ولي يخدم زواره! هل يتقاضى أجره؟ الدكتور محمد وراضي

من أراد التوسع في الثقافة القبورية لغاية ما يصبح فقيها من فقهائها؛ فما عليه غير التخلي عن عقله، وعما انتهى إليه من علوم الدين كتابا وسنة وإجماعا، ثم يخلع -قبل الدخول إلى محراب مملكة اللاعقل أو اللامنطق- نعليه، وليتحمل كل الصدمات التي سوف يتعرض لها وهو يجاري أصحاب الأذواق والمواجيد الذين يستبعدون كل تدخل لمنطق العقول في مجال يستدعي التسليم بدون ما اقتناع! وقبول بدون ما نقاش، فإن قيل لنا إن المزور يقضي حاجات المزورين، إلى حد أنه يعتبر رزاقا في حياته وبعد مماته. قلنا لهم من باب البديهيات: أنتم محقون، ونحن وراءكم وبكم مقتدون!
كان محمد بن الحاج الدلائي يروي عن أسلافه “أن ثلاثة من صلحاء المغرب، قد جرب عندهم قضاء الحاجات: الشيخ عبد السلام بن مشيش، والشيخ أبو يعزى يلنور، والشيخ أبو سلهام. غير أنهم اختلفوا: فالأول في أمور الآخرة. والثاني في أمور الدنيا. وأبو يعزى في الكل. نفعنا الله بهم وبأمثالهم”!
فمن قصد قبر شيخ “جبالة” عبد السلام بن مشيش، وطلب منه قصرا منيفا في جنة عدن. وكل مستلزماته من الحور وما إليها من ألوان النعيم، لحصل على ما طلبه من الرجل المتخصص في تلبيته لجميع المطالب المتعلقة بأمور الآخرة!
وإن توجه أحدهم إلى ضريح ولي الله أبي سلهام وطلب منه كل ما يخطر بباله من المتاع الدنيوي، لقضى أربه من زيارة واحدة يقوم بها إليه!
أما من قصد أبا يعزى وتقدم بطلبات تتصل بالدنيا وبالآخرة، لعاد من زيارته سالما غانما بما فيه الكفاية. وما سوف يعود به، هو كل ما يحقق حلمه ليعيش غنيا حتى نهاية عمره! ثم ما يحقق حلمه بعد الانتقال إلى العالم الآخر، أو إلى دار البقاء!
فإن قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} يسوق لنا الحسن اليوسي في “المحاضرات” ما يدل على أن الصلحاء بدورهم رزاقون! فقد سمع محمد بن الحاج الدلائي “يحدث عن والده سيدي محمد بن أبي بكر أن شيخه سيدي محمد بن أبي القاسم المعروف بالشرقي التدلاوي، كان وقع بينه وبين ولده سيدي الغزاوي كلام وعتاب، إلى أن قال الولد: أنت ترزقني؟ فقال الشيخ: نعم أنا أرزقك. فأعظم الناس هذا الكلام. قال: فقال الوالد: لا شيء في هذا، فإن الشيخ هو القطب في الوقت. والقطب تجري الأرزاق على يده. فصح بهذه الإضافة أن يكون رزاقا”. (برهان منطقي لا يرد!).
فالقطب إذن كمدير للخزينة العامة، لا يسمح بوصول ولو درهم واحد لأي كان إلا بإذنه وبعلمه. وله حق العطاء والمنع بالقدر الذي يريد! إنما من هو هذا القطب الذي يتصرف في أرزاق العباد!
يقول أكبر زنديق جزائري مغربي أحمد بن محمد التجاني في كتابه “جواهر المعاني”: “إن حقيقة القطبانية، هي الخلافة العظمى من الحق مطلقا (بدون قيد ولا شرط) في جميع الوجود جملة وتفصيلا! حيثما كان الرب إلها (؟) كان القطب خليفة في تصريف الحكم وتنفيذه! من كل من له عليه ألوهية لله تعالى (؟). فلا يصل إلى الخلق شيء كائنا ما كان من الحق إلا بحكم القطب! ثم بقيامه في الوجود بروحانيته! في كل ذرة من ذرات الوجود! فترى الكون كله أشباحا لا حركة لها! وإنما هو الروح القائم فيها جملة وتفصيلا! به يرحم الوجود! وبه يبقى الوجود (لا بالله!). وفي بقاء الوجود رحمة بكل العباد! ووجوده في الوجود حياة لروح الوجود الكلية! وبنفس نفسه يمد الله به الموجودات العلوية والسفلية! ذاته مرآة مجلوة! يشهد فيها كل قاصد مقصده”!
ثم يضيف الزنديق الذي يتم الاحتفاء به رسميا في مختلف المناسبات، وفي أكثر من بلد إفريقي على الخصوص: “ومما أكرم الله به قطب الأقطاب (وهو قطبهم!) أن يعلمه علم ما قبل وجود الكون! وما وراءه! وما لا نهاية له! وأن يعلمه جميع الأسماء القائم بها نظام كل ذرة في جميع الموجودات! وأن يخصه بأسرار دائرة الإحاطة! وجميع فيوضه وما احتوت عليه”!
ومن حقنا هنا أن نتساءل عن “ماذا بقي لله تعالى من تصريف؟ أليس القطب هو المتصرف في جميع الموجودات خلقا وأمرا؟ أليس القطب هو الروح القائم في الوجود جملة وتفصيلا؟ أليس القطب هو الذي لا يصل إلى الخلق شيء كائنا ما كان إلا بحكمه”؟
وكثيرون هم الأولياء الذين “تقطبوا”. فكل منهم يدعي القطبانية. ومن لم يدعها لنفسه، ادعاها له مريدوه وأتباعه! فيكون جل الأولياء المقدسين المزورين أقطابا بهم يرحم الوجود، ويبقى ويتماسك! إنهم أثرياء بعلوم تمتد إلى معرفة ما وراء العرش العظيم! وما وراء وجود الخلق وكيف ومتى! كما سمعت هذا الزعم من تجانيين ومن درقاويين، ومن كتانيين، ومن غير هؤلاء ممن يتبجحون بأن المعارف الصوفية تتجاوز -للوقوف عليها- قدرات العقول البشرية، لأنها كلها وهبية نورانية يقدف الله بها في قلوب الأصفياء من عباده الأوفياء! مما يعني أن الأولياء المزورين في غنى عن أجور يتلقونها ممن يقصدهم في أمور، مهما كان نوعها، ومهما تكن ضخامتها، بحيث يكون الله على هذا الأساس، هو الذي أهلهم كخلفاء له في تصريف أحكامه وتنفيذها -كشركاء له في السلطة والملك-؛ بل وأكثر من هذا فإن روحانيتهم تجري في كل ذرة من ذرات الوجود مجرى الدم في العروق! حتى ما في ضمائر الزوار يعرفونه كدأبهم مع الزوار الذين يتوافدون عليهم وهم على قيد الحياة!
لكن منطقنا نحن كخصوم للظلاميين يحملنا على المطالبة بأدلة نقلية، وبأخرى عقلية، وبأخرى تجريبية لمعرفة من يقف وراء تكليف المقدسين المزورين باستقبال الزوار، والاستماع إلى شكاواهم وتوسلاتهم التي تجد لديهم الآذان الصاغية! بحيث تقضى الحوائج وتلبى الرغبات؟
هل لدينا نصوص قرآنية نفهم منها كيف أن الأقطاب هم من يتصفون بصفات، ما عرفنا أن نبيا من أنبياء الله كان يتصف بها؟ ونفهم منها كيف أن بناء الأضرحة ورفع القباب عليها مندوب إليه؟ وأن من رفعت عليهم تلك القباب يتحملون مسؤولية قضاء مآرب قصادهم مهما يكن حجم هذه المآرب؟ وأنهم غير محتاجين إلى الأجور التي يمكنهم التوصل بها كأطباء من جهة، وكمتمرسين في حل مشاكل الناس من جهة ثانية؟
هذا ما سنتعرض له في الحلقة القادمة بحول الله تعالى وقوته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *