“ما لنا غيرك يا الله” الشعار الأبرز الذي ردده السوريون منذ بدايات ثورتهم المباركة في شتى المحافظات، والذي يعبر عن خيبة أملهم من الموقف المتخاذل من كثير من دول العالم تجاه حقوقهم المشروعة في التخلص من نظام طائفي ديكتاتوري مستبد وعميل .
ومع اقتراب مرور خمس سنوات على انطلاق هذه الثورة المباركة، يزداد السوريون يقينا بهذه العبارة، بعد أن محصت هذه السنوات حقيقة موقف كثير من الدول العربية والغربية التي كانت تزعم سابقا أنها صديقا لهذه الثورة، أو مؤيد لها ولو بالكلام فقط، أو حتى محايد أو غير متواطؤ عليها .
نعم… لقد كشفت هذه السنوات الشداد على الشعب السوري الصديق الحقيقي من المتخاذل والعدو، فبينما لم يثبت على موقفه بضرورة إسقاط نظام الطاغية كحل وحيد للأزمة السورية إلا قلة من الدول العربية والإسلامية تراجعت مواقف بعض الدول العربية -كمصر والأردن- تجاه ثورة الياسمين، لتبدو أقرب إلى موقف كل من روسيا وإيران المتمسكة بضرورة بقاء نظام الطاغية لمحاربة ما يسمى إرهاب “داعش”، لتبقى كل من أمريكا والدول الغربية على موقفها النفعي المنافق، الذي يظهر ويعلن ضرورة تنحي الأسد بعد المجازر التي تلطخت بها يداه، إلا أنه لا يمانع بقائه -بل يريد ذلك ويدعمه حقيقة- خوفا من البديل المتمثل بالتيار الإسلامي .
من هنا لم يكن اجتماع فيينا الأخير إلا نموذجا للخذلان الدولي لثورة الياسمين، واستمرارا لمحاولات إجهاض الجهاد الشامي وإعادته إلى بيت الطاعة من جديد بصورة أو بأخرى .
وباستثناء الموقف السعودي التركي القطري الذي ما زال متمسكا بأدنى حقوق شعب قدم أكثر من نصف مليون شهيد، وأكثر من عشرة ملايين لاجئ، ناهيك عن المعتقلين والمفقودين… تجلى مشهد الخذلان -أو ربما التواطؤ على هذه الثورة- في كثير من النقاط التي يمكن إجمالها فيما يلي :
1- غياب أي حديث عن إسقاط نظام طاغية الشام أو حتى تنحية عن السلطة بأي شكل من الأشكال، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية الروسي “لافرورف” بقوله: “إن المجتمعين لم يتفقوا على مصير رئيس النظام السوري بشار الأسد”، بل تجاوز الاجتماع هذه النقطة في بيانه الختامي، ليتحدث عن أمور أخرى تشير بوضوح إلى حجم الخبث التواطؤ على ثورة الياسمين أهمها على سبيل المثال :
– الحفاظ على هوية سورية “العلمانية” وهو ما يعني إجهاض رغبة الشعب السوري في تطبيق الشريعة الإسلامية، والسير بعكس اتجاه الفصائل الإسلامية السورية التي تطمح بنظام إسلامي رشيد كبديل عن نظام الطاغية الاستبدادي .
– التنويه بأن مؤسسات الدول ستبقى قائمة، وهو ما يعني رغبة روسيا وإيران ومن ورائها أمريكا والدول الغربية وبعض الدول العربية في الإبقاء على أنظمة مخابرات الطاغية وجيشه الطائفي الهلامي .
– التركيز على محاربة ما يسمى “داعش”، والتغاضي عن جرائم روسيا وإيران والطاغية ببلاد الشام، والتي كان آخرها المجازر الوحشية التي ارتكبها طيران روسيا والنظام أثناء اجتماع فيينا، حيث استشهد أكثر من 190 سوريا كثيرٌ منهم أطفال ونساء، ناهيك عن مئات الجرحى نتيجة أكثر من مئة غارة جوية على الأحياء المكتظة بالسكان المدنيين بحلب، وغارات على سوق شعبي بدوما بريف دمشق، وأخرى على كل من إدلب وحمص.
2- ومن علامات خذلان اجتماع فيينا لثورة الياسمين أنها نسخت ببيانها الختامي بنود اجتماع جنيف 1، والذي كان ينص على عملية انتقالية تفضي إلى إقصاء نظام الأسد عن أي دور في مستقبل سورية، ليكتفي بيان فيينا بدعوة ممثلين عن المعارضة والنظام السوري إلى الاجتماع للتفاوض على تشكيل حكومة ذات مصداقية وشاملة وغير طائفية “لا تقصي أحدا”، على أن يعقب تشكيلها وضع دستور جديد وإجراء انتخابات… وهو ما يعني مشاركة الأسد ونظامه في هذه الحكومة، وعدم النص على استبعاده من العملية السياسية .
3- ويكفي دليلا على اعتبار اجتماع فيينا نموذجا لخذلان ثورة الياسمن والتواطؤ على إجهاضها احتفاء وسائل الإعلام المؤيدة لنظام الأسد وفرحتها بالبيان الختامي لهذا الاجتماع.
فقد احتفت صحيفة الأخبار اللبنانية المقربة من حزب بشار بـ”الوساطة” الأمريكية، ورحبت بدور وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، واعتبرت أن الرابح في اجتماعات فيينا هو نظام الأسد، بعد أن تجاوز البيان الختامي مصير الأخير، ناسخا بذلك بيان “جنيف1” الذي شدد على أن لا دور للأسد في المرحلة المقبلة، ومركزا على ضرورة القضاء على تنظيم الدولة.
لم يفاجأ الشعب السوري بفشل اجتماع فيينا الذريع، فهو لم يعول عليه في شيء أصلا، كما أن الثوار المجاهدين على أرض الشام لم يعيروه أي اهتمام، فهم مشغلون بالورقة الرابحة الوحيدة التي يمكن من خلالها الوصول إلى هدفهم بإسقاط النظام .
أما الدول الداعمة بحق لثورة الياسمين، والراغبة بصدق لإنهاء معاناة الشعب السوري عن طريق الحل السياسي الملبي لأدنى حقوقهم المشروعة، فقد أظهر هذا الاجتماع صعوبة إنهاء الصراع بالحل السياسي، ولم يبق إلا الحل الآخر الذي عبر عنه وزير خارجية المملكة السعودية عادل الجبير: “الخيار أمام بشار الأسد هو التنحي عن طريق عملية سياسية أو الهزيمة في ميدان القتال”.
د. زياد الشامي