– قوله تعالى: {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ} (الآية: 60).
ما هي الشجرة الملعونة في القرآن؟ وما معنى اللعن هنا؟ وهل اللعن على الشجرة بعينها أم على من أكل منها؟ كلها أسئلة تفهم على غير وجهها.
إن كلمة «الشجرة» من الجذر اللغوي «شجر» الذي يدل على تداخل وتشابك الأشياء ببعضها، ومنه المشاجرة.
وسميت «الشجرة» بهذا الاسم لأن أغصانها متداخلة متشابكة متشاجرة فيما بينها، وعلى هذا تطلق الشجرة على نسب العائلة لتداخل العلاقات فيما بينهم.
أما «الملعونة» فهي وصف من اللعن والطرد والنبذ.
قال ابن كثير: «وأما {الشجرة الملعونة} فهي شجرة الزقوم، كما أخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى الجنة والنار، ورأى شجرة الزقوم، فكذبوا بذلك حتى قال أبو جهل لعنه الله: هاتوا لنا تمرا وزبدا، وجعل يأكل هذا بهذا ويقول: تزقموا، فلا نعلم الزقوم غير هذا.
حكى ذلك ابن عباس، ومسروق، وأبو مالك، والحسن البصري، وغير واحد».
قال السعدي: «{الشجرة الملعونة} التي ذكرت في القرآن هي شجرة الزقوم التي تنبت في أصل الجحيم».
فأكثر المفسرين على أنها شجرة الزقوم المذكورة في سورة الصافات في قوله تعالى: {أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ، إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ، إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ، طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّياطِينِ} (الصافات: 62-65)؛ وقوله: {إن شجرة الزقوم طعام الأثيم}؛ وقوله: {إنكم أيها الضالون المكذبون لآكلون من شجر من زقوم}.
قال القرطبي قوله تعالى: «{والشجرة الملعونة في القرآن} ولم يجز في القرآن لعن هذه الشجرة، ولكن الله لعن الكفار وهم آكلوها، والمعنى: والشجرة الملعون في القرآن آكلوها».
قال العلامة محمد بن الأمين الشنقيطي: «وإنما وصف الشجرة باللعن لأنها في أصل النار، وأصل النار بعيد من رحمة الله، واللعن: الإبعاد عن رحمة الله، أو لخبث صفاتها التي وصفت بها في القرآن، أو للعن الذين يطعمونها، والعلم عند الله تعالى».
– قوله تعالى: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً} (الآية: 64).
كلمات {صوتك} و{خيلك} و{رجلك} وجملة {وشاركهم} تفهم على غير وجهها.
قال الماوردي: «{بصوتك} فيه ثلاثة تأويلات، أحدها: أنه صوت الغناء واللهو، قاله مجاهد؛ والثاني: أنه صوت المزمار، قاله الضحاك؛ والثالث: بدعائك إلى معصية الله تعالى وطاعتك، قاله ابن عباس».
{وأجلب عليهم بخيلك ورجَلِكِ} والجلب هو السوْق بجلبه من السائق، وفي المثل: إذا لم تغلب فأجلب.
وقوله: {بخيلك ورجلك} أي بكل راكب وماشٍ في معاصي الله تعالى.
{وشاركهم في الأموال والأولاد} أما مشاركتهم في الأموال ففيها أربعة أوجه، أحدها: أنها الأموال التي أصابوها من غير حلها، قاله مجاهد؛ والثاني: أنها الأموال التي أنفقوها في معاصي الله تعالى، قاله الحسن؛ والثالث: ما كانوا يحرّمونه من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام، قاله ابن عباس؛ والرابع: ما كانوا يذبحون لآلهتهم، قاله الضحاك.
وأما مشاركتهم في الأولاد ففيها أربعة أوجه، أحدها: أنهم أولاد الزنى، قاله مجاهد؛ والثاني: أنه قتل الموؤودة من أولادهم، قاله ابن عباس؛ والثالث: أنه صبغة أولادهم في الكفر حتى هوّدوهم ونصّروهم، قاله قتادة؛ والرابع: أنه تسمية أولادهم عبيد آلهتهم كعبد شمس وعبد العزَّى وعبد اللات، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
– قوله تعالى: {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً} (الآية: 71).
يعتقد البعض أن كلمة {بإمامهم} تعني الإمام الذي يؤمهم في الصلاة.
قال ابن كثير: «يخبر تبارك وتعالى عن يوم القيامة: أنه يحاسب كل أمة بإمامهم.
وقد اختلفوا في ذلك، فقال مجاهد وقتادة: أي بنبيهم؛ وهذا كقوله: {ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون} (يونس: 47).
وقال بعض السلف: هذا أكبر شرف لأصحاب الحديث، لأن إمامهم النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن زيد: بكتابهم الذي أنزل على نبيهم، من التشريع.
واختاره ابن جرير، وروي عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد أنه قال: بكتبهم؛ فيحتمل أن يكون أراد هذا، وأن يكون أراد ما رواه العوفي عن ابن عباس في قوله: {يوم ندعو كل أناس بإمامهم} أي: بكتاب أعمالهم، وكذا قال أبو العالية، والحسن، والضحاك؛ وهذا القول هو الأرجح، لقوله تعالى: {وكل شيء أحصيناه في إمام مبين} (يس: 12).
وقال تعالى: {ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا} (الكهف: 49).
وقال تعالى: {وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون} (الجاثية: 28-29)».