حرية فردية أم فوضى وإباحية؟ أحمد اللويزة

إن ما يطفو على السطح بالساحة المغربية وبشكل مسترسل من ظواهر مدهشة للعقول محيرة للألباب ما هي إلا شظايا نتيجة هيجان بركان إباحي عما قريب سينفجر، وتشققات بسبب زلزال أصاب قيم المجتمع ويهدد كيانه ويسعى لتقويض مقومات الأمة المغربية لتصبح أثرا بعد عين وخبرا بعد حال.
فمن قبل ظهر عبدة الشيطان ووجدوا من يساندهم، وبالأمس انتظم الشواذ في جمعية ومن وراءهم الطابور الخامس يوفر لهم التغطية الإعلامية والقانونية، واليوم جمعية “وكالين رمضان” وانتفض معهم بعض المدسوسين بين الأمة الذين يتحينون الفرص للانقضاض على هوية المجتمع الذي يتعرض بين الفينة والأخرى لضربات قاسية قاصمة.
بالأمس واليوم وغدا لا ندري ما هو خارج للوجود مما الله به عليم من جمعيات أو أفراد صاروا يعشقون الثورة على ما تبقى من شريعة رب العباد في قوانين البلاد؛ شريعة يريد أن ينسخها فتية لم يتحصرموا بعد، استقووا بجهات خارجية أو لم يستقووا فإنهم يريدون شهرة مجانية بوسائل ساقطة.
إن ما أحدثه شرذمة الإفطار جهرا وضدا على دين الشعب واستفزازا لما يكنه في قلبه من تقديس وتكريم لشهر الصيام ما هو إلا الشجرة التي تخفي الغابة أو العمل الذي يكشف التناقض في تناول القضايا على مستويات عدة، فالحدث هو صيحة نذير وصرخة تحذير من المنزلق الذي يسير فيه الوطن ولحظة مهمة لإعادة النظر في كثير من الظواهر الاجتماعية والتي يحرمها القانون ويرتب عليها عقوبات، لكن صار يتعامل معها بمنطق الأمر الواقع والسلوك الشائع.
فمن تجرأ على قانون أغرى غيره بنفس السلوك وجعل ذلك سنة في القوم متبعة، فمن يتحمل المسؤولية في ما وصلنا إليه إذن؟ إنه ترك الحزم في استئصال كل تصرف يخلخل تماسك المجتمع ويفت في عضده ويحكم عليه بالزوال والبوار، فلا مجال لغض الطرف عن كل مخالفة صغرت أم كبرت، ألفها المجتمع أم استنكرها، رضيها أم لم يرضها، فإن أصل السيل نقطة ومعظم النار من مستصغر الشرر.
أليس الزنا محرما بنص الشرع ويعاقب عليه القانون؟ََ!
أليس الخمر ممنوعا بيعه في أقل الأحوال لغير المسلمين ولا يشربه إلا المسلمونََ؟!
أليس العري جريمة لها عقوبتها ولا ترى إلا هو في شوارعنا؟!..
يحدث هذا وغيره في أبشع صورة وفي مخالفة صارخة صادمة للشرع وللقانون. ومع ذلك يتساهل في تطبيقه ويتجاوز عنه، أفلا يحق إذن لمن خرج يعلن إفطاره في نهار رمضان أن يفعل ذلك تأسيا بمن سبق؟!
أم حلال على بلابل أولئك الدوح حرام على طير هؤلاء ومن يأتي من بعدهم؟!وإلا حقيق بمن ابتلي أن يستتر.
لماذا تفتح الصدور للزواني الحوامل من سفاح؟ ويقبل بالسكارى وتهيؤ لهم الحانات؟ ويستساغ القمارون ويستشهر لهم في القنوات؟ ويحتفى بالشواذ وتسلط عليهم الأضواء في الإعلام -القناة الثانية وعبد الله الطايع-؟ وهلم جرا.
أفلا يعد هذا سلسلة حلقات بدأت من زمان وربما أوشكت فصولها على الانتهاء مع “وكالي رمضان” الذين يستحقون إكراما على شاكلة من سبق على رأي من يعتبرهم شجعانا لا يشق لهم غبار في ميدان الانحراف والثورة على الأعراف والمقدسات حيث لا حسيب ولا رقيب غير الله تعالى الذي لا تضره معصية من عصى ولا تنفعه طاعة من أطاع.
إن نفر الإفطار جهرا هو إفراز لواقع يعج بمظاهر الانحراف والطغيان باسم حقوق الإنسان والتي أصبحت عند البعض قرآنا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، يتلونه آناء الليل وأطراف النهار ويحاجون به عند كل جدال ونزال، ويستنكرون على الدولة وقوفها في وجه (الحرية المأفونة!) التي تكفلها المواثيق الدولية وإن حرمتها القوانين الإلهية التي صارت عند هذا الفيلق جزءا من التراث كأنها قوانين من وضع الإغريق أو الرومان، وليس من وحي الملك الديان الذي يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير.
لقد صار الطعن في الوحي شجاعة فكرية أما نقد هذا القانون البشري فجريمة ضد الإنسانية، والويل لمن سولت له نفسه ليطعن في هذا الميثاق الذي وضعته زمرة تحت نشوة الانتصار خدمة لأهدافها وحماية لها من الاندثار، فصار خلفها قطعان المهووسين بهذه القوانين التي وضعها بشر لبشر ليس بينهم تفاضل في الخليقة أو الفكر أو تمايز في العرق أو الجنس..
إن الذي يحدث مع هذا السكوت الرهيب وكأن الأمة ليس فيها رجل رشيد ينذر بقادم سيء، وينبه على السفينة التي على وشك الغرق؛ فإما أن يمسك على أيدي هؤلاء فننجو جميعا أو يتركون وما أرادو فنهلك جميعا، وإن الخرق قد اتسع والحال لم يعد يقو على أكثر مما هو واقع، والتفاؤل حاصل بما يبديه الله بين الفينة والأخرى من مظاهر التدين والاستنكار لظواهر تحاول العبث بما تبقى من خصوصية الكيان المغربي الذي هو في غنى عن مثل هذه الصبيانية والطيش الشبابي الناتج عن فراغ روحي أحدثه الإهمال من المسؤولين لجانب القيم والعمل على ترسيخها، بل إن لم يكن من حالهم هو التمكين لسبل الانحراف عبر برامج إعلامية أو تعليمية أو فنية…، بل أكثر من ذلك اجتهادهم في إغلاق جمعيات قرآنية كانت ستغنيهم عن مواجهة مثل هؤلاء الطفيليين بما تبثه في روادها من قيم نبيلة مصدرها القرآن والسنة النبوية الشريفة، التي ربت جيلا فريدا من الصحابة لم يجُد الزمان بمثله، حتى ظهر بيننا اليوم من لم يكن أحد يتوقع أن يكونوا بمثل هذه الجرأة التي ليس لها نظير إلا في عالم الإباحية والانسلاخ؛ حيث فقدان بوصلة الطريق، والتيه في صحارى الرذيلة وفيافي الطغيان ولا ثمة عمر ولا ذُرة عمر؛ تُقوَِّم في الناس ما اعوج من سلوكهم وأفهامهم وتعيد لهم رشدهم ووعيهم بالذات والهوية والخصوصية والعقيدة والدين.
ولكنه زمن الفتن وكل الفتن، حيث لا مخرج منها إلا الاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على فهم سلف الأمة واستعانة بالله وسؤاله الثبات حتى الممات (اللهم احفظ بلدنا من كيد الكائدين ومكر الماكرين).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *