ماذا بعد تسجيل التلاميذ والتلميذات في المدرسة أيها الآباء والمربون؟ وما هو الواجب على الأساتذة والمعلمين؟ زينب الدرقاوي

إن تبليغ الرسالة التربوية للنشء مسؤولية عظمى يجب على كل الأطراف أن تساهم فيها على قدر الاستطاعة وحجم المسؤولية، فالدولة بجميع مكوناتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية والعلمية يتحتم عليها أن تدلي بدلوها في المنظومة التربوية حتى يكتب لها النجاح بإذن الله عز وجل.

ويبقى على الوزارة الوصية بالتعليم القسط الأكبر من المسؤولية في توفير تعليم مناسب للنشء المغربي المسلم، فالتركيز في المناهج على التربية الإسلامية لجميع المستويات والتخصصات المشفوعة بالقدوة الحسنة لمن يلقنها، كفيلة بإخراج التعليم من المأزق الحالي الذي يعرفه جراء تراكمات مشاكل منهجية ومادية. ولا يفوتنا لفت النظر إلى أن الاختلالات في تعليمنا الوطني يراها الحاضر والبادي، غير أن الإصلاح يحتاج إلى اختصاصيين مخلصين لله تعالى، يريدون الإصلاح ما استطاعوا، متشبثين بدينهم الحنيف، يتخذون الأسباب الشرعية والمادية لذلك.
أما ربط الفشل بالأمور المادية فقط فهو خطأ محض، ولاشك أن المحرك الأساسي في التربية والأعمال كلها هو المال، وقد قيل: “المال قوام الأعمال”، والإنسان بطبعه لا يعمل إلا من أجل أجر العاجلة أو الآجلة، فالإنفاق على التعليم بسخاء من الدولة ومن جميع شرائح المجتمع من أسباب النهوض بقطاع التعليم في رسالته النبيلة إعدادا لجيل الحاضر والمستقبل، وكل هذا لا يتم إلا بتنسيق وتعاون بين الأطر التربوية والتعليمية محليا وإقليميا وجهويا ووطنيا، لتمرير الخطاب التعليمي والتربوي الإسلامي للنشء الجديد بسهولة، حافلا بالبحوث العلمية الشرعية والكونية التي تنفع الفرد والمجتمع والوطن والأمة الإسلامية والإنسانية جمعاء.
هذا وإن تربية البنين والبنات ليست بالأمر السهل، بل هي مسؤولية كبيرة تقع بداية على عاتق الأسرة، حيث يتطلب الأمر الاستعانة بالله عز وجل في بذل الكثير من الجهد والتخطيط، وتحديد الأهداف ومعرفة الوسائل اللازمة لتبليغ الرسالة التربوية، فعلى الآباء والأمهات أن يعلموا أبناءهم الخير الذي علمهم الله إياه، وأهم ذلك كله العلم النافع الذي يثمر العمل الصالح. فلقد امتن الله على الإنسان بتعليمه القرءان والبيان، قائلا سبحانه: “الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ”، فقد يسر الله عليه تعلم القرءان العظيم، واللسان العربي المبين، قال تعالى: “وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِر”، قال مطر الوراق رحمه الله: “هل من طالب علم فيعان عليه؟” علقه البخاري، وعليه فيكون هذا التلقين هو الأساس في التعليم الذي يصبو إلى تربية جيل صالح لنفسه وأسرته ومجتمعه وأمته، وليعلم أن الأمة التي تقرأ العلم النافع ترقى في دينها ودنياها وتسعد بأبنائها وبناتها.
وإذا كانت الأسرة تشكل اللبنة الأولى في المنظومة التربوية فإن عليها مسؤولية كبيرة في إعداد التلميذ وتسجيله في المدرسة، واقتناء الأدوات اللازمة، وتوفير النقل الضروري، ورعايته على مدى السنة الدراسية كلها، وهذه الرعاية المتواصلة يغفل عن أهميتها الكثير من الآباء وأولياء التلاميذ، ولذا فلابد من ربط جسور التواصل البناء بين الأسرة والأطر التربوية المبني على التقدير والاحترام والتعاون ماديا ومعنويا بالمعروف، لكي تعطي هذه العلاقة أكلها كل حين بإذن ربِّها.
والملاحظ في مدارسنا أن العلاقة بين الأسرة والمدرسة يصبغها التنافر، وغالبا ما تكون متوترة، لأنها تنشأ في كثير من الأحيان من مشاكل يستدعى لها أولياء التلاميذ ليأتوا إلى المدرسة وهم لها كارهون، فيكون أول تواصل فيه جدال ومحاكمة لا غير، وليس تربويا، مع العلم أن مستقبل أبنائنا وبناتنا مرهون بتوفيق الله، ثم بدوري الأسرة والمدرسة ومدى تفاهمهما وتعاونهما على البر والتقوى، وتعليم النشء الصاعد ما ينفعه في دينه ودنياه، فيبقى صدقة جارية للآباء والأمهات والمربين، وكل من ساهم في الحقل التربوي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له” رواه مسلم.
ولن تنال أمةٌ المجد والسؤدد حتى تهتم بالتعليم اهتماما بالغا لأنه هو الحقل الوحيد الذي يغير سلوك البشر وينميه ويتحكم فيه، بخلاف الحقل الاجتماعي فإنه يحدث تغييرا غير مضمون النتائج ولا متحكم فيه، وما تقدمه الأطر التربوية من مناهج تعليمية هو المعول عليه لأنهم هم القدوة للتلاميذ والملقنون لهم، فإن كانوا قدوة حسنة ولقنوهم برامج تحمي دينهم وأنفسهم وأعراضهم وعقولهم وأموالهم نشئوا في طاعة الله ورسوله مخلصين لدينهم وأمتهم، وإن كان غير ذلك فالنتائج لا تحمد عقباها، وكل المجتمع يجني ثمارها المرة.
فمن وفقه الله من الأطر التربوية وقام بالخدمة التي في ذمته على أحسن وجه وابتغى ما عند الله فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، ومن أحسن الأعمال إعداد الجيل الصالح الذي يوحد الله ويعبده حق عبادته، ويبر أسرته ومجتمعه ووطنه، ويحافظ على دينه وأرضه ومكتسباته الثقافية والأخلاقية التي ورثها أبا عن جد، وأما الارتجال في القضية التعليمية فإنه لا يخرِّج إلا شبابا يركبون البحر “كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون” فرارا من بلادهم، وكأنهم قد أصابهم الطاعون، فمنهم من غرق، ومنهم من قطع إلى أوربا ليستبدل جنسية بلاده بغيرها، طلبا للعيش في الفردوس الموهوم..
وقد يقول قائل: كيف نحصل على الجودة في التعليم، والحقل التربوي قد فشل تعليميا وتربويا؟!
فيقال جوابا عن ذلك: إن الفشل قد يتخذ منه قنطرة للنجاح والارتقاء بالحقل التعليمي التربوي إذا أعيد النظر في المقرر والأطر، وصحح المسار..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *