مع اسم الله تعالى: “الحكيم”

اسم الله “الحكيم” على وزن “فعيل”.
و(فعيل)، من الناحية الصرفية: صيغة مبالغة، إما من:
– وزن “فاعل”؛ فتكون “حكيم” بمعنى: “حاكم”.
فالله تعالى هو “الحاكم” لخلقه، لا ينازعه في حكمه (الكوني-القدري) أحد .
وهو أيضا “الحاكم” فيهم، بحكمه الشرعي، الذي لا مبدل له، ولا معقب لأحكامه، جل سبحانه.
قال الله تعالى: (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ) الأنعام57.
فلا راد ولا معقب لحكمه .
قال الله تعالى: (وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) الرعد 41 .
ولا حكم أفضل من حكمه .
قال الله تعالى: (وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ) يونس109 .
– أو هو صيغة مبالغة “فعيل”، بمعنى: “مُفْعِل” ؛ أي: هو (محْكِم).
فهو سبحانه قد أحكم خلقه، وأتقنه، وأحسنه، وأجمله .
قال الله تعالى: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) النمل 88.
قال الخطابي رحمه الله تعالى: ” الحكيم: هو المحكِم لخلق الأشياء”.
صُرف عن (مُفْعِل) إلى (فعيل)، كقولهم: أليم بمعنى: مؤلم، وسميع بمعنى: مُسْمِع …
ومعنى الإحكام لخلق الأشياء، إنما ينصرف إلى: إتقان التدبير فيها، وحسن التقدير لها. إذ ليس كل الخليقة موصوفا بوثاقة البنية، وشدة الأسر، كالبقة، والنملة، وما أشبههما من ضعاف الخلق؛ إلا أن التدبير فيهما، والدلالة بهما على كون الصانع، وإثباته، ليس بدون الدلالة عليه بخلق السموات والأرض والجبال وسائر معاظم الخليقة .
وكذلك هذا في قوله جل وعز: (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ): لم تقع الإشارة به إلى الحسن الرائق في المنظر؛ فإن هذا المعنى معدوم في القرد، والخنزير، والدب، وأشكالها من الحيوان؛ وإنما ينصرف المعنى فيه إلى: حسن التدبير في إنشاء كل شيء مِن خلقه، على ما أحب أن يُنشئه عليه وإبرازه على الهيئة التي أراد أن يهيئه عليها. كقوله تعالى: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا)”. انتهى . “شأن الدعاء” (ص 73-74) .
والمعنى الثالث: أن (الحكيم) هو: (ذو الحكمة) .
قال ابن الأثير:” وقيل: الحكيم: ذو الحكمة. والحكمة عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم” انتهى من “النهاية في غريب الحديث” 1/419.
والله سبحانه وتعالى لا يتصرف في هذا الكون ولا يأمر ولا ينهى إلا لحكم عظيمة، ولا يصدر منه شيء خال من الحكمة؛ لأن الفعل والتصرف الخالي من الحكمة هو فعل وتصرف باطل وعبث، والله تعالى منزه عن ذلك .
قال الله تعالى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ) ص27 .
وقال تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ) المؤمنون115 .
فالحاصل؛ أن اسم الله “الحكيم” يشتمل على عدة معان متلازمة، لا تناقض بينها، فيجوز تفسيره بجميع المعاني السابقة؛ لأن الاسم الواحد الذي تشترك فيه عدة معان، يجوز تفسيره وحمله على جميع معانيه مالم يمنع من ذلك مانع .ينظر: “أضواء البيان” للشنقيطي 2/19.
قال الشيخ السعدي رحمه الله:(الحكيم): وهو الذي له الحكمة العليا في خلقه وأمره، الذي أحسن كل شيء خلقه (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ). فلا يخلق شيئا عبثا، ولا يشرع شيئا سدى، الذي له الحكم في الأولى والآخرة، وله الأحكام الثلاثة لا يشاركه فيها مشارك، فيحكم بين عباده، في شرعه، وفي قدره وجزائه .والحكمة: وضع الأشياء مواضعها، وتنزيلها منازلها” انتهى . (تفسير السعدي، ص 945) .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *