الإصلاح بين دعاته وأدعيائه ذ. محمد أبوالفتح

لفظة “الإصلاح” كلمة محبوبة عند الخاص والعام، كل فئة تدعي الانتماء إليها بنسب، وكل أمة تزعم الإدلاء إليها بسبب. فما هو الإصلاح؟ ومن هم أهله؟

1. تعريف الإصلاح لغة وشرعا
• لغة: الإصلاح: أصله من مادة “صَلَحَ”، بفتح اللام، وحكي ضمها .
– قال ابن فارس: “الصاد واللام والحاء أصلٌ واحدٌ، يدلُّ على خِلاف الفَساد”.
– وقال الجوهري: “الصَّلاحُ: ضدّ الفساد.. والإصلاح: نقيض الإفْساد”.
فالهمزة في كلمة “الإصلاح” للتعدية، أي تعدية الصلاح، ونقله إلى الآخرين.
• شرعا: الإصلاح: “إقامة شرع الله تعالى، وتطبيق مراده في الأرض”.
ويدل على هذا المعنى قوله تعالى: “وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ” (البقرة30)، فدلت هذه الآية على أن الغاية من الاستخلاف في الأرض هي الإصلاح لا الإفساد، ولهذا تعجب الملائكة وتساءلوا عن الحكمة من استخلاف مخلوق قد علم الله تعالى منه أنه يعمل في الأرض بخلاف مراده وشرعه، فأجابهم الله تعالى بقوله: “إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ”.
إذا كان هذا هو معنى الإصلاح فمن هم دعاته حقيقة وصدقا؟

2. دعاة الإصلاح
لا شك ولا ريب أن دعاة الإصلاح بالمعنى الشرعي الصحيح للإصلاح هم الرسل والأنبياء، ومن سار على نهجهم من صحابتهم، ومن اقتفى أثرهم من العلماء.
فالرسل والأنبياء أول من قام بمهمة الإصلاح على وجهها، وأول من نهى عن الفساد والإفساد في الأرض؛ ولهذا قال صالح عليه الصلاة والسلام لقومه: “وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ” (الأعراف:74)، وقال شعيب عليه الصلاة والسلام لقومه: “وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ” (الأعراف:85)، وقال لهم: “وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ” (هود88)، وقال موسى عليه الصلاة والسلام لأخيه هارون حين استخلفه على قومه: “وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ” (الأعراف142).
ويُلحق بقائمة المصلحين من الرسل والأنبياء كل من سار على دربهم ممن جاء بعدهم من العلماء العاملين، الذين هم ورثة الأنبياء، ورثوا عنهم العلم النافع الذي يدعو أهله إلى العمل الصالح، كما ورثوا عنهم مهمة الإصلاح، التي هي من مقتضيات العمل الصالح، وعلى رأس هؤلاء المصلحين، صحابة الأنبياء، ثم من سار على دربهم واقتفى أثرهم من العلماء العاملين إلى يوم الدين.

3. أدعياء الإصلاح:
إذا كان للإصلاح أهله ودعاته، فإن له أيضا مدعين وأدعياء، ليسوا منه في العير ولا في النفير، ولا هو منهم في قليل ولا كثير، لكنهم مع ذلك ينتسبون إليه بالبنوة زورا، وما علموا أن «مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، وَهُوَ يَعْلَمُ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ» .
والإصلاح عند هؤلاء الأدعياء له معان أخرى لا علاقة لها بما تقدم، فإذا كان الإصلاح بمعناه الشرعي الصحيح يعني تطبيق مراد الله تعالى في الأرض، فإن من معاني الإصلاح عند الأدعياء: “موافقة أهواء الأنفس، ومراد الطواغيت، والكفار”.
• فمن الأول: (موافق أهواء الأنفس): ما دل عليه قوله تعالى: “أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً” (الفرقان43)، فإن من الناس من لا يرى الإصلاح إلا فيما يوافق هوى نفسه، فينصبها معبودا له، ويجعل هواها هو الميزان الذي يتحاكم إليه في تمييز القبيح من الحسن، فما وافق هوى نفسه هو الصلاح والإصلاح، وما خالف هوى نفسه هو الفساد والإفساد.
• ومن الثاني (موافق مراد الطواغيت): ما دل عليه قوله تعالى: “وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ” (الأعراف127). فمفهوم الإصلاح عند قوم فرعون هو موافقة مراد فرعون، ولذلك اعتبروا ما يدعو إليه نبي الله موسى عليه الصلاة السلام إفسادا، لمَاَّ رأوا في دعوته من المخالفة لدعوة فرعون ودينه، ومعلوم أن الطاغوت هو كل من نَصَّب نفسه معبودا من دون الله، ومعلوم أن فرعون قال لقومه: “أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى”، وقال لموسى: “لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ” (الشعراء29)، فاستحق بذلك وصف “الطاغوت”.
• ومن الثالث (موافقة مراد الكفار): ما حكاه الله تعالى عن المنافقين في قوله تعالى: “وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ”، (البقرة14)، فتظاهروا بموافقة أهل الإيمان، وهم في واقع أمرهم يوافقون الكفار، ويرون أن موافقة الكفار على مرادهم هو عين الإصلاح؛ ولهذا “َإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ” ( البقرة11).
• استنتاج
بناء على ما تقدم بيانه من معنى الإصلاح، يتضح جليا أن مفهوم الإصلاح الذي تروج له وسائل الإعلام العلمانية، يراد به الإصلاح بالمفهوم والمنظور الغربي، وبعبارة أخرى: “موافقة مراد الغرب”، وليس “موافقة مراد الرب”.
فتبرج المرأة عندهم إصلاح، والاختلاط بين الجنسين في المدارس ومقرات العمل، إصلاح، والسماح للشواذ بممارسة شذوذهم إصلاح… وفي المقابل تطبيق شرع الله تعالى عندهم فساد ووحشية، وتحجب المرأة المسلمة فساد ورجعية، ومنع الخمور والزنا فساد وقمع للحرية… وأي حرية، إنها الحرية الغربية، كما يراها الغرب.
فأدعياء الإصلاح من المفسدين استعاروا أعين غيرهم، فهم ينظرون بغير أعينهم الأصلية، واستعاروا عقول غيرهم فهم يفكرون بغير عقولهم الفطرية، معطلين حواسهم وعقولهم، غافلين أو متغافلين عن كونهم ينتمون في الأصل إلى أمة ذات حضارة تليدة، ومرجعية أصيلة.
كما أن كثيرا من دعوات الإصلاح التي رُفعت فيما يسمى بالربيع العربي، غالبها إنما يعني بالإصلاح، الإصلاح بالمفهوم الغربي، ومن الأمثلة الواضحة على ذلك ما كانت تدعو إليه حركة 20 فبراير، من الحرية غير المنضبطة بالشرع، جعلتهم يؤيدون الإفطار العلني في رمضان، وغير ذلك من الطوام.
فما أكثر أدعياءَ الإصلاح، وما أقل دعاتَه، فحسبنا أن نقول كما أمر الله نبينا أن يقول: “هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ” (الملك29).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *