4- إثبات صفة العين لله تعالى:
البصر من صفات الله تعالى الذاتية التي لا تنفك عنه سبحانه، فالله تعالى لم يزل ولا يزال بصيرا، يبصر ببصر يليق به سبحانه كما دل على ذلك الكتاب والسنة وكذا العقل([1]) والإجماع([2]).
والله تعالى يبصر بعينين:
قال تعالى: “وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48)”-الطور-، وقال تعالى:” تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14)”-القمر-، وقال جل شأنه:” وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39)”-طه-، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:” إني لأنذركموه -يعني الدجال- وما من نبي إلا قد أنذره قومه ولقد أنذره نوح قومه ولكن سأقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه : إنه أعور وإن الله ليس بأعور”-متفق عليه-.
والعين من صفات الله تعالى الذاتية الخبرية، وإنما كانت ذاتية لأنها لا تنفك عن ذات البارئ سبحانه فالله تعالى لم يزل ولا يزال متصفا بها، وأما كونها خبرية فلأنها لا تثبت إلا بالخبر الصادق([3]).
ومعتقد أهل السنة والجماعة أن لله تعالى عينين اثنتين يبصر بهما إبصارا يليق به.
يقول العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى: “وهذا الحديث-أي حديث الدجال- يدل على أن لله تعالى عنين اثنتين فقط. ووجه الدلالة أنه لوكان لله أكثر من اثنتين، لكيان البيان به أوضح من البيان بالعور…وأيضا: لوكان لله عز وجل أكثر من عينين لكان ذلك من كماله، وكان ترك ذكره تفويتا للثناء على الله، لأن الكثرة تدل على القوة والكمال والتمام، فلوكان لله أكثر من عينين، لبينهما الرسول عليه الصلاة والسلام، لئلا يفوتنا اعتقاد هذا الكمال، وهو الزائد على العينين الثنتين”([4]).
“قال أهل اللغة (إن الأعور هومن فقد أحد عينيه) وذلك لأن مخلوقات الله المعروفة لدى العرب من الإنسان كذلك الحيوان كلها لها عينان فوضعت العرب هذا الاسم (العَوَر) لمن فقد أحد عينيه فهو خاص بذلك وليس العور هو ذهاب البصر.
لهذا دل هذا الحديث (إن ربكم ليس بأعور) على إثبات صفة (العينين) لله جل وعلا بدلالة الوضع اللغوي من أن (العَوَر) في اللغة عند العرب هو فقد أحد العينين.”([5]).
وقد يرد هنا تساؤل: إن كان الله تعالى ليس له إلا عينان اثنتان فلماذا وردت العين بلفظ الجمع في بعض الآيات كما في قوله عز شأنه: “تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا”، وبالإفراد كما في قوله تعالى: “وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي”.
والجواب أن يقال:
– بالنسبة للإفراد، فمعلوم أن المفرد المضاف يعم، وقد أضيفت العين في هذه الآية إلى ياء المتكلم فشملت وعمت كل عين لله وليس له سبحانه إلا عينان.
– وأما بالنسبة لصيغة الجمع: فعلى القول بأن أقل الجمع اثنان فلا إشكال، وعلى القول بأن أقل الجمع ثلاثة فالجمع في مثل تلك الآيات يفيد التعظيم والتفخيم.
كما أن المثنى إذا أضيف إلى ضمير جمع فالأفصح أن يجمع([6]).
وبهذا يتبين بطلان احتجاج أهل التعطيل بهذه الصيغ على نفي العين لله تعالى، يقول العلامة الهراس رحمه الله تعالى: “وَأَمَّا إِفْرَادُهَا فِي بَعْضِ النُّصُوصِ وَجَمْعُهَا فِي الْبَعْضِ الْآخَرِ؛ فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ عَلَى نَفْيِهَا؛ فَإِنَّ لُغَةَ الْعَرَبِ تَتَّسِعُ لِذَلِكَ، فَقَدْ يعبَّر فِيهَا عَنِ الِاثْنَيْنِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، وَيَقُومُ فِيهَا الْوَاحِدُ مَقَامَ الِاثْنَيْنِ([7])“([8]).
وكما هو الشأن بالنسبة لصفات البارئ سبحانه فقد كان موقف المعطلة من صفة العين التعطيل:
– فمنهم من نفاها أصلا كما نفى صفة البصر، فقال أن الله تعالى لا يبصر وليس له عين، وهذا قول الجهمية الذين عطلوا الله عن جميع صفاته.
وهو كذلك مذهب المعتزلة على التحقيق، قال الشيخ صالح آل الشيخ: “فالمعتزلة ينفون صفة البصر لله جل وعلا وينفون صفة العين والعينين لله جل وعلا فعندهم أن الله جل وعلا ليس له عين وليس له بصر جل وعلا”([9]).
—————————————————
(1)- ودلالة العقل على اتصاف الله بالبصر ظاهرة، وذلك من وجوه، منها: أن البصر صفة كمال والله تعالى أولى به، كما أن الله جل وعلا عاب على المشركين اتخاذ آلهة تفتقد هذه الصفة، ويمتنع عقلا أن يكون الإله المعبود فاطر السموات والأرض يشارك هذه الآلهة في هذا النقص.
([2] )- والمقصود إجماع أهل السنة والجماعة الذين أثبتوا لله تعالى ما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل ولا تشبيه. ولا يعتد بمخالفة بعض أهل البدع الذين عطلوا هذه الصفة ونفوها كالجهمية أو الذين تأولوها تأويلا باطلا كالمعتزلة وبعض الأشاعرة.
(3)- قال الدكتور محمد بن خليفة التميمي حفظه الله تعالى:” الصفات الخبرية وتسمى النقلية والسمعية، وضابطها: هي التي لا سبيل إلى إثباتها إلا بطريق السمع والخبر عن الله أوعن رسوله الأمين عليه الصلاة والتسليم”- الصفات الإلهية: تعريفها وتقسيمها:71-. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:” الخبرية: لأن مسماها بالنسبة لنا أجزاء وأبعاض، فالعين منا بعض الوجه والوجه بعض من الجسم، لكنها بالنسبة لله لا يجوز أن نقول: إنها بعض من الله…”-شرح الواسطية:262-.
)- شرح العقيدة الواسطية للعلامة ابن عثيمين:263-264.[4] (
)- شرح العقيدة الواسطية للشيخ صالح آل الشيخ:261.[5] (
(6)- فمن القواعد في اللغة العربية:” (أن المثنى إذا أضيف إلى ضمير تثنية أو جمعٍ جُمِع على الأفصح) ومن ذلك قوله تعالى:” فقد صغت قلوبكما”.
([7] ) – والعكس فقد يقوم الاثنان مقام الواحد كما يروى عن الحجاج أنه كان يقول لجلاده: اضربا عنقه، ويريد: اضرب عنقه. ومنه قوله تعالى: “يخرج منهما” أي :منه، والله أعلم.