الجالية المغربية بالخارج.. سؤال الهوية والمردودية محمد زاوي

  • توطئة

تحتل الجالية المغربية بالخارج مكانة مهمة في سياسة الدولة المغربية، وهو ما تم استيعابه مؤسساتيا ودستوريا، كما تم التنبيه عليه في الخطاب الملكي.

وبالتزامن مع تسارع وتيرة الأحداث في الغرب، وخاصة في أوروبا، وفي علاقة عدد من دولها بالمغرب، أصبح للجالية المغربة دور مهم لا بد من تفعيله وتأطيره من أجل الاستفادة منه.

الخبرات التي راكمتها الجالية المغربية لها دور أيضا، تتطلب استقطابها لتقديم المشورة والاستثمار، وما يقتضيه ذلك من تبسيط للمساطر الإدارية وإنصات للمقترحات وخلق أجواء مشجعة على العمل والإبداع.

هناك موضوع آخر، يجب التركيز عليه هو تأطير الجالية على الهوية الثقافية والدينية والسياسية للمغاربة، على أساس الوعي لا على أساس العاطفة والفولكلور فحسب.

تجعلنا هذه المستجدات، وهذه المطالب، نتساءل عن دور مجلس الجالية المغربية بالخارج، ومدى قدرته على تحمل المسؤولية في سياق جد حساس، لا على المستوى الداخلي، بل على المستوى الدولي أيضا.

في المحاور أسفله، نبسط بعض ملامح هذه الإشكالية لعلنا نضيء بعض محاورها لقراء “السبيل”

2- الجالية المغربية بالخارج… مكانتها وأدوارها

أفادت بعض الإحصائيات أن عدد أفراد الجالية المغربية بالخارج بلغ 4.5 ملايين نسمة، وبذلك تكون هذه الجالية أول جالية من حيث العدد في شمال إفريقيا والشرق والأوسط، حسب ما ذكره الدكتور موسى المالكي (باحث في القضايا الجيواستراتيجية) في مقال له بعنوان “الجالية المغربية المقيمة بالخارج… قوة ناعمة وامتداد استراتيجي للمملكة”.

هذا، وتناط بالجالية عدة أدوار نذكر منها:

– التحويلات المالية: وهي التحويلات التي أظهرت صمودا زمن الأزمات، باعتبارها تمثل استرجاعا لجزء من فائض القيمة المغربي الذي تم تصديره عن طريق يد عاملة، أو عن طريق استثمار أجنبي في المغرب.

– المساهمة في المبادرات الاجتماعية: إذ ينخرط عدد مهم من أفراد الجالية المغربية في المبادرات الاجتماعية والجمعيات ذات التخصص الاجتماعي والتضامني، كما يساهمون في تمويل هذه المبادرات ومدها بخبرة العمل الاجتماعي (الأوروبي خاصة).

– تحويل الخبرة: وهي أهم من التحويلات المالية، من خلال استقطاب الكفاءات المغربية المقيمة والعاملة بالخارج، للاستفادة من خبراتها التقنية والعلمية والاقتصادية والإدارية، في مختلف مشاريع المملكة، وكذا من أجل استشارتها في مختلف القضايا التي تدخل في إطار اختصاصاتها.

– قوة ضغط وديبلوماسية: ويتجلى ذلك من خلال مساندتها لبلدها الأصل، المغرب، في مختلف القضايا المصيرية، خاصة قضايا الوحدة الترابية؛ وذلك عبر تنظيم وقفات ولقاءات للتعريف بالقضية الوطنية.

ومن أهم أدوار الجالية، والتي لا يتم التركيز عليها ولا تذكر إلا نادرا، نذكر:

– تمثيل الإسلام وحضارة الشرق، داخل الحضارة الغربية، وبتشبث الجالية بقيم الإسلام وشعائره وأخلاقه تقف على النقيض من مادية الحضارة الغربية ونموذجها في العيش والتفكير. إسلامها يخيف الغرب أكثر من أي شيء آخر، مهما كان هذا الإسلام منزويا ومعتدلا، فالغرب يرى فيه تهديدا سياسيا وثقافيا وديموغرافيا قد يقلب المعادلة السياسية في أوروبا إذا ما تم إغفاله.

– الارتباط السياسي والثقافي بالمغرب، وهو يخيف أوروبا ويشغل بالها أيضا، بحكم الوفاء الذي يربط أبناء الجالية ببلدهم الأصل، خاصة إذا تحملوا مسؤوليات كبيرة ومهمة في بلاد المهجر؛ فهم بذلك يصبحون مصدر معلومة ويشكلون وسيلة ضغط واقعية وفعلية إذا ما اتسع انتشارهم في المؤسسات أو ترأسوا بعضها.

 

3- مهمة مجلس الجالية

تأسس مجلس الجالية المغربية بالخارج، بظهير شريف عام 2007، وتمت دسترته عام 2011؛ وهو ما يؤكد أهمية هذه الفئة بالنسبة للمغرب.

وتتمثل مهمة هذا المجلس، حسب ما جاء في موقعه الرسمي، في “ضمان المتابعة والتقييم للسياسات العمومية للمملكة تجاه مواطنيها المهاجرين وتحسينها بهدف ضمان حقوقهم وتكثيف مشاركتهم في التنمية السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية للبلاد”.

وهو أيضا، “مكلف بالاضطلاع بوظائف الإحاطة بإشكاليات الهجرة واستشرافها والمساهمة في تنمية العلاقات بين المغرب وحكومات ومجتمعات بلدان إقامة المهاجرين المغاربة”.

وجاء في موقع المجلس أنه “يدلي برأيه حول:

-المشاريع الأولية للنصوص التشريعية أو التنظيمية التي يتعلق موضوعها بشؤون الهجرة والقضايا التي تهم المغاربة المقيمين بالخارج؛

-التوجهات الرئيسة للسياسات العمومية الكفيلة بضمان حفاظ المغاربة المقيمين بالخارج على روابط متينة مع هويتهم المغربية وخاصة في ما يتعلق بتعليم اللغات والتربية الدينية والنشاط الثقافي؛

-الإجراءات الرامية إلى ضمان الحقوق والحفاظ على مصالح المغاربة المقيمين بالخارج، خاصة من يوجد منهم في وضعية صعبة أو هشة؛

-الوسائل الهادفة إلى حث المواطنين المغاربة المقيمين بالخارج على المشاركة في المؤسسات ومختلف قطاعات الحياة على المستوى الوطني وتدعيم الأنشطة المنجزة لصالحهم؛

-وسائل تكثيف مشاركة المغاربة المقيمين بالخارج في تنمية قدرات بلدهم الأصل وفي مجهود التنمية البشرية المستدامة وتحديث المجتمع؛

-تنمية الاستراتيجيات الحديثة للتواصل والتفاعل والتعاون مع بلدان الاستقبال على المستوى الثقافي والإنساني والاقتصادي”.

 

4- الملك محمد السادس يشيد بجهود أفراد الجالية

ونظرا للأهمية التي تحظى بها الجالية المغربية المقيمة بالخارج، فقد أشاد الملك محمد السادس، ضمن خطابه للأمة بمناسبة الذكرى التاسعة والستين لثورة الملك والشعب، بتاريخ 20 غشت 2022، بالجهود التي يبذلها أفراد الجالية للدفاع عن الوحدة الترابية.

وقال الملك محمد السادس في ذات الصدد: “لا يفوتني هنا أن أوجه تحية إشادة وتقدير لأفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج، الذين يبذلون كل الجهود للدفاع عن الوحدة الترابية، من مختلف المنابر والمواقع التي يتواجدون بها. والمغرب، والحمد لله، يملك جالية تقدر بحوالي 5 ملايين، إضافة إلى مئات الآلاف من اليهود المغاربة بالخارج، في كل أنحاء العالم”.

وأضاف أن “مغاربة العالم يشكلون حالة خاصة في هذا المجال، نظرا لارتباطهم القوي بالوطن وتعلقهم بمقدساته، وحرصهم على خدمة مصالحه العليا، رغم المشاكل والصعوبات التي تواجههم. ذلك أن قوة الروابط الإنسانية والاعتزاز بالانتماء للمغرب لا يقتصر فقط على الجيل الأول من المهاجرين؛ وإنما يتوارثه جيل عن جيل، ليصل إلى الجيلين الثالث والرابع”.

وأردف الملك متسائلا: “ماذا وفرنا لهم لتوطيد هذا الارتباط بالوطن؟ وهل الإطار التشريعي والسياسات العمومية تأخذ بعين الاعتبار خصوصياتهم؟ وهل المساطر الإدارية تتناسب مع ظروفهم؟ وهل وفرنا لهم التأطير الديني والتربوي اللازم؟ وهل خصصنا لهم المواكبة اللازمة، والظروف المناسبة، لنجاح مشاريعهم الاستثمارية؟”.

ثم قال إن “الدولة تقوم بمجهودات كبيرة لضمان حسن استقبال مغاربة العالم. ولكن ذلك لا يكفي. لأن العديد منهم، مع الأسف، ما زالوا يواجهون العديد من العراقيل والصعوبات، لقضاء أغراضهم الإدارية، أو إطلاق مشاريعهم. وهو ما يتعين معالجته”.

وبهذا يكون جلالة الملك قد أكد على أهمية الجالية المغربية في سياسة الدولة المغربية، مع ذكر بعض العراقيل التي يجب معالجتها والتي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار من قبل كافة الفاعلين وعلى رأسهم مجلس الجالية.

5- تفاعل مجلس الجالية مع الخطاب الملكي

وتفاعل مجلس الجالية، مع خطاب 20 غشت، ببلاغ أكد فيه أن ما جاء في الخطاب “يعكس الاهتمام الذي يوليه صاحب الجلالة لأفراد الجالية المغربية بالخارج، ويبرز، مرة أخرى، حرص جلالته على مصالحهم وحقوقهم وتفاعله المتواصل مع مطالبهم وهمومهم، والسهر على إشراكهم في تنمية وطنهم المغرب”.

وأضاف المجلس، في بلاغه، أن “الإشادة الملكية بأفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج هي التفاتة مولوية كريمة، وعرفان وطني، وإنصاف لأفراد الجالية المغربية بالخارج، لارتباطهم بوطنهم الأم وتمسكهم بمقدساته ودعمهم المستمر لمصالحه العليا، ووقوفهم الدائم إلى جانبه في وقت الرخاء والشدة، وهو ما برهنت عليه الجالية المغربية بالخارج خلال أزمة جائحة كوفيد-19، سواء من خلال تحويلاتها المالية أو دعمها لأسرها أو مساهمتها في صندوق تدبير الجائحة وفي المبادرات الجمعوية”.

كما ثمن بلاغ مجلس الجالية المغربية بالخارج عاليا “تأكيد صاحب الجلالة على ضرورة إقامة علاقة هيكلية دائمة، مع الكفاءات المغربية بالخارج، بما في ذلك المغاربة اليهود، ودعوة جلالته لإحداث آلية خاصة مهمتها مواكبة الكفاءات والمواهب المغربية بالخارج، ودعم مبادراتها ومشاريعها”، منوها “بالتوجيهات الملكية السامية المتعلقة بتحديث وتأهيل الإطار المؤسسي الخاص بأبناء الجالية المغربية بالخارج، وإعادة النظر في نموذج الحكامة، الخاص بالمؤسسات الموجودة، قصد الرفع من نجاعتها وتكاملها”.

وجدد المجلس، من خلال بلاغه، دعوته إلى “كافة الفاعلين المؤسساتيين من أجل التفاعل الإيجابي في ما يتعلق بالإطار التشريعي وإعداد سياسات عمومية شاملة ومندمجة موجهة إلى الجالية المغربية بالخارج، تتماشى مع خصوصيات هذه الفئة من المواطنين المغاربة وتستجيب لتطلعاتها وانتظاراتها، سواء المتعلقة بتحسين الخدمات الإدارية الموجهة إليها، أو تقديم تحفيزات إضافية لها في ما يخص الاستثمار، أو تقوية تأطيرها الديني والثقافي والتربوي، أو خلق الظروف الموضوعية لإشراك كفاءاتها في مختلف الأوراش التنموية التي تعرفها المملكة”.

 

6- الواقع والمأمول

ورغم هذا البلاغ “الاستباقي” من قبل مجلس الجالية، إلا أن بعض المتابعين وجهوا نقدا لهذا المجلس انطلاقا من الخطاب الملكي، متسائلين عن الأدوار التي يقوم بها لتأطير الجالية ثقافيا وهوياتيا، وكذا لاستقطاب الخبرات والاستثمارات.

ومما يجب على مجلس الجالية الاهتمام به والتركيز عليه، نذكر:

– التأطير الديني للجالية؛ فوجب أن تكون للمجلس بخصوص ذلك تقارير عن تدين الجالية، على أساسها ينسق مع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لتأطير الجالية دينيا، حتى لا يبقى شبابها عرضة للتطرف الديني وفكر الإرهاب، وحتى لا تبقى ناشئتها عرضة للإلحاد والتطرف العلماني.

– التأطير السياسي؛ وما يقتضيه ذلك من توعية سديدة بعناصر الهوية الوطنية وتعليق بالقضايا الوطنية، وعلى رأسها قضية الوحدة الترابية. ويجب الحرص على أن يكون هذا التأطير واعيا بشرف عليها الخبراء وأساتذة الجامعات، لا فولكلوريا يفتقر إلى التوعية والطرح العلمي والترافعي كما يقع في حالات كثيرة.

– التأطير الثقافي؛ ولا يعني ذلك إيفاد الوفود من المغنين والفرق الفولكلورية فقط، فالثقافة علم وزراعة واقتصاد ودين ونمط عيش وتاريخ وفن إلخ. وعلى هذا الأساس يجب تأطير الجالية على الثقافة المغربية في بعديها العالِم والشعبي لا في بعدها الفولكلوري فحسب، ويجب أن يكون الفن وسيلة لذلك، لا غاية في حد ذاته، أو من أجل الترفيه فحسب.

 

7- قول الفقيه

القرضاوي.. جواز الهجرة بشروط

يرى الدكتور يوسف القرضاوي رحمه الله أن “السفر إلى البلاد غير الإسلامية جائز، سواء أكانت الحاجة علمية أو تجارية أو ثقافية أو أمنية”، إلا أن هذه الإقامة مشروطة في نظره بعدد من الشروط، أجملها في قوله: “على المسلم الذي يذهب إلى هذه البلاد أن يتعاون مع إخوانه حتى يحافظ على هويته، وأنا لي محاضرة قديمة اسمها “واجبات المسلم المغترب” وأجملتها في خمس واجبات: يحافظ على دينه، وينمي حياته الروحية والثقافية والفكرية، ويحافظ على أسرته؛ زوجته وأولاده، ويتعاون مع إخوانه المسلمين من حوله، فـ “كل غريب للغريب نسيبُ”، ولا يستطيع المسلمون أن يؤكدوا وجودهم إلا من خلال عمل جماعي، فكيف يبنون مساجد لعباداتهم، وكيف يبنون مدارس لتعليم أولادهم، ويقيمون أندية لأنشطتهم الاجتماعية والترويحية، ثم هناك واجبه نحو الذين يعيش من حولهم، سواء كانوا أمريكيين أو أوربيين، في أن يدعوهم إلى الإسلام ويعرفهم به من خلال أقواله وأفعاله وسيرته وأسوته، وأخيرًا واجبه نحو الأمة الإسلامية، فهو جزء من الأمة الكبرى وينبغي أن يعنى بقضاياها”.

وأضاف د. القرضاوي: “أذكر أنني قلت للإخوة في تلك الأيام إن من لم يستطع منكم أن يحافظ على نفسه وأسرته، وأولاده، وذراريه، وخاف أن يضيع دينهم، فليبدأ رحلة العودة لبلده من الغد، وأذكر أن أحد الإخوة في القاهرة جاء بعدها بسنتين، وقال: أنا فلان الفلاني، وسمعت محاضرتك في نيوجيرسي حيث قلت لنا إن من لم يستطع المحافظة على دينه فليبدأ رحلة العودة من الغد، وأنا لم أستطع أن أحافظ على أبنائي خصوصًا بناتي، وكدن يضعن مني، فبدأت رحلة العودة وربنا فتح لي هنا”.

ومما يجب أن يقيد به الفقهُ الهجرةَ، ولم يذكره القرضاوي، علاقة المهاجر بوطنه، فتلك علاقة لا يجوز فصلها، لكونها وعاء للدين واللغة والهوية، لا يتحقق الوصل المؤطر والمنظم بالدين والأسرة إلا بها، وكل “ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب”. وغير ذلك قد يعرض إسلام المهاجر للانحراف فيصبح عرضة للتطرف الديني والفكر العلماني، إذ تشرف عليهما تيارات تحت قناعات من “الإيديولوجيات الدينية” براقة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *