارتفاع معدلات التضخم وضعف القدرة الشرائية للمواطنين يسائل مدى نجاعة تدخل الحكومة ومدى قدرتها على التخفيف من المعاناة الاجتماعية للمواطنين.

 8-قول الفقيه: غلاء الأسعار نازلة تطلب التدخل الفقهي

يعتبر د. محمد الصغير، الأمين العام للهيئة العالمية لنصرة نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم، “الشدة وغلاء الأسعار الذي تعاني منه الدول العربية ضمن النوازل التي تلزم العلماء والفقهاء بإصدار فتاوى للتخفيف من معاناة المسلمين”.

ويرى الدكتور الصغير، حسب ما جاء على لسانه في حلقة من برنامج “الشريعة والحياة” (قناة “الجزيرة”/ 4.4.2023)، أن غلاء الأسعار يدخل في دائرة “فقه النوازل والمحن”؛ وهذه حسب الشيخ “جزء من طبيعة الحياة، وهي اختبارات وابتلاءات، وقد تكون نوازل شخصية أو نوازل في صفة العموم مثل كورونا والزلازل وبقية الكوارث الطبيعية”.

ودعا د. الصغير “العلماءَ والفقهاء إلى التعامل مع هذا الغلاء في الأسعار من خلال دورهم في إصدار فتاوى بهدف التخفيف من معاناة المسلمين وتحقيق التكافل الاجتماعي، وأن تقف الأمة وقفة واحدة في تكافلها سواء في موضوع غلاء الأسعار أو في الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا في فبراير”.

وذكر ذات المتحدث، في سياق متصل، بقوله صلى الله عليه وسلم: “مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”.

هذا ولا ينبغي أن يقف الأمر عند هذا الحد، بإصدار الفتوى كلما استجد مستجد الشدة الاجتماعية. المطلوب أكثر من ذلك، وهو تحديد موقف الشريعة من البنى الاقتصادية القائمة التي هي أصل الغلاء والفقر والبطالة والتشرد وقلة اليد واستغلال الفئات الدنيا وفاقتها.. فتاوى الغلاء مفيدة ومطلوبة، ولكنها محدودة بحدودها المؤقتة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *