التسابق لاحتلال المغرب (2) الأستاذ إدريس كرم

عند نزول القوات الإسبانية بالعرائش والقصر الكبير قام كل من القنصل الفرنسي ومدرب المحلة الشريفة بالمدينة ليوطنا تيريت بالدعوة للتصدي لها، حيث وقعت مجابهة سرعان ما تم تطويقها من طرف المسؤولين الفرنسيين والإسبان بطنجة، حيث عقد جوفراي، سفير فرنسا، وكارسيا بربيطو، وزير الدولة الإسباني، عددا من اللقاءات للتباحث في المسألة بسان سبستيان، حيث تم الاتفاق بينهما في 26 يونيو 1911 على وضع حد لسوء التفاهم في القصر الكبير بين القوات على الأسس التالية:
– على ضباط وجنود المحلة الشريفة عدم تجاوز واد لكوس، ويبقون على الضفة اليسرى على أن يسري نفس الحذر على الجنود الإسبان الذين يجب عليهم البقاء على الضفة اليمنى.
– على المسؤولين العسكريين الإسبان ألا يجندوا العساكر المغاربة الفارين من المحلة الشريفة.
– يمكن للفرنسيين القادمين من طنجة وفاس والعرائش المرور بحرية عبر القصر الكبير، بعد إدلائهم بتصريح من ممثليهم الدبلوماسيين.
وتجدر الإشارة إلى أن إسبانيا كانت قد احتلت راس الما في 11 مارس 1908، وحوض ورغة الأعلى والضفة اليسرى لواد لكوس إلى غاية الكلومتر 10 من العرائش، وحصنت حدود بني بو يحيى على الضفة اليسرى لملوية وكل حوض لكوس تحت خط 35 شمالا.
وقد وافقت على مغادرة واد ورغة في الشمال، وفي الجنوب الأرض الموجودة بين واد درعة وواد ميسا ما عدا مضيق إفني، وذلك في محادثات تمت بين البلدين في 12 نونبر 1912 حول وضعية البلدين في الإيالة الشريفة، فزادت بذلك مساحة فرنسا حوالي 130 كلم طولا، وذلك استنادا لاتفاقية 3 أكتوبر 1904 الذي حدد المنطقة الإسبانية بالمغرب شمالا وجنوبا والذي جدد بالتفاهم الأخير في 1912 مع تحديد حدود إفني. (ص.65 – إدوارد دوكارد، مصدر سابق)
وقد أورد نفس المصدر بأنه في 8 أبريل 1904 أبرم اتفاق فرنسي إنجليزي حول المغرب بقي سرا إلى أن نشرته جريدة «Le Temps» في 25 و26 نونبر 1911، وأبرم بروتوكول فرنسي إسباني حول المغرب في فاتح شتنبر 1905، وبقي سرا إلى أن نشرته جريدة «Le Matin» في 11 نونبر 1911، وتفاهم فرنسي إسباني سري وقع بتاريخ 23 فبراير 1907، نشرته جريدة «L’Action» في 16 نونبر 1911، وكان الدافع للإفصاح عن كل هذه الاتفاقيات هو الغزو الفرنسي للعاصمة المغربية، والذي أدى -كما سنرى- بألمانيا إلى قصف أكادير وإرغام فرنسا على إبرام اتفاق معها بتاريخ 4 نونبر 1911 الذي بموجبه تم إطلاق يد فرنسا بالمغرب والذي أتبع بالمعاهدة الفرنسية المغربية المعروفة بمعاهدة الحماية في 30 مارس 1912، والتصريح الفرنسي الإيطالي في 28 أكتوبر 1912، والتفاهم الفرنسي الإسباني السالف ذكره في 27 نونبر 1912. (المصدر السابق)
وتجدر الإشارة إلى أن المؤلف أشار في مقدمة كتابه هذا إلى أنه سبق أن ألف في بداية 1911 كتابا بعنوان «مستندات دبلوماسية» لمصلحة دراسات المسألة المغربية، تعرض فيه لبعض ما جاء في هذا الكتاب
فكيف تبلورت هذه الاتفاقيات من خلال التواصل الدبلوماسي؟
جاء في رسالة من كروبي وزير الخارجية الفرنسية إلى دوبيليي من باريس في 1 يونيو 1911، رقم: 333 ص.319، ما يلي:
«إذا أراد السلطان إجراء عمليات خاصة بحكومته، فإن التغيير الذي يمكن إعلانه في هذه الحالة والذي لا بد من لزومه هو وضع حد للتعسف والضرر الذي يلحقه بالمسؤولين مما يدفهم أحيانا للمناداة بخلعه من طرف بعضهم، مما يصعب نقط المعالجة.
الرأي العام الفرنسي وشعور العالم المتحضر يدين ذلك الاسم، ولا شك في أن رجالنا بفاس مستعدون لتقديم نصائح للسلطان وتطبيقات مبتكرة جديدة يمكن أن تؤدي في نفس الآن إلى إبطال بعض تصرفات المخزن وفي ظروف هادئة من أجل تهدئة الثورة».
وفي رسالة من دوبيليي إلى وزير الخارجية بتاريخ 3 يونيو 1911، رقم: 340 ص. 323، جاء بها:
«الجنرال موانيي بعث لي بالبرقية التالية:
دار الدبيبغ في 28 ماي 1911.
توجهت اليوم طليعة استطلاع لعيون راس السمار في اتجاه صفرو بعدما أخبرت بتكون تجمع لآيت يوسي المتمردين هناك، وذلك من أجل تشتيتهم وهوما تم بالفعل حيث قنبلت دواويرهم وشتت تجمعهم.
غدا سأترك جزء من القوات النظامية الشريفة بجانب المتطوعين من البعثة العسكرية، وسأقود قوة هامة في الأيام المقبلة لتمشيط المنطقة الجبلية التي ضايقت يوم 24 و25 ماي الكولونيل كورو».
وجاء في رسالة من دوبيليي إلى وزير الخارجية، رقم: 337 من طنجة بتاريخ 3 يونيو 1911:
«أخبرني ممثل إسبانيا بأن قوات بلاده تقدمت في اتجاه تطوان، حيث ستقيم معسكرا على واد اسمير بعيدا عن تطوان بـ12 كلم، ومن جهة أخرى توصلت من القبطان مورو بأن روكي جديد تمركز في جبل مصمودة، عند محمي إسباني، وهناك أخبار أخرى مفادها أن اجبالة هجموا على القصر الكبير».
وبدا أن هناك تطورات تظهر على ملف المسألة المغربية، فقد بعث سفير فرنسا ببرلين المسيو كامبو برسالة إلى وزير خارجيته من برلين بتاريخ 13 يونيو 1911، رقمها: 376 ص. 358، جاء بها:
«توجهت أمس للاجتماع بنائب كاتب الدولة الألماني، وقد أشرت في مباحثاتي معه للطبيعة المؤقتة وحدود تدخل الحكومة المنجز بفاس بطلب من السلطان، كما أشرت إلى تخفيض مراكزنا في الشرق وملوية المؤسس لتعهدنا بالجلاء، وقد سجل زمرمان ذلك وقال بأن حكومة الجمهورية قدمت على هذا المستوى دليلا على الالتزام».
وفي 17 يونيو 1911 بعث دوبيليي رسالة رقم: 390 ص. 366، إلى وزير الخارجية من طنجة، جاء بها:
«أبعث لكم نص احتجاج الكباص الموزع على السلك الدبلوماسي في موضوع التصرف الإسباني بالقصر الكبير، أعيان القصر وقبائل هامة من جبالة بعثوا للكباص احتجاجا ضد التواجد الإسباني.
ملحق
ممثل السلطان
طنجة 18 جمادى الثانية 1329 موافق 16 يونيو 1911.
تبعا للاحتجاج الذي سبق أن تقدمت به يوم 13 من الجاري لسيادتكم، المتعلق بالعمل الذي قامت به الحكومة الإسبانية باحتلالها العرائش والقصر الكبير ضد الاتفاقيات والمعاهدات وعقد الجزيرة، يشرفني إخباركم اليوم بأني أخبرت بشكل مدقق أن القوات الإسبانية أقامت معسكرا بوسط مقبرة حرم سيدي قاسم داخل القصر.
ولا يخفى على جنابكم خطورة ذلك على الشعور الديني لما فيه من إهانة بالغة للمسلمين القاطنين بالقصر المتشبثين بالدين، مما يولد غضبا مؤثرا ذا أبعاد مؤسفة، ومن جهة أخرى توصلت بتأكيدات بأن القبطان أوفيلو عامل معاملة سيئة عددا من جنود الحامية الشريفة المكلفين بأمن مدينة القصر الكبير والنواحي المجاورة واحتجزهم في معسكره مساجينا.
أخبركم مع الأسف العميق بأن هذه الطريقة الشديدة الإهانة للمخزن تستوجب الاحتجاج الشديد في انتظار ما سيتبع ذلك التواجد من ظهور حوادث، لم يتوانَ المخزن من قبل في إرسال أوامر لرجاله بالعرائش والقصر الكبير والناحية كي يواصلوا تضحياتهم من أجل توفير الأمن والهدوء بالمنطقة.
وعليه فإن المخزن يتحمل مسؤولية ما سيحدث بالمنطقة من اضطرابات لهذا التدخل المؤسف الذي قام به الجنود الإسبان في المدينتين.
محمد الكباص».
وكان ممثل المخزن قد رفع للسلك الدبلوماسي احتجاجا ضد الإنزال الإسباني، مؤرخ في 16 جمادى الثانية موافق 14 يونيو 1911 لم يرفعه دوبيليي إلى وزير خارجيته إلا في رسالة من طنجة مؤرخة في 20 يونيو 1911، رقم: 396 ص. 370، جاء بها:
«احتجاج المخزن ضد إنزال القوات الإسبانية في العرائش والقصر الكبير.
ملحق
أبلغكم بأن صاحب الجلالة جد متأثر من عملية نزول القوات الإسبانية بالعرائش، وزحف جزء منها لاحتلال القصر الكبير، دون أن يكون هناك ما يسمح لها بالقيام بمثل ذلك الفعل من عقود مبرمة مع الحكومة الإسبانية أو اتفاقيات تربطها بالمخزن يأذن لها بذلك قديما أو حديثا، داخل الحدود المعترف بها دوليا، وفي المعاهدات الدولية الأولى بمدريد، وبعدها المؤتمر الدولي بالجزيرة، التي تؤكد على الاستقلال الكامل لتراب الإيالة، هذا الاستقلال الكامل الذي يعتبر الأساس الذي بني عليه اتفاق عقد الجزيرة الموقع عليه من طرف ممثلي القوى الكبرى المتحضرة الملزم احترام ما جاء فيه، والوفاء بما جاء في منطوقه كاملا وعدم مخالفة بنوده.
اندهاش صاحب الجلالة يزداد من قيام الحكومة الإسبانية باحتلال العرائش والقصر الكبير دون اعتبار للمعاهدات الدولية وباقي الاتفاقيات الخاصة ودون إعارة الاهتمام اللازم للاحتجاج المرفوع باسم المخزن من ممثل السلطان بطنجة شفهيا وكتابة لدى وزير إسبانيا ضدا على أسس مقررات حكومتكم، ولا للوصف المقدم من طرف سي الكباص ضد حركة القوات الإسبانية على الحدود المحيطة بسبتة ولا التعزيزات غير المبررة لهذا الاحتلال.
فالعرائش وأحوازها والقصر الكبير وما يجاوره، وكل الغرب متمتعون بالهدوء والسكينة، وليس بهما أية قلاقل كما هو معلوم عند كل المشاهدين الذين يمرون في القوافل وكافة أشكال التنقلات المسجلة في كل أطراف الناحية، وإذا ما كان هناك اضطراب ما فإن قوات المخزن تقوم بردعه من خلال التمركز في الناحية للقضاء على كل ما يثير الفتنة.
المخزن لم يبلغ لا الحكومة الإسبانية ولا أيا كان طلبا يستوجب المساعدة في هذه الناحية ولم يقدم أي طلب بهذا المعنى، بل العكس هو الواقع، وهو الاحتجاج لدى ممثليكم بطنجة على الحكومة الإسبانية ضد العقود المبرمة التي تنشئ حقوقا على المخزن في كامل ترابه.
لقد أمرني جلالته باستعراض كل ما سبق مع جنابكم من أجل إحاطتكم علما ومن أجل إخبار كل ممثلي القوى العظمى، وأخيرا لتعلموا أن المخزن الشريف غير مسؤول عن عواقب عقود الحكومة الإسبانية التي تخرج عن إطار اتفاقيات ومعاهدات القوى المتحضرة.
أطلب باسم المخزن من ممثلي القوى العظمى الموقعة على عقد الجزيرة بإحاطة حكومة إسبانيا بأن احتلال موانئ مفتوحة للتجارة العامة ومدنا داخلية هامة ونقطا أخرى داخل التراب المغربي المستقل، يكون عملا مضادا للحقوق الثابتة للمخزن، حقوق عريقة ومضمنة في عقد الجزيرة موقع عليها من طرف ممثلي دول العالم المتحضر
كما أطلب من ممثلي هذه الدول مساعدة المخزن في طلبه بإلحاح من الحكومة الإسبانية لسحب قواتها من العرائش والقصر الكبير وباقي النقط الأخرى في التراب المغربي، واخلائها بسرعة ودون إبطاء، لأن المخزن لا يمكن له أن يسمح بمواصلة ذلك الاحتلال الذي لا مبرر له».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *