لقد احتضنت مدينة مراكش مهزلة أخرى اسمها «المهرجان الدولي للفيلم»، هذا المهرجان الذي يقام بتغطية مالية واسعة من طرف الدولة، وبمتابعة إعلامية مغربية ودولية مكثفة، وتدور أطواره بقصر المؤتمرات، وببعض القاعات السينمائية، كسينما الريف والسعادة وكوليزي، بالإضافة إلى ساحة جامع الفناء.
وهو يقوم بالأساس على تكريم مزيج من الأعمال السينمائية، كالسينما الأمريكية والفرنسية والبريطانية والهندية والمصرية والمغربية، عن طريق تقديم العديد من الجوائز لممثلي هذه الأعمال، وبطبيعة الحال فهذه الجوائز ليست إلا رُزَما من الملايـين تقدم عَبَثا مقابل العديد من الأفلام الساقطة لمغاربة وأجانب بدعوى الفن والإبداع، نَاهيك عن الأموال التي تصرف في هيكلة وتنظيم المهرجان، عن طريق تزيينه وزخرفته، وتأطيره بمجموعة من المظاهر التي لا تعكس الصورة الحقيقية للمجتمع المغربي، الذي يتخبط في مجموعة من المشاكل التي تجعله أولى وأجدر باستغلال هذه الأموال في حل معضلاته، بَدَل صرفها على عشرات الانتاجات التافهة التي لا تزيد مجتمعنا إلا تفسخا وانحلال فأغلب مواضيعها تهتم بالدعارة والزنا وترويج القيم الغربية التي تخص الأسرة الغربية المتهالكة، كما أنها لن تسهم في القضاء على أوجاع الأمة وآلام الناس كما يدعي المروجون لها بل على العكس من ذلك تزيد من استفحالها وانتشارها، لكن مع ذلك وللأسف نرى القيمين عليها يتفانون في تضييع وتشتيت الأموال العامة ظنا منهم أنها تزيد من عدد السواح، وتغري المخرجين والممثلين بالاستثمار في المغرب.
أليست هذه الأموال العامة التي تنفق على المهرجانات أولى أن تنفق في تخليص العديد من القطاعات من مشاكلها وأزماتها، كقطاع التعليم والصحة والنقل والسكن..؟! أليست هذه الأموال أولى أن تنفق في إنقاذ آلاف الشباب من ويلات البطالة وهواجس الهجرة السرية؟! أليست هذه الأموال أولى أن تنفق في إحداث مراكز ومعاهد وجمعيات ومشاريع تعود بالخير والصلاح على الأمة؟!
وسلبية مثل هذا المهرجان لا تهم الجانب المادي فحسب، بل تتعداه لهدم الجانب الأخلاقي، وهذا يتمثل فيما ذكرناه من هدم للقيم الإسلامية واستبدالها بقيم الغرب التي ترى في الأخلاق والآداب قيدا على الإبداع والتقدم.
فإذا كان المغرب قد سارع لاحتضان مثل هذه المهرجانات والسهر على تنظيمها، فهذا حسب اعتقادي لدافع من الدوافع التالية:
1- محاولة إرضاء بعض الأطراف الخارجية التي تسعى للإطاحة بالقيم العربية الإسلامية.
2- محاولة تخدير الشعب وتَمويهه مرة أخرى وجعله غافلا عن كل حقوقه.
3- محاولة إعطاء صورة راقية عن المغرب، وأنه قطع أشواطا مهمة في التقدم والتطور.
4- محاولة إعادة الاعتبار للسينما المغربية وتصنيفها ضمن الدول الرائدة في هذا المجال، وإن كنت أستبعد كثيرا هذا الأمر.
5- محاولة جلب السواح والاستثمارات الأجنبية وهذا لن يكون في مصلحة البلاد ذلك بالاستناد إلى تجربة بلدان إسلامية سبقتنا لذلك.
وأخيرا أقول: إذا كان التاريخ قد أنصف مدينة مراكش، وشهد لها بالحضارة والمجد والشرف بما أنجبت من العلماء والأدباء والأشراف، فإن الحاضر لم ينصف هذه المدينة بسبب سياسات علمانية حمقاء عجلت بتشويه صورة هذه المدينة العظيمة، وزعزعة أسسها وقيمها التاريخية، حتى غدت قبلة للشواذ والمنحرفين.
وإن كانت هذه المدينة قد أصيـبت بوباء، وحلَّ بها كَرب، فهو المهرجان الدولي للفيلم.
قال عبد المجيد بن محمد أيت عبو:
عَظُمَ الْمُصَابُ وَعَمَّتِ الْحَسَرَاتُ *** وَيْلاَتُنَا مَا فَوْقَهَا وَيْلاَتُ
فُقَرَاؤُنَا لاَ يَنْعَمُونَ بِدِرْهَمٍ *** وَبِأَلْفِ أَلْفٍ تُرْفَعُ السَّهَرَاتُ
عَبَثٌ وَهَمٌّ دَائِمٌ لاَ يَنْتَهِي *** وَعَلَى الغُثَاءِ تُضَيَّعُ الأَوْقَاتُ
تَعْلُو السَّفَاهَةُ، وَالشَّهَامَةُ ذِلَّةٌ *** وَتُشَنُّ فَوْقَ رُؤُوسِهَا الغَارَاتُ
وَتَرَى الدَّنِيَّ مُكَرَّماً وَمُعَظَّماً *** بَلْ لِلأَرَاذِلِ تُرْفَعُ الرَّايَاتُ
رُفِعَ الْمُغَنِّي وَالْمُمَثِّلُ مَنْزِلاً *** وَالْمُومِسَاتُ سَمَوْنَ وَالقَيْنَاتُ
وَالْمَسْرَحِيُّ وَذُو الفُنُونِ وَمُطْرِبٌ *** هُمْ قَادَةُ الإِبْدَاعِ وَالسَّادَاتُ
هَذَا فُلاَنٌ مَا أَلَذَّ غِنَاءَهُ *** تَحْلُو بِهِ الرَّنَّاتُ وَالنَّغَمَاتُ
وَفُلاَنَةٌ إِنْ أَطْرَبَتْ مَنْ حَوْلَهَا *** خَرَسَتْ لِحُسْنِ أَدَائِهَا الأَصْوَاتُ
هَذَا مُمَثِّلُهُمْ عَلَى التِّلْفَازِ قَدْ *** فُتِنَتْ بِهِ الأَحْدَاقُ وَالوَجَنَاتُ
فَهُمُ النُّجُومُ مُعَظَّمُونَ بِفَنِّهِمْ *** تُحْنَى الرُّؤُوسُ وَتَخْضَعُ الْهَامَاتُ
يَا قَوْمَنَا هَذَا الَّذِي فَسَدَتْ بِهِ *** أَخْلاَقُنَا الشَّمَّاءُ وَالطَّاعَاتُ
قَلَّ الْحَيا وَفَشَا العُرِيُّ مَعَ الْخَنَا *** وَتُثَارُ بَيْنَ شَبَابِنَا الشَّهَوَاتُ
يَا قَوْمَنَا أُوبُوا، أَفِيقُوا وَارْجِعُوا *** طَالَ الرُّقَادُ وَضَجَّتِ الغَفَلاَتُ
الْحَقُّ أَبْلَجُ فَهْوَ نُورٌ سَاطِعٌ *** قَدْ أَرَّقَتْنَا هَذِهِ الظُّلُمَاتُ
فِي قَلْبِنَا الْمَكْلُومِ هَيَّجَتِ الأَسَى *** وَحَكَتْهُ فَوْقَ خُدُودِنَا العَبَرَاتُ