معارك حول سوق أربعاء صخور الرحامنة 1912م ذ. إرديس كرم

 

جاء في تقرير “منجان” المذكور في العدد السابق: “يوم 20 غشت 1912

ليس هناك أي جديد يذكر حول تحرك القبائل المناهضة للغزو الفرنسي المتوجه لمراكش، ما عدى تبادل المراكز المتقدمة طلقات النيران مع الفرسان المهاجمين لها بين الفينة والأخرى من بعض المرتفعات الجنوبية  للمعسكر، وعلى العموم فالوضع العسكري جيد، وقد بشرنا رقاصة موالون لنا بأن كولون “جوزيف” وصل سيدي بنور صحبة السي لمراني ومشايعي دكالة، وسيتم دعم هذه النقطة يوم 23 منه بمفرزة انطلقت من سوق الأربعاء.

طريق سوق الأربعاء-أم الربيع ستصبح بالتأكيد سالكة مؤمنة نتيجة الاحتلالات السابقة مما يمكن التنقل فيها بحراسة بسيطة من قبل الكولونيل “منجان” الذي اجتمع بمشرع بن عبو مع القيادة العليا للقوات المتواجدة تحت امرته.

تلقى ليوطنا كولونيل “صافي” المكلف بتأمين المعسكر معلومات تفيد بتجمعات معادية في محيط عشر كلم حول المعسكر، فأمر بتشتيتها.

يوم 31 غشت تجمع معادون لنا من الرحامنة جنوب اولاد بوبكر والبرابش في محمد بن الطاهر على بعد 8 كلم من المعسكر، فقام ليوطنا كولونيل “صافي” بتشتيتهم طبقا للأوامر التي تركها له الكولونيل “منجان” وذلك بواسطة قوة بقيادة الكومندار “روف”، مكونة من سريتين سنغاليتين من فوج ريف، وسرية جزائرية، وسرية استعمار، وفرقة الكوم الثالثة، وفصيلة مدفعية 75، ونصف فصيلة سنغالية راكبة، ونصف فصيلة اصبايحية، حيث غادر الجميع سوق الأربعاء على الساعة الرابعة نحو محمد بن الطاهر.

وفي الساعة السادسة صباحا أصاب الكومندار “روف” السي عمر بن الحاج الذي شوهد على بعد حوالي 8 كلم غربا في جموع كبيرة بين راجل وراكب متوجهين نحو الكولون لقتاله.

تصنع الكومندار “روف” الانسحاب، ثم اتخذ وضعا استعداديا للقتال في الخلف من أجل استدراج الأعداء كي يصبحوا في مرمى النيران، بدأت المعركة في التاسعة وأربعين دقيقة، حيث شاركت المفرزة بأكملها دفعة واحدة في الهجوم المضاد للأعداء الذين عرقل تراجعهم وجود نهر خلفهم مما أبقاهم في مرمى النيران مدة أطول، الأمر الذي زاد خسائرهم وعاق فرارهم، وقد التحموا وجها لوجه مع السرية الرابعة السنغالية وسرية الاستعمار، فاستعملت الحراب والسيوف من الجانبين، وأثناء الانسحاب تقووا من جديد في الخلف، فتمت ملاحقتهم لغاية تواريهم عن الأنظار.

وبعد انتهاء العملية والتأكد من عدم عودتهم، عاد الكولون للمعسكر على الساعة الواحدة بعد الظهر، وقد كلفتنا العملية ثلاثة قتلى بينهم أوربي وثمانية جرحى بينهم أوربي.

في نفس اليوم اجتاز الكولونيل “منجان” مشرع بن عبو ودخل سوق الأربعاء في منتصف النهار مع التعزيزات التالية: سرية اصبايحي، سريتان من ازواوى، سرية من فوج بوتيلوب، فصيلة 75 محمولة.

الجديد ورود أخبار مفادها أن الهيبة الذي دخل مراكش يوم 17 غشت 1912 أعلن عن تحرك خليفته لسيدي بوعثمان، ونتيجة لهذه الوضعية الجديدة المتداولة قرر الكولونيل البقاء في سوق الأربعاء بدل الذهاب لسيدي بنور كما كان مقررا له يوم 22 غشت، وعمل على تمركز الكولونيل “جوزيف” في سوق الأربعاء، وللتعجيل بالتحرك بعث في الليل أمرا مع رقاص لهذا الكولون بأخذ الطريق يوم 23 نحو الحاج المكي في واد إفران ليلتقي مفرزة متوجهة لسوق الأربعاء بقيادة ليوطنا كولونيل “صافي”، وقد تركت حركة هذه القوات، الحيرة لدى الرحامنة الذين يعملون مع رجال الهبة.

يوم 22 غشت حوالي الساعة الثالثة زوالا توصل قائد الفرقة المتحركة بمعلومات جديدة بواسطة رقاص للحاج التهامي لكلاوي من مراكش بتحرك خليفة الهبة مع محلة بن اجرير على بعد 25 كلم من سوق الأربعاء نحو نقطة ماء مهمة بأوحام على بعد 14 كلم غرب سوق الأربعاء والتي سيصلها الخليفة في منتصف النهار.

المعلومة أكدت من قبل دليل الرقاص وممثل لشيخ سوق الأربعاء المتواجد مع الفرقة، وأمام هذه المعلومة المؤكدة لم يبق هناك بد من تنظيم التحرك بضم مفرزة ليوطنا كولونيل “جوزيف” لحماية الشاوية.

الخليفة أعلن السير نحو مشرع الشعير؛ ووفاء للرحامنة ودكالة قرر الكولونيل “منجان” استغلال ضوء القمر من أجل التقدم للسهل لمهاجمة معسكر الخليفة ليلا، وقد تم اتخاذ الوضعية التالية.

أمر بتحويل المعسكر للأعلى حيث انعطف بـ500م نحو الجنوب الغربي من مكان تواجد الفوج.

فصيلة مدفعية تحت قيادة الكومندار “بيرون”، أبقيت لحراسة المعسكر والمعدات.

القوات التي طلبت من قبل الرقاص للتوجه لمشرع بن عبو لتعزيز مفرزة “بيرون” وصلت فجر يوم 23 بعدما قطعت الليل ماشية مكونة من الفرقة الجزائرية الثانية وسرية استعمار والسرية السنغالية.

في الساعة الرابعة عصرا كانت كل القوات حاضرة في سوق الأربعاء مستعدة للتوجه لنقطة الماء اُوحام تحت قيادة الكولونيل “منجان” كالتالي:

– قوات الطليعة الكومندار روف.

– كوكبة اصبيحي وقناصة افريقيا.

– الفرقة الثانية للكوم.

– السرية الثانية لفوج السنغاليين فصيلة 65.

– الوسط ليوطنا كولونيل “سيلفي”.

– السرية الثانية من الفوج السابع السنغالي.

– الفوج الثاني استعمار، الفوج الثاني ازواوى، فصيلة 75، خدمات.

– الحراسة الخلفية.

– السرية الثانية السنغالية.

حوالي الساعة السادسة مساء دخلت القوات في مناوشات مع عدد من الجماعات المتفرقة هنا وهناك لقطع الطريق على تحرك قواتنا المتأهبة لأخذ مواقعها حول نقطة الماء السالف ذكرها، فأعطيت الأوامر لإزاحتها وإبعادها.

في الساعة 19 التحمت القوات مع الأعداء بأكملها في الهضبة دون تحقيق أي تقدم، ومع قدوم الليل تكثف التراشق بالنيران ونشطت المدفعية في قصف الجماعات المهاجمة لنا.

أعطى “منجان” الأمر بتقدم الفرقتين السنغاليتين من اليسار وراء دليل يقودها لمعسكر الخليفة، لكن الأدلاء أكدوا له أن الخليفة غادر المعسكر ويصعب التحقق من ذلك نتيجة الظلام المخيم مما يدل على أن الخليفة استخدم الشعاب واحتل المعابر المتحكمة في الطرق مما يجب التفكير في كيفية التعامل مع هذا المعطى الجديد، حيث أصبح المغاربة محتمون خلف الصخور مما يقويهم.

قام الصبايحية بمجهود كبير لإجلاء سرية استعمار التي تاهت في الظلام الذي وقى الأعداء من قناصتنا، وحال دون تقدمهم كما أراد الأصدقاء في مراكش، فكان على القوات التراجع نحو المرتفع وتعليق تحرك القوات، والعمل على تجميعها باستخدام الأجراس حتى تتمكن الوحدات والأفراد من قصدها؛ كل ذلك تحت مراقبة الأعداء الذين كانوا في الأعلى.

في الساعة العشرين تحرك الكومندار “ريف” على رأس فرقته نحو معسكر الخليفة في ضوء القمر يتقدمهم دليل من طريق يمر بفج عميق مخفورا من الأعلى بمراقبين للروابي المحيطة بهم، وفي الساعة الواحدة والعشرين السرية الأولى السنغالية والفرقة الثانية للكوم المرافقة تم اعتراضها برشقات قوية من الرصاص من معسكر الأعداء، فأمر بالهجوم على مصدر النيران، وبعد سير تحت التراشق مسافة 1500م، تم الوصول لمعسكر الخليفة الذي تم إخلاؤه على عجل، بعد التحام مع الباقين من المحلة وجها لوجه.

سرية “كوفمان” التي كانت تسير على اليمين من معسكر الخليفة قتلت عددا من المغاربة بالحراب في مواجهة وجها لوجه.

بعد الاستيلاء على مكان معسكر الخليفة تم المكوث فيه، وذلك بدء من الساعة الثانية والعشرين في نقطة الماء السالف ذكرها والموجودة على ضفة واد غزير المياه.

ترك الأعداء في الميدان عددا من القتلى وحوالي 7000 رصاصة، وخياما، وأشياء أخرى هامة، أما نحن فقد خسرنا قتيلا سنغاليا وثلاثة جرحى من الأهالي، وقد مر الليل دون مشاكل، كما انهار الأعداء ولم يظهروا من جديد.

وفي سوق الأربعاء من نفس الليلة تم إخلاء المعسكر جزئيا بعدما تم مهاجمته والاستيلاء على المؤن والخيام ولوازم عسكرية أخرى.

بعد الفوز الذي تحقق ليلة 23 غشت ظهر أمران؛ الأول السير نحو ابن اجرير حيث باقي المحلة  كان بأوحام، 400 حصان و1500 راجل معسكرة.

للاستفادة من المفاجأة أرد “منجان” مواصلة السير في الحين ليلا لمباغتة المعسكر الثاني مع الفجر البعيد عن الأول بحوالي 30 كلم عن بنكرير، لكن بعد المسافة وتعب القوات وصعوبة التضاريس والوقت المتأخر حال دون تنفيذ ذلك التطلع.

بقي إذن الحل الثاني وهو الذي اتخذه “منجان”، بمتابعة العمليات في الغد صباحا، بتوجه القوات نحو الحاج المكي بواد إفران حيث قوات “جوزيف” منذ 23 غشت، غادرت مفرزة أحمان صباحا على الساعة الخامسة والنصف متوجهة نحو الغرب.

لوحظ أن الأعداء تراجعت مراقبتهم نحو الجنوب الشرقي تجاه بنكرير، تم تكوين قوة حماية خلفية للقوات المغادرة تحت إمرة الكومندار “روف”.

المجال سيئ، كثير الصخور، صعب المسالك، مما أحدث إصابات وحوادث كبيرة في القوات زيادة على بطء التحرك والانطلاق.

كما أن إحاطة جماعات من المغاربة بالقوات من الأمام والخلف والجوانب وما استوجب ذلك من تبادل لإطلاق النار لإبعادهم وتأمين الطريق أخر العمليات المقررة.

طليعة الكوم كانت في المقدمة مستعملة نيرانا كبيرة تساعدها كوكبة اصبايحي في تمشيط الطريق متكلفة برد الأعداء في أكثر من جهة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *