من أعظم الابتلاءات، كما أسلفنا في مقال العدد السابق، الابتلاء بالفتن التي تنزل بالعباد في دينهم، ومن هنا يجب أن يعلم المسلم الحق ما المراد بالفتن؟ وما المعاني التي ترد لها؟ وهذا ما سيتبين بحول الله تعالى في المحور الموالي:
معنى الفتن لغة واصطلاحاً، والمعاني المرادة بها في كتاب الله تعالى:
الفتن في اللغة: جمع فتنة، وهي بمعنى الابتلاء والاختبار والامتحان من قولك: فتنت الذهب بالنار إذا أذبته وصهرته ليتبين جيده من رديئه.
وأما في الاصطلاح: فالفتنة ما يعرض للعباد من بلايا ومحن في أمور دينهم أو دنياهم فتظهر سرائرهم وتنكشف حقائقهم.
وقد ورد لفظ الفتنة في كتاب الله تعالى لمعان كثيرة أشهرها ما يلي:
1 – الاختبار والامتحان: كما في قوله تعالى: ﴿أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون﴾.
2 – الشرك: كما في قوله تعالى: ﴿وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله﴾وقوله: ﴿والفتنة أكبر من القتل﴾.
3 – العذاب: كما في قوله تعالى: ﴿ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا﴾ قوله: ﴿ذوقوا فتنتكم﴾.
4 – التعذيب والإحراق بالنار خاصة: كما في قوله تعالى: ﴿إن الذين فتنوا المومنين والمومنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق﴾.
5 – القتل والهلاك: كما في قوله تعالى: ﴿فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا﴾.
6 – الصد عن الصراط المستقيم: في قوله تعالى: ﴿وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك﴾ ومنه قوله: ﴿واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك﴾.
7 – الحيـرة والضـلال: كمـا فـي قوله تعالى: ﴿ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئاً﴾.
8 – العذر والعلة: كما في قوله تعالى: ﴿ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين﴾ أي معذرتهم.
أما الابتلاء فهو ليس قاصراً على أحد، ولا ينجو منه بر ولا فاجر، وإن تباينت صوره، وتفاوتت مراتبه و مراتب الناس فيه تبعاً لذلك.
وما ادعى أحدٌ إيماناً بالله ورسوله إلا كان نصيب من الابتلاء كما أخبر بذلك رب الأرض والسماء، فقال تعالى: {أ لم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:1-3].
ولو نجى من هذا الابتلاء أحد لنجى منه الأنبياء والمرسلون، ومن تابعهم من الأولياء والصالحين.
ولكن؛ ما من نبي أوتي الكتاب والحكمة إلا وهو معرض لأصناف البلاء حتى يبلغ رسالة الله إلى الناس، فالأنبياء أكمل الناس إيماناً وأكثرهم بلاءً، وذلك لأن الابتلاء على قدر العطاء، فقد قال ربنا تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ} [المائدة:48].
والقصص والنصوص في هذا الباب كثيرة ومتواترة تكفينا منها هذه الاشارة.
خلاصة القول:
من خلال هذه النبذة المختصرة عن موضوع الفتن والابتلاء أخلص إلى القول:
-أن الغاية من الخلق هي عبادة الله وحده لا شريك له.
-أن الابتلاء سنة جاريه في الخلق ليتبين المؤمن من غيره.
-أن الفتنة هي الامتحان، والاختبار، والابتلاء.
-أن النصوص قد تكاثرت، لبيان وقوع الفتن، وكثرتها.
-أن للفتن أحوالاً وأصنافاً.
– أن الناس أمام الفتنة أقسام:
أ- العالم الناجي.
ب- الساعي فيها الهالك.
ج- الجاهل وهو على خطر.
أن أهم أسباب الوقاية والنجاة من الفتن ما يلي:
أ – الاعتصام بالكتاب والسنة، وفهمهما على ضوء فهم السلف الصالح.
ب –الأخذ عن العلماء الراسخين والرجوع إليهم.
ج- لزوم الجماعة وطاعة أولي الأمر.
د – تقوى الله تعالى.
وأسأل الله للجميع التوفيق والسداد لصالح القول والعمل، والوقاية من الخطأ والحمق والزلل إنه سميع مجيب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.