الجمعية المغربية لحقوق الإنسان؛ عمالة مكشوفة ودعوة صريحة إلى الانقلاب على ثوابت البلاد؟ (بين جمعيتي الرياضي والمغراوي) حماد القباج

لما نقل رئيس “جمعية الدعوة إلى القرآن والسنة” الدكتور محمد المغراوي، تفسير العلماء لآية زواج الصغيرة، قامت قيامة العلمانيين وجعلوا منها فتوى تهدد الأسرة، وتَحرَّك لضجيجهم المجلس العلمي الأعلى فأصدر بيانا ناريا يغلب عليه الارتجال وتظهر فيه آثار الاستعجال، مما ساعد وزير الداخلية السابق على إصدار قرار إغلاق مقر الجمعية وتجميد جميع أنشطته، بالإضافة إلى أنشطة أكثر من 60 مقرا لجمعيات أخرى وصفت بأنها تابعة لجمعية الدكتور المغراوي.

قيل في أول الأمر بأن هذا القرار يأتي لحماية الطفولة والأسرة المغربية، وعقوبة لمن تجرأ على مخالفة بند من قانون مدونة الأسرة.
ثم بين وزير الداخلية في البرلمان بأن هذا القرار جاء للحفاظ على الأمن الروحي للمغاربة وحماية للثوابت الدينية للمغرب.
ولما وصل الملف إلى محكمة الاستئناف زكت قرار الإغلاق بمسوغات من قبيل صيانة الوحدة المذهبية والعقدية للمغاربة!!
وفي الأسبوع ما قبل الأخير عقدت “الجمعية المغربية لحقوق الإنسان” مؤتمرها التاسع بمركب مولاي رشيد ببوزنيقة، وقد تميز بالمجاهرة بمطالب تمس ثوابت الأمة المغربية المتفق عليها.
أول ذلك المطالبة بدستور ينص على أن الدولة علمانية بدل كونها إسلامية، والمطالبة بإعطاء الانفصاليين الصحراويين حق اتخاذ المصير!!!
وهو ما طالبت به الأغلبية المسيطرة على الجمعية، التي يتزعمها “حزب النهج الديمقراطي القاعدي”.
بينما فضل آخرون –وهم قلة- مراعاة نفسية المغاربة والاستمرار في التدرج نحو تحقيق مطلب العلمنة، مؤكدين بأن مطالبة الجمعية بدستور ديمقراطي، هو في حد ذاته مطالبة ضمنية بالعلمانية.
ولم تلتفت الكثرة إلى هذا الرأي؛ بل تبنت مطلب العلمانية في البيان الختامي للمؤتمر، وأكدت الرياضي في مؤتمر صحفي الخميس الماضي بأن هذا المطلب قديم في الجمعية، وأن الجديد أنهم سموه باسمه، كما أكدت مطالبة الجمعية بالمساواة في الإرث، وحق المسلمة في أن تتزوج بغير المسلم ..
كما أن المؤتمر أكد المطالبة بإلغاء القانون المجرم للشذوذ الجنسي، وأقرت الرياضي بأن الجمعية أضحت محضنا للشواذ، مؤكدة أنها مسألة شخصية للأعضاء.
وهنا تظهر الحاجة الملحة إلى التساؤل التالي:
كيف اتُخذت تلك الإجراءات التعسفية في حق “جمعية الدعوة إلى القرآن والسنة” باسم الغيرة على الثوابت والأخلاق العامة مع أنها لم تهددها في يوم من الأيام؟ وفي المقابل نلاحظ غياب أي تدخل من الدولة ضد “الجمعية المغربية لحقوق الإنسان” التي رُفعت في مؤتمرها شعارات تعلن الثورة على الثوابت الدينية والوطنية؟؟
كيف يعقل أن يغلق مقر جمعية الدعوة إلى القرآن والسنة، ويزكى القرار بحكم قضائي يقوم على أساس أن الجمعية لا تلتزم بتقليد المذهب المالكي والمعتقد الأشعري، ولا بما جرى عليه عمل المغاربة من طقوس وعادات مثل: رفع الصوت في تشييع الجنائز وقراءة سورة يس في المقابر جماعة.. ، ولا تلتزم أيضا بالسلوك الصوفي!!
بينما تطالب الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بتغيير الدستور، وأن ينص فيه على علمانية الدولة بدل إسلاميتها؟!!
وتجهر فيه بمعاداة الوحدة الترابية للمملكة، والقيم الأخلاقية التي يتمسك بها الشعب المغربي في الجملة؟!
وكيف تُنسب للدكتور المغراوي تهمة مخالفة القانون (مدونة الأسرة) بسبب نقله تفسير آية، بينما تطالب الرياضي بما هو أظهر في مخالفة المدونة –بل مخالفة نصوص قرآنية قطعية- (المساواة في الإرث)، و(حق المسلمة أن تتزوج بغير المسلم)؟؟؟
إن الجواب على هذا السؤال لا يحتاج إلى ذكاء باهر، لما هو معلوم من الدعم الخارجي الذي تتمتع به جمعية الرياضي ماليا وسياسيا لتطبيق المفهوم الغربي للحريات وحقوق الإنسان، بخلاف جمعية المغراوي.
وقد صرح عدد من المؤتمرين الرافضين لتوجه الجمعية في الجهر بالمطالب الحساسة؛ بأن إصرار الجمعية على المطالبة بالتطبيع مع الشذوذ الجنسي ونحوه من المطالب المتطرفة؛ “يأتي استجابة لضغوط الممولين الأجانب” .
كما شهد الأعضاء المنسحبون من مؤتمر الجمعية؛ بأن هذه الأخيرة إنما تمثل آلية لتمرير خطابات ومواقف حزب النهج .
وهذا كله يكشف بأن الجمعية تشكل -في العمق- عميلا لمبادئ الغرب العلمانية والإباحية، (المغلفة بشعار الكونية والديمقراطية وحقوق الإنسان)، وأنها تناضل بالأساس عن هذه المبادئ ضد الثوابت الوطنية المجمع عليها؛ وعلى رأسها: الإسلام والوحدة الترابية للمملكة.
ومما يبرز التحيز اليساري الإلحادي وكذب شعارات الحرية والديمقراطية والمساواة التي تدعيها الجمعية؛ أنها لم تدافع -مثلا- عن حق المغربيات المحجبات اللواتي تعرضن للتمييز بسب حجابهن في بعض الإدارات والشركات الوطنية، كما أنها لم تنبس ببنت شفة في الدعوة إلى إنصاف الآلاف من رواد دور القرآن الذين أغلقت مقراتهم ظلما وانتهاكا للقانون، (وقد بلغ عدد المطالبين بإلغاء قرار الإغلاق في موقع نصرة: (91492) مطالبا).
بينما استماتت الجمعية في الدفاع عما أسمته حقوق المثليين (اللوطية والسحاقيات)، كما دعمت “وكّالين رمضان”، وكل من يجهر بمحاربة دين الدولة وقيمها الأخلاقية.
وقد صرح نائب رئيسة الجمعية بأن دفاع هذه الأخيرة عن الشذوذ ينسجم مع مبدأ الجمعية الأول؛ ألا وهو تبني المرجعية الكونية إطارا ومنطلقا ل(نضالها الحقوقي).
ونتساءل هنا: ماذا جنينا من تقديس هذه المرجعية في إنصافنا وتحررنا وتقدمنا؟ لماذا نزداد تمسكا بها –إلى حد المس بثوابتنا- في الوقت الذي يزداد واضعوها تمييزا ضدنا وعدوانا علينا؟
لماذا لم تنفعنا المرجعية الكونية في مجازر الشيشان والبوسنة وفلسطين؟ وأين موقفها القانوني في العراق والصومال؟
أين عدالتها في جريمة الاستعمار التي لا تزال امتداداتها قائمة إلى الآن؛ نهبا للخيرات وفرضا للقناعات وتلاعبا بالسياسات وإملاء للتوجهات،
وأين عدالتها في مأساة غزة المهولة؟
وأين دعوتها للمساواة واحترام الأديان فيما يجري على آلاف المسلمين اليوم من تمييز عنصري مقيت؟
.. تدعو الجمعية المغربية لحقوق الإنسان إلى نبذ إسلامية الدولة في الوقت الذي ينتفض فيه الغرب غيرة على مسيحيته الشكلية وعلمانيته الجوهرية؛
ألم يسوغ متطرفو سويسرا المطالبة بحظر المآذن بأنه تخوف على الطابع المسيحي لدول القارة الأوروبية؟ ألم يصرحوا بأن الغرب يخاف على علمانيته من الشريعة الإسلامية؟ وقد زكى البابا الحالي هذا التوجس، بأنه يخاف هو بدوره من أن تصير أوروبا من بلاد الإسلام!
كل هذا نتجاوزه طمعا في حرية غير مسؤولة، وديمقراطية مزعومة!!
وثالثة الأثافي؛ أن هذه الجمعية استنكرت ما تصفه بعنف الدولة مع الانفصاليين، وفي المقابل لم تستنكر الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان التي تتم في معتقلات تندوف!
وقد صرحت القلة من المنتمين إلى الجمعية؛ بانتقاد المهيمنين على تسييرها؛ بأنهم يُدينون “الانتهاكات التي تتحدث عنها الجمعيات الانفصالية، في الوقت الذي يرفضون الأخذ بعين الاعتبار تقارير الجمعيات التي ترصد الانتهاكات التي يقوم بها الطرف الآخر في مخيمات تندوف”.
إن من المستغرب جدا ما نلاحظه من التباين الصارخ بين موقف الدولة والأحزاب والجمعيات الوطنية من حماقات أمنتو حيدر، ثم موقفهم مما جرى في المؤتمر التاسع للجمعية الذي شهد إنزالا معلنا لانفصاليي الداخل والمتعاطفين معهم الذين أعلنوا بعدم انتمائهم إلى الوطن، وطالبوا صراحة بحق تقرير المصير؟!!
أيهما أولى بالمؤاخذة والمنابذة؛ أمينتو حيدر التي عبرت عن انفصاليتها في سفر عابر، أم جمعية تأسست عام 1976 لها نحو 80 فرعا في مدن المملكة، تقيم مؤتمرا تدعو له وسائل الإعلام المختلفة، وتجهر فيه بمطالبها الشاذة، ويرفع فيه شعار (لا بديل عن تقرير المصير)؟!
(بالمناسبة جمعية الدعوة إلى القرآن والسنة تأسست أيضا عام 1976)
لقد أضحى التدخل السافر للغرب في سياسة بلادنا ودعمه لأعداء ثوابتنا أوضح من الشمس في رابعة النهار، وتواترت الأحداث والقضايا التي يلوى فيها ذراعنا بيد التمويل والدعم الاقتصادي وغيره.
ومن آخر ذلك مطالبة النائب الأمريكي (فرانك وولف) وزيرة الخارجية الأمريكية بتوقيف المساعدات الأمريكية المقدمة للمغرب، بسبب ما أقدم عليه من طرد عدد من المنصرين.
إن هذه الوقائع تستدعي من الدولة والمسؤولين مزيدا من التعقل، وتمييز الصالح من الطالح ونهج سياسة تنبني على أساس متين من لحمة وطنية تشكل دعما قويا لها في مواجهة الضغوط الخارجية، وأن تضع حدا للتدخل الغربي السافر الذي أضحى يهدد عناصر الاستقرار في بلدنا، أو على الأقل أن تحسن مناوراتها السياسية بحيث تجعل تلك العناصر بمنأى عن تلاعبات السفهاء وخيانات العملاء ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *