من ضمن الأوراش الكبرى التي يجب أن تركَّز عليها الجهود؛ وتأخذ بعين الاعتبار في مسلسل الإصلاح: إصلاح المنظومة الإعلامية وفق حكامة جيدة تُراعَى فيها شروط الشفافية والعدالة، ذلك أن إعلامنا العمومي وخاصة القناة الثانية 2M أصبحت أعزكم الله “بورديلا” وماخورا من مواخير الفساد.
وحتى أقرب الصورة إلى القارئ الكريم؛ أقول أن ما تقوم به القناة الثانية من تخريب لمنظومة القيم والأخلاق من خلال برامج كستوديو 2M وأفلام مكسيكية وتركية؛ ونقل لمهرجانات وحفلات موسيقية ساقطة (شاكيرا العارية المتهتكة مؤخرا)… لا يقل خطورة وجرما عما تقوم به على مستوى المجال الفكري والأيديولوجي؛ حيث تقدم للمغاربة والمشاهدين عموما صورة مغلوطة تماما عمن يخالف المنظومة العلمانية؛ وتستغل الأحداث التخريبية التي تشهدها المملكة بين الفينة والأخرى لتقفز عليها وتُصفِّي حساباتها من مخالفيها؛ وتمرر العديد من مشاريعها الرامية إلى إقرار العلمانية ومحاصرة الشريعة الإسلامية!
وقد كان موضوع حلقة مباشرة معكم الذي خصصته القناة لموضوع الخطر الإرهابي حلقة من ضمن هذا المسلسل؛ فباستثناء رجال السلطة الذين لم يكن منتظرا منهم إلا أن يقدموا لنا الرواية الرسمية للأحداث- كان معظم الحاضرين من الفئة العلمانية الاستئصالية الموغلة في التطرف؛ كالبريني الحاقد والأطلسي الشيوعي البائد وسعيد الكحل المدلس الذي لا يتورع عن الكذب، في حين لم يمثل الاتجاه الإسلامي إلا الأستاذ الرميد؛ الذي قدم ما يمكنه تقديمه؛ وحاول فضح المؤامرة العلمانية التي خططت لها القناة الثانية وحبكتها جيدا.
ومن العجيب والعجائب جمة؛ إصرار أصحاب الفكر الاستئصالي العلماني المثخن بجراح الظلم والطغيان والإقصاء على العودة إلى الواجهة من جديد؛ حيث لازال حاملو هذا الفيروس الإيديولوجي يحاولون الصعود على الأحداث بعد أن كشفوا أمام الناس وظهر انحرافهم وخيانتهم لهذا البلد ودينه.
فلم يستح أبدا “الأطلسي” الكاتب بجريدة الاتحاد الاشتراكي -والذي صرح في البرنامج أنه شيوعي النحلة- لم يستح أن يطالب بإلغاء ثقافة الحلال والحرام؛ وإلغاء الحوار مع الآخر الإسلامي؛ وادعاء أن المرأة المنقبة محكومة بفكر ذكوري!!!
وهي دعوة صريحة منه إلى إقصاء الشريعة الإسلامية؛ شريعة الحلال والحرام؛ واستئصال مخالفيه من الإسلاميين؛ ذلك أن مفهوم التطرف والغلو عند العلمانيين هو أي عمل أو دعوة تهدف إلى أن يحكم الدين حياة الناس.
وبذلك نفهم أن نقل النقاش حول مسألة النقاب من الديني إلى السياسي؛ وتصوير النساء اللائي ارتأين لبس النقاب -تشبها بأمهات المؤمنين- على أنهن ينتمين إلى جماعات أصولية متطرفة!! أو فئات لها أهداف سياسية محددة!! أو مستغَلات من طرف الفهم الذكوري وسلطة المجتمع الأبوي!! كل ذلك مجازفة في القول ورمي بالباطل.
فنحن نشاهد المئات من المنقبات وما تعانينه من مضايقات في الجامعات والمؤسسات والإدارات العمومية؛ سواء في بلدنا أو في غيره؛ وما يمارس عليهن من طرف حاملي الفكر العلماني المتطرف من إقصاء وتهميش؛ ولا يصدهن ذلك أبدا عن التمسك بلباسهن، وهذا أمر معروف ومشتهر لا يكاد يجهله أحد له أدنى اهتمام بالشأن العام.
فالمنقبات لسن حالة شاذة في المجتمع المغربي؛ فمنهن الطبيبات والمهندسات والمعلمات.. وهن يشكلن امتدادا لتمسك المرأة المغربية بزيها الشرعي؛ وما نص عليه دينها واختاره أئمة مذهبها المالكي.
قال الحطَّاب في مواهب الجليل شرح مختصر خليل 1/499: «واعلم أنه إن خُشي من المرأة الفتنة يجب عليها ستر الوجه والكفين. قاله القاضي عبد الوهاب، ونقله عنه الشيخ أحمد زرّوق في شرح الرسالة، وهو ظاهر التوضيح. هذا ما يجب عليها» اهـ.
وقال ابن العربي المعافري: «والمرأة كلها عورة، بدنها وصوتها، فلا يجوز كشف ذلك إلا لضرورة أو لحاجة، كالشهادة عليها، أو داء يكون ببدنها، أو سؤالها عما يَعنُّ ويعرض عندها» (أحكام القرآن 3 / 1579).
لذا فالمرأة المغربية كباقي أخواتها في أي من بقاع الأرض؛ حين تختار أن ترتدي هذا اللباس فإنها تصدر عن مرجعية الوحي ولا يلزمها أي أحد أو يجبرها على ذلك.
فأين هي الحرية التي يتشدق بها حملة هذا الفكر الاستئصالي المتطرف؟
ولماذا إذا اختارت المرأة ما نص عليه الوحي صارت محكومة بالفكر الذكوري وسلطة المجتمع الأبوي؟!
أهذه هي الحرية الفردية التي كفلتها المواثيق الدولية واتفاقيات حقوق الإنسان؟!
لكن وكما قال أحد الباحثين؛ فلئن كانت الأنواع الصارخة للإكراه المادي والعنيف والفظ لتغيير المعتقدات والقناعات؛ كالتي عانى منها أصحاب الأخدود والصحابة كبلال الحبشي وياسر وسمية وعمار رضي الله عنهم أجمعين؛ ولئن كانت محاكم التفتيش وأفران النازية والتصفيات الشيوعية.. قد اختفت؛ إلا أن حياتنا الدينية والفكرية اليوم يشيع فيها لون آخر من الإكراه الناعم والهادئ والبطيء وغير المباشر لتغيير المعتقدات والأفكار والسلوك.
ولا منطق لأصحابها يحكمهم إلا المنطق الفرعوني القديم الذي حكاه لنا القرآن على لسان فرعون: {مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ}.