دفاعا عن السنة النبوية الشريفة: سلسلة الردود العلمية على خريج دار الحديث الحسنية «محمد بن الأزرق الأنجري» (الجزء الثاني: المقدمات الممهدات 2) منير المرود

أرسل إلي أحد الإخوة عبر البريد الإلكتروني رسالة يخبرني فيها بوجود ردود في شبكة الأنترنيت على المدعو محمد ابن الأزرق، لصاحبها الدكتور زين العابدين رستم المدرس في كلية الشريعة ببني ملال، فاطلعت عليها كلها فوجدتها نافعة في موضوعها، غنية في محتواها، موفية للغرض رغم اختصارها، حيث وضع من خلالها الدكتور رستم مقالات موجزة وسريعة تبين سقطات وهفوات صاحب الإفك والبهتان، لتنتهي المجادلة بينهما بصلح -نسأل الله أن يبارك فيه- استبشرت به خيرا حين اعتذر فيه ابن الأزرق عما صدر منه من قبيح الأقوال والأفعال.
لكنه وللأسف الشديد لم يبد تراجعه عن القدح في الأئمة الأعلام، وسنة النبي العدنان، بل تمادى في غيه وظلمه، بدليل أنه كتب بعد ذلك مقالات على نفس الطريقة والمنوال، منها مقال بعنوان: «عذرا رسول الله قدموك للعالم شهوانيا مكبوتا» بتاريخ 5 يوليوز، ومقال بعنوان: «المرأة ليست ناقصة العقل والدين» بتاريخ 22 يوليوز، ومقال: «النساء أكثرية أهل الجنة» بتاريخ 30 يوليوز، ومقال: «هل أمك ضلع أعوج؟» بتاريخ 7 غشت 2015، وآخر بعنوان: «هل خانت أمنا حواء زوجها؟…» بتاريخ 15 غشت، في حين أن رسائل المحبة والمصالحة بينهما نشرت بتاريخ 15 يونيو، مما يدل على أن المعركة تحت راية الإمام البخاري كما وصفها الدكتور رستم لم تنته بعد، وأن التوبة المزعومة ما هي إلا محاولة يائسة لثني المعارضين له عن تصويب سهام النقد الموجعة إليه.
وهذه المقالات المذكورة لا تختلف عن سابقاتها في شيء، بل نجدها أحيانا أكثر جرأة وأشد عبارة، وسأكتفي منها بمقطع يدل على صدق هذه الدعوى، وستأتي الإشارة إلى البقية في الوقت والزمان المناسبين.
قال الأنجري في مقال: «عذرا يا رسول الله…» متحدثا عن الصحابة رضي الله عنهم أجمعين: «لقد كان القوم أميين بسطاء العقول في الغالب، وكانوا رحمهم الله جاهلين بأعيان المنافقين، غافلين عن حقيقة المندسين من اليهود والزنادقة الملحدين، وكانوا لا يعرفون الكذب ولا يتصورون جرأة غيرهم على اختلاق الأحاديث، لذلك كان يسهل خداعهم وتمرير الموضوعات عليهم.
والتصور الذي نملكه عنهم، بعيد عن الواقع والحقيقة، فلم يكونوا عباقرة دهاة كما نعتقد، ولم يكونوا رحمهم الله عارفين بحقائق القرآن كما نتخيل، فقلة قليلة هي التي كانت تحفظه وتعرف أسراره…».
فهذا هو جيل الصحابة عند ابن الأزرق وطائفته، فهم بسطاء جاهلون غافلون، وهم لا يعرفون ولا يتصورون، وبالتالي يسهل خداعهم، لأنهم ليسوا عباقرة كما كنا نعتقد، رغم أننا نجد في المقابل أن هؤلاء أنفسهم هم الذين وصفهم الله تعالى بأجمل الأوصاف، وقال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم …»[1]، فأي الأوصاف أولى، وأي الكلام أصدق، فلو كانت الآيات والأحاديث تصرف في معانيها على القلة القليلة كما قال صاحب هذا البهتان، لما صدق على جيلهم وصف الخيرية، لأن من لوازمها الوفرة والكثرة لا القلة والنذرة.
وبعد هذا الاستطراد الذي وجدت نفسي مدفوعا إليه، أقول: لقد كانت رسالة الأخ المشار إليها أعلاه حافزا لي على البحث في الشبكة العنكبوتية عن ردود أخرى لها علاقة بالموضوع، فوقعت على ردين رصينين للأخ الأستاذ فؤاد الشمالي، تناول من خلالهما شبهات الأنجري حول حديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم بالنقض الواحدة تلو الأخرى، فكان التوفيق حليفه ولله الحمد والمنة.
وبناء عليه قررت أن أكمل سلسلة الردود التي كنت قد بدأتها من قبل، لأجيب من خلالها على بعض التساؤلات التي سبق وطرحتها في خاتمة الجزء الأول من المقدمات، وسأكتفي في هذا المقال بمقدمتين اثنتين فقط، حرصا مني على الاختصار وعدم الإطناب. والله أسأل الإخلاص والتوفيق والسداد.
المقدمة العاشرة: إرهاب فكري ولسان سليط
يمتلك صاحبنا لسانا سليطا يصوبه على كل من خالفه الرأي في كل زمان ومكان، فبالرغم من أنه كتب يوما مقالا عن «الإرهاب الفقهي والفكري» معتبرا إياه جريمة شنعاء، حيث رمى بها الأئمة والفقهاء، وبرأ المعتزلة النجباء العقلاء!! إلا أنه استعمل في المقال نفسه عبارات مسيئة، وألفاظ مشينة لا يقبلها العقل السليم ولا السمع السوي.
فتراه ينعت الأمة بالاستحمار تارة والغفلة تارة أخرى، ويصف مخالفيه في الرأي بأنهم فقهاء نجاسة، تقليلا من شأنهم، وانتقاصا من قدرهم، كما أنه ينكر في المقال نفسه على من خالفه في فهم بعض الأحاديث بأشد العبارات، حيث نجد ذلك صريحا في قوله: «قبح الله فهما مثل هذا»، فكيف يستقيم للمرء أن ينكر على الآخرين تشديدهم على المخالف، ثم نجده في نفس المقال يناقض نفسه، ويقع فيما نهى الناس عنه، وهو يعلم قول الله تعالى في سورة الصف: {يا أيها الذين امنوا لم تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون}، وهذا مثال حي وصريح من كلام هذا الرجل، حيث يعارض نفسه بنفسه، ويناقض قوله بقوله، ويخالف فعله ما يدعو إليه، نسأل الله لنا وله العفو والعافية.
وإمعانا منه في الانتقاص من علم السلف، نجده -في المقال نفسه- ينفي عن أئمتنا وفقهائنا المتقدمين صفة العلم، حيث اعتبرهم أصحاب معلومات لا علماء، لأن العلم عنده: «الجمع بين المعرفة الدينية والخلق الحسن والربانية القلبية»، فهل جمع صاحبنا هذه الأوصاف جميعها أو واحدة منها على الأقل، فمعارفه العلمية لا تكاد تتجاوز معرفة عامي من عوام القرون الأولى التي يزدري أصحابها، وأخلاقه تدل عليها ألفاظه الجارحة بل والساقطة التي يستعملها ضد مناوئيه، ولن أجد له وصفا أفضل مما وصف به نفسه حين قال في «رسائل المحبة…» معتذرا عن لسانه السليط: «… تخللته من جانبي عبارات قاسية، لسوء طبعي، وقلة أدبي…».
ولو نقلت جميع كلماته البذيئة التي ضمنها مقالاته، لجمعتها في صفحة أو تزيد، لذا سأقتصر هنا على التنبيه، مع مراجعة ما ورد في المقدمة السابعة من هذه السلسلة، بالإضافة إلى كلامه عن الصحابة الذي أشرت إليه في أعلى هذا المقال.
ولا أظن أن هذا الأمر يحتاج إلى مزيد من البيان والاستدلال، كما لا أعتقد أن هذا الإحساس لم يخالج كل من قرأ مقالاته أو اطلع عليها أو تصفحها، لأننا لا نكاد نجد موضوعا من موضوعاته إلا ويطغى عليه هذا الأسلوب.
ــــــــــــــــــ
[1]- رواه البخاري 2509، ومسلم 2533.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *