لا خوف على الإسلام من أعدائه الخوف على المسلمين من جهلهم بدينهم

لا تمر سنة أو سنتين حتى يخرج علينا أبناء الغرب “المتحضر جدا” بأصناف من الاعتداءات نصنفها نحن المسلمين في خانة الكراهية والعداء للإسلام والاستهزاء بمقدساته، بينما يُبَرِّئونها هم من كل شائبة، فيجعلونها تندرج لديهم في خانة حرية التعبير والإبداع؛ ثم ينقسم المسلمون بين مستغرَب يقلد المستهزئين في أهوائهم فيردد العبارات نفسها “حرية تعبير وإبداع”، وبين مسلم غيور على دينه ونبيه يشجب ويستنكر كل استهداف لمقدساته.
وبالرجوع إلى القرآن الكريم نجد أن السخرية والاستهزاء برسل الله ومقدسات المؤمنين كانت عبر التاريخ سنة أعداء النبيين والمرسلين قال سبحانه: “وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون” الأنبياء.
ولم تتخلف هذه السنة مع رسول الهدى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لكن الله سبحانه كفى نبيه أمر المستهزئين من غير المسلمين، فقال سبحانه: “فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ” الحجر. ويندرج تحت هؤلاء كل من رام النيل من النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة.
وفي غزوة تبوك لما اشتد على المنافقين الحر وبعدت عليهم الطريق ارتأوا أن يرفهوا عن أنفسهم بالإبداع في الكلام بكل حرية، وأول ما تحرروا منه القيود الشرعية وعلى رأسها تعظيم المقدسات، ولأنهم لم يكونوا على علم بفن الكاريكاتير، حاولوا أن يبدعوا بحرية تماثل حرية التعبير بالريشة، فرسموا للصحابة ومعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم صورا في مخيلاتهم عبر أحدهم بقوله: “ما رأينا مثل قرّائنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء!
فقال رجل في المجلس: كذبت، ولكنك منافق! لأخبرن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- ونزل القرآن. قال عبد الله بن عمر: فأنا رأيته متعلقاً بحقب (1) ناقة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تنكبه الحجارة، وهو يقول: يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب! ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : (أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) سورة التوبة (2 ).
ولنلحظ كيف سمى المنافقون عملهم الدنيء خوضا ولعبا، في حين لم يقبل الله ورسوله التسمية ولا الاعتذار فسماه سبحانه استهزاء موجبا للكفر والنفاق، (أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ).
فكانت هذه الواقعة درسا بليغا رُسمت فيه حدود ضبطت سلوكيات المسلمين ووضعت فيه مفاهيم الخوض واللعب وحكمهما إذا تَعَلّقا بالمقدسات.
فاللعب لما بلغ مستوى الاستهزاء بالمقدسات خرج عن كونه ترفيها جائزا، ودخل إلى دائرة المحرم الموجب لسخط الله.
فكم من صور الاستهزاء بالدين وأهله تمر أمام أعيننا في الصحف والمجلات التي يديرها مسلمون، وكم من مشاهد يحارب بها الدين والمتدينين ويستهزأ فيها بأحكام الدين، يسوغها أصحابها بتسميتها فنا وإبداعا وحرية رأي، وإذا انتقدوا وذكروا بالله قالوا: وما دخل الدين في الصحافة والفن، جريا على منهج الغرب العلماني الذي اعتبر الفيلم الصهيوني المسيء للنبي صلى الله عليه وسلم والرسوم الكاريكاتيرية من قبله فنا وحرية تعبير.
والعجيب أنه كلما قام أعداء الإسلام لحربه، إلا وانسل أبناؤهم من تحت أيديهم إلى المكتبات يبحثون عن الإسلام العظيم، ونبيه الكريم صلى الله عليه وسلم، فتبهرهم سيرة المصطفى العطرة وسجاياه الطيبة الطاهرة وأخلاقه السامية الباهرة، ويأسرهم الإسلام بسمو تعاليمه وسماحة شريعته، وعظيم تكريمه للإنسان، ويجرون المقارنة بين حياتهم المملوءة قلقا ورعبا، المترنحة بين حيرة وجودية قاتلة وخوف من فقر يلاحقهم رغم تضخم الثروات ورفاهية العيش.
وبعد انتهاء بحثهم يعلنون فرادى وجماعات إسلامهم فيصبحون من أشد الناس دفاعا عن الإسلام حين أدركوا كيف أعتق الإسلام الإنسان من عبودية كل الأشياء والمخلوقات، وربطه بربه يتنسم معنى الحرية التي تسمو به عن كل معاني الابتذال والهمجية، وترفعه من حضيض البهيمية إلى كمال الإنسانية، فيصبح نومه ويقظته وعمله وراحته وصحته ومرضه عبادة يتقرب بها إلى خالقه..
فلا خوف إذا من حرب أعداء الإسلام المكشوفة فهي لا تزيد أهله إلا شدة وقوة، فقد صدق من قال: “الإسلام إذا حاربوه اشتد، وإذا تركوه امتد..”، ومن تتبع العشر سنوات الأخيرة التي استبيحت فيها أراضي البلدان الإسلامية، وأعراض النساء المسلمات، وذبح فيها الرجال كالخرفان بأسلحة الدمار والخراب لإرهاب المسلمين وإذلالهم، عشر سنوات من الإذلال والإهانة يقطع المرء جازما أن المسلمين لم يعد لهم وجود، ثم هيّأ الله أسباب أمر قضاه أعز به من شاء وأذل من يشاء، فسبحان الله قاهر الجبابرة.
إن الخوف الحقيقي على الإسلام ليس من أعدائه بل مِن جهل أبنائه بربهم ودينهم، وبُعدهم عن اقتفاء هدي نبيهم المصطفى صلى الله عليه وسلم، وامتثال سنته المطهرة، التي لما لزمها المسلمون حكموا العالم إلا قليلا، ولما تنكبوها ضلوا عن مواطن القوة ومكامن المنعة، فتداعت عليهم الأمم، فنزع الله المهابة منهم من صدور أعدائهم، وقذف في قلوبهم الوهن الذي عرفه النبي صلى الله عليه وسلم بـ: “حب الدنيا وكراهية الموت”.
فالمراد هنا ليس كراهية الدنيا وحب الموت، بل المقصود أن لا يتمكن حب الدنيا من قلوب المؤمنين تمكنا يجعلهم يفصلون بينها وبين الآخرة، فينظمون شؤونهم فيها وفق أهوائهم يصوغونها قوانين تخالف ما أنزل الله على رسوله من حق وهدى غير عابئين بشريعة الله ولا حافلين بأمره ونهيه، إذ الواجب أن تساس الدنيا بالدين حتى تفضي الحياة الدنيا إلى سعادة الآخرة.
ويبقى أبلغ رد على المستهزئين بمقدساتنا يتمثل في قيام المسلمين بحملات لا تنقطع للتعريف بهدي النبي الأكرم بين صفوف أبنائنا حتى نقوي انتماءهم لدينهم، ثم التعريف به صلى الله عليه وسلم عند كل الأجناس والشعوب ليؤمنوا به فتعتق رقابهم من النار، فمعرفة النبي صلى الله عليه وسلم هي أحد ثلاثة أصول يجب على كل مسلم ومسلمة تعلمها منذ الصغر، والعمل بمقتضياتها طول المقام على وجه الأرض، فلا تستقيم معرفة المسلم لربه عز وجل، ولا معرفته لدين الإسلام إلا إذا عرف نبيه صلى الله عليه وسلم، فهو الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فقام أصحابه رضوان الله عليهم مبلغين عنه ما جاء به من هدى ونور إلى باقي أمم الأرض.
فهو الرحمة المهداة للناس أجمعين: “وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا رَحْمَة لِلْعَالَمِينَ”الأنبياء، وهو المبشر بما أعد الله للمتقين من جنات النعيم، النذير للبشر بين يدي الساعة يحذرهم العذاب العظيم: “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ”سبأ.
وحتى لا نكون مع الأكثرية التي لا تعلم يجب علينا أن نشيع بيننا ثقافة الاعتزاز بالدين وأحكامه، وأن يحرص كل مسلم أن يلقن ابنه تعاليم الدين الإسلامي وحب نبي الإسلام واتباع سنته منذ الصغر، عملا بمقتضيات شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
إبراهيم الطالب جريدة السبيل
——————
(1 ) الحَقَب: الحبل الذي يشد به الرحل في بطن البعير.
(2 ) جامع البيان عن تأويل آي القرآن/تفسيرالطبري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *