تذوب القلوب كمدا وحسرة من واقع المسلمين، فمن العز والمجد الذي عاشته الأمة الإسلامية يوم عظمت أمر ربها واجتنبت نهيه امتثالا وتقربا، إلى واقع أليم يتغشاه الذل والهوان، حيث الدماء تراق، والأعراض تباع بأرخص الأثمان، وشرذمة من أهل فكر باطل سُلطت على رقاب المؤمنين، تتشدق جهلا ومكرا، فجعلت الإمتثال والإذعان والرضى بأوامر الله كفرا بالعقل، والإعراض والتكذيب ولمز الشرع بالنقص وعدم الشمولية والصلاحية لكل زمان ومكان من الإيمان، كما جعلوا من الإيمان اتخاذ القدوة من عباد الصليب وآل هيكل سليمان، وأرفع المقامات عندهم أن تستحضر مراقبة مجلس الأمن والأمريكان، وهيئات حقوق الإنسان، لأن هذا من الإحسان، غفل ذكره القرآن، ولم يعمل به النبي والصحبان لأن زمانهم لم يكن زمان سلاح الطيران.
هذه مقدمة توضح لنا شيوع أدواء في الأمة وظواهر شاذة، لم تكن لتحصل في أمة الإسلام، بل لم يكن تصور وقوعها قبل زمان قريب، لكن سرعة التغريب التي تعرضت لها المجتمعات الإسلامية، وكذلك علمنة المفاهيم، ومحاربة الفكر المحصن، وتصنيف بعض الممارسات الدينية في إطار الإرهاب، كل هذا كان له دور كبير في ظهور هذه الممارسات الشاذة (التبرج، الإختلاط، الصداقة بين الشباب والشابات، الشواطئ، السهرات الفنية… ) حتى أضحت ممارسات عادية كأنها من صميم العرف والدين، في حين صارت القيم والأخلاق نشازا وشذوذا يحاربه المجتمع، وإن كان في قرارة نفسه يعلم أن الحق قد ضاع مع طلب لقمة العيش وإشباع الرغبات والشهوات.
وإن من أهم القيم الجليلة والعظيمة التي ضاعت في هذا الواقع الأليم، خلق الغيرة، الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: “من مات دون عرضه فهو شهيد”، هذه الغيرة التي يتربى عليها المسلم فيغار على أمَّته وعلى محارمه، وتشتد الغيرة عنده على أهله وابنته، لأن بصيانة العرض وكرامته يتجلى صفاء الدين وجمال الإنسانية، وبتدنسه وهوانه ينزل الإنسان إلى أرذل الحيوانات البهيمية.
إن انعدام غيرة الرجل على أمِّه وأخته وزوجته وابنته من أهم الأسباب وراء تفشي ظواهر شاذة تكون الفتاة فيها طرفا مهانا مستغلا مهدور الكرامة، ولعل أخطر تلك الظواهر تتجلى في إقدام الفتيات المغربيات على قضاء الليلة بل الليالي رفقة الشباب الماجن متسكعين في الطرقات، أو يقضون أوطارهم العفنة في البيوتات، فبالإضافة إلى هتك الأعراض تتعاطى هؤلاء الفتيات الخمر والدخان والمخدرات…
إن أهم سؤال يطرح نفسه للإجابة عن أسباب هذا المرض الفتاك هو أين الآباء؟ وأين الأولياء؟ وبناتهم وأخواتهم يقضين الليالي خارج بيوتهن؟! هل انعدمت المسؤولية عندهم حتى أصبح الأب لا يسأل عن مصير ابنته؟؟ أم هل وصلت الدياثة بالرجل حتى أصبح عرضه يدنس دون أن يتمعر وجهه بله أن يموت غيظا؟ أم صار هذا مظهرا من مظاهر الحرية الزائفة، التي لا تعلق شرف المرأة ببضع قطرات دم -كما يروج العلمانيون-؟
إن وصول الفتيات إلى هذا الحال مر عبر مراحل متعددة فمن التعليم المختلط، والنظر والفرجة في الأفلام والمسلسلات الخليعة إلى اللباس العاري مع احتقار سلطة الولي إلى الحفلات الراقصة والخرجات المتسيبة مع انعدام التربية الصحيحة، والتعليم البناء، والإعلام الهادف، وضياع الهدف، والكفر بالغاية والحكمة من الخلق … كل هذا وغيره كان السبب وراء هذه الظاهرة.
فمن حرم الغيرة حرم طهر الحياة، ومن حرم طهر الحياة فهو أحط من بهيمة الأنعام، ولا يمتدح بالغيرة إلا كرام الرجال وكرائم النساء.
وإن الحياة الطاهرة تحتاج إلى عزائم الأخيار، وأما عيشة الدعارة فطريقها سهل الإنحدار والإنهيار، وبالمكاره حفت الجنة، وبالشهوات حفت النار.
وأخيرا وليس آخرا إن تفريط المسؤولين في حماية المجتمع من هذه الظواهر أعطى شرعية قانونية لأفعال وممارسات شبابنا الضائع في أوحال الشهوات، وبراثن التشبه بالغرب العلماني المنحل أخلاقيا…
ونقول للآباء والأولياء إن الذي لا يغار فلا خير فيه؛ إنه يسلك سبيلاً إلى النار ويبتعد بنفسه عن الجنة، بل يجعل عرضه مباحًا لكل من هبّ ودبَّ، وهذا هو الديوث، إنه الذي لا يغار على عرضه أو يعلم بفحشهم وسوء سلوكهم ويغض الطرف عن ذلك، إنه يعرض نفسه للذل والهوان، فما زال العرب والمسلمون يعظمون شأن الأعراض والحرمات فيعظمون من يدفع عن عرضه وحريمه ولو بذل في سبيل ذلك ماله وروحه:
أصون عرضي بمالي لا أدنسه لا بارك الله بعد العرض في المال
أما من يتهاون في هذا الباب فإنه ساقط في الدنيا ساقط في الآخرة بعيد عن الله وعن الجنة، ففي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمرأة المترجلة، والديوث”. والديوث هو من يرضى الفاحشة في أهله.
ولا يصاب بهذا الداء العضال إلا عديم المروءة ضعيف الغيرة رقيق الدين، فتراه لا يبالي بدخول الأجانب على محارمه ولا يبالي باختلاطهنَّ بالرجال أو تكشفهنَّ، ولا يبالي أين يخرجن ويذهبن، ولا متى يرجعن، حتى يستفيق المسكين على صوت من يخبره بعرضه وقد هتك أو حمل عند ابنته لا يعرف أبوه.