حوار في قراءة النص زين العابدين الغامدي

حين نتحاور حول النص فلست أعني حوارات النص الأدبي بقدر ما يعنيني الحوار حول النص الديني الذي دارت حوله حوارات مختلفة عبر تاريخه بين مؤولٍ وحذر ومتوقف عند ظاهر النص.
مدارس القراءة مختلفة برزت منذ ظهور الفقهـاء الأقدمين وأبرزهم أصحاب المذاهب الأربعة الذين يتفقون على منهج متقارب في قراءة النص يعتمد على النص ذاته والنصوص الأخرى وقراءات الصحابة والتابعين -رضي الله عنهم- ورحمهم أجمعين.
وظهرت مدارس أخرى كمدراس الرأي ومدرسة أهل الحديث وظاهرية كمدرسة داود وتلميذه ابن حزم الذي شرح مذهب شيخه وطوره حتى نسب إليه وكان للقراءات المختلفة أثر في الأيدولوجيا المختلفة لبروز قراءات أخرى لرواد المدرسة العقلية الاعتزالية والأشعرية وغيرهـا.
وبرز على السطح من وقت مبكر قراءة الخوارج الذين حاورهم ابن عباس ووضح لهم خطأ قراءتهم للنص فرجع على يديه ألفي خارجي تقريباً تبعت هذه المدرسة في العصر المتأخر القرآنيون.
ثم تطورت القراءات كل حسب اجتهاده وفهمه ولست بصدد تصويب قراءة وتفنيد أخرى بقدر عنايتي بتلمس الرؤية في مناهج التأويل التي يمكن تقسيمهـا إلى قراءة معترف بهـا ومقبولة كقراءة الأئمة الأربعة ونحوهـا باختلاف تنوع لا تضاد، وبين قراءة تتأرجح بين الرفض والقبول كقراءة الظاهرية القدامى وتبعهم الظاهريون الجدد الحرفيون، وقراءات تم رفضهـا كقراءات الباطنية وبعض المتصوفة الذين لهم باع كبير في تأويل النص وتحريف مقاصده بما لا يخدمه النص، ولا يدل عليه من قريب أو بعيد.
وكان لقراءات النص المختلفة والمتباينة أثر كبير في الواقع السياسي العربي اليوم وفي واقع الجامعات العربية التي تزخر بمكتبات تتداول النص في حوارات ونقاشات ومؤتمرات كثيرة ومتباينة هذا التباين في التأويل وقراءة النص وعدم التفريق بين المحكم والمتشابه، والخلط بين المدارس وعدم التمييز بين الغث والسمين من التفسيرات والخطأ والصواب فيهـا أحدث فرقة مجتمعية وسياسية تحولت من صراع فكري إلى صراع سياسي عقيم لم ينتج لنا إلا مزيد من الفرقة والخلاف.
كل ذلك بسبب خطأ في تفسير النص وعدم معرفة دلالاته المختلفة وتأويلاته المقبولة من غير المقبولة.
والسؤال الذي يفرض نفسه هل النص الشرعي يعد نصَّاً مقدسـاً أم هو كغيره من النصوص الأدبية التي تقبل النقد أو الزيادة والنقص والتلاعب والعبث أحياناً.
يرى بعض النقاد العرب أنه كأيِّ نصِّ بشري ومن ثم جعلوه نصَّاً مفتوحاً يقبل كل تأويلٍ ونقد وتصرف، وهذا خطأ كبير وجهل عظيم يؤدي إلى انحرافات خطيرة بل هو خطأ منهجي يترتب عليه فوضى وشذوذ وانحرافات في الفكر والسياسة وهو سبب الاختلاف والتناحر والفتن والقلاقل أن تُرك النص مفتوحاً وغير مقدس ليعبث فيه من شاء ويفسره كمـا شاء.
يستمد النص قدسيته من كونه نصـَّاً إلهياً ووحياً ربانياً سواء النص القرآني أو النبوي (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) و(أوتيت القرآن ومثله معه)، فكله وحي والوحي مقدس لا تختلف في ذلك آراء العلمـاء من قديم الزمن ولم تظهر فكرة عدم التقديس إلا عند فئة قليلة من رواد النقد الحديث تأثراً ببعض المذاهب الأدبية الغربية أو الشرقية التي لا تعترف بنص إلهي فهي بين الإلحاد أو العلمانية.
ومصدر تأويل النص وقراءاته المتنوعة يختلف من عالم إلى آخر، فبعضهم يعتمد على تفسير النص بالنص نفسه من خلال نصوصه الأخرى وبعضهم يعتمد على الأثر أو اللغة العربية ونحو ذلك من مصادر تأويل النص وتفسيره ومن ثم تأويل على تأويل وترجيح على ترجيح.
المهم في حوارات النص الكثيرة والمتباينة أن نعرف أن النص الإلهي نص مقدس قابل في بعضه للتأويل حسب مدراس قراءات النص المختلفة المقبولة وأن مرد تأويل متشابه النص هو إلى الراسخين في العلم (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ).
وأن سبب الاختلاف المعاصر سياسياً وفكرياً يعود إلى اختلاف تفسير النص ودرجة معرفة بعضهم به وجهل الآخرين بقدسيته وطرق تأويله المعتمدة وأن أهم أسباب التأخر والتخلف اتباع متشابه النص وعدم الاحتكـام إلى محكمه ورد متشابهه إلى العارفين به من العلماء الربانيين الذي لا يؤلونه حسب أهوائهم أو أطماعهم الشخصية والسياسية أو إرضاء لتيار سياسي وفكري دون آخر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *