شعور غريب ينتابك وأنت تطأ منطقة الريف بالمغرب الحبيب خاصة ما بين الحسيمة والناظور وأنت تنظر إلى الجبال الشاهقات وهي تعانق أمواج البحر فتحس أن الذين عاشوا هنا ومازالوا من عظام هذه الأمة، وإذا كنت ملما بالتاريخ، فلا محالة وأنك سترى بصمات المجاهدين وجنود الأمير الصالح محمد بن عبد الكريم الخطابي، الرجل الذي جمع الأمة على التوحيد في قبائل كانت متناثرة هنا وهناك فصنعت مجدا، ورفعت سؤددا، وأذلت المحتل وأذاقته مرارة حرب العصابات وأبكت جبابرته أمام القنابل المسيلة للدموع المحلية الصنع بالفلفل الحار. ورحل الرجل إلى ربه وترك في كل بيت خطّابيا شهما، والشهامة سيف على الأعداء لا على الإخوة من أهل البلد الواحد، رحل المجاهد البطل وما علم عنه يوما تحيز للغة أو للهجة أو لمنطقة أو جهة، ولو كان بإمكان البطل الموحد أن ينصر إخوانه في أي شبر من هذا الوطن الغالي لما تأخر ضد الإسبان أو الفرنسيين، لكن يكفيه فخرا أنه حمى منطقة الريف على شساعتها.
واليوم وبعد هذا التاريخ المجيد، والعمل الحميد، خرجت عناكب الأوهام، وخفافيش الظلام، لتلوث فضاء الريف الطاهر، وأهل الريف منهم براء.
ظهرت في الشهور الأخيرة نغمة جديدة تحن إلى أيام اليسار البائس وتقتات على العلمنة، وتستغيث بالمنظمات والجمعيات الخارجية، الإسبانية على الخصوص، ولما سكت الحكماء والعقلاء من شرفاء أهل الريف، إذ بحدثاء السن انتفشت أوداجهم، وطاشت عقولهم، ينطقون بالفسق البواح، وينادون بالكفر الصراح، عبر منتديات هي شر مما أنشأته أيادي المنصرين والتي تصدى لها طلبة القرآن في منتديات وغرف تحاصرهم وتفضح خبثهم، أما هؤلاء فما وجدوا من يسكتهم، واحتلوا جامعة سلوان بالناظور ورفعوا شعار لا للإسلام العروبي، ولن أتعرب ولو شنقوني، وتحولت الأفكار إلى ميليشيات منظمة تفزع الآمنين من طلبة العلم ويكفي أن تتحدث باللغة العربية لتصير متهما، فالقوم يعتبرون المتحدث بها مستعمِرا يجب إخراجه بقوة السيف، وعميلا للنظام بزعمهم.
ورفعت هذه العصابة والتي تتقوى يوما بعد يوم وتنفث سمومها في أوساط التلاميذ والطلبة، رفعت أعلام كوبا والحركة الأمازيغية ورفضت أن ترفع راية المغرب في كثير من التظاهرات معلنة خروجها وعصيانها الديني والوطني، وعظمت صور كاسترو وشيكيفارا وماركس و…
ولا تتوانى في إعطاء ولاءها الى العلمنة، يقول أحدهم في إحدى المنتديات: إن طرح الحركة الأمازيغية اليوم وحملها لمطلب علمنة الدولة المغربية، دليل على بدء انشغالها بالقضايا السياسية التي تهم الشعب ومصالحه..وبهذا تكون إرادة فتح ملف العلمانية لدى الحركة الأمازيغية مقرونا في العمق بسؤال الحداثة السياسية.. كان الشعب الأمازيغي شعبا علمانيا بامتياز على مر التاريخ وحتى حدود ظهور الحركات الاستعمارية في المنطقة مع بداية القرن العشرين، وقد عبر الشعب الأمازيغي عن خياره هذا من خلال مؤسساته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي تشرع قوانينها العرفية بشكل جماعي يشارك فيه الجميع، وتلزم الجميع بعيدا عن القدسية والتقديس.
وفي مقال مشابه بعنوان “الأمازيغية والإيديولوجيا العربية” يصف الفاتحين العرب مشبها لهم بالاستعمار اليهودي الصهيوني، والمثال نفسه ينطبق على القوميين العرب الذين سمموا مجتمعنا الأمازيغي بالإيديولوجيات العربية القومية التي أقاموها على أساس عروبة شمال إفريقيا وذلك بتدريسنا تاريخا مزيفا كُتب بأقلام مأجورة لا وطنية مبنية على عروبة الأمازيغ بأرضهم ولغتهم وثقافاتهم وتقاليدهم وانتمائهم للعالم والوطن العربي من المحيط إلى الخليج، وإلى آخر العبارات والشعارات العربية المزيفة للتاريخ النبيل .
ليؤكد في الأخير على أن الأمازيغ -وكأنهم رشحوه إلى هذا الأمر- أصبحوا في أمس الحاجة إلى اعتذار رسمي من طرف المستعمرين العرب الذين ما زالوا إلى حد الآن أحياء يرزقون ومستمرين في تكريس إيديولوجيتهم العربية، تجعلهم يتجاوزون حالة العقاب الجماعي الذي تعرضوا له طيلة القرون الماضية وإلى حد الآن، والمنطلق في ذلك هو دسترة الأمازيغية كلغة وطنية ورسمية في ظل دستور ديمقراطي شكلا ومضمونا يقر بفصل السلط وفصل الدين عن السياسة وتحقيق مطالبنا وحقوقنا العادلة والمشروعة التي لا تقبل التجزيء.
وبعد كل مقال تقابلك صورة شيكيفارا يدخن سيجارة أو يحمل سيفا كتوقيع رسمي لأصحابها.
ولا تخفي هذه المجموعة الضالة دعمها وإشادتها بالانفصاليين في الصحراء المغربية وتتابع أخبارهم وتجعلهم أبطالا على اعتبار أن عرب المغرب مستعمرون للبلاد.
وقد وصلت كراهيتهم للدين والتدين درجةً عبر عنها أحدهم بقوله: “أشعر أن علي أن أغسل يدي كلما سلمت على إنسان متدين”، في إشارة واضحة إلى كراهية الإسلام ومن يمثلونه، لهذا لا يخجل هؤلاء من جعل مجلة نيشان ومن يسير سيرها في أفق الفكر وقمة العقلنة ونموذجا وجب الإحتداء به.
كلمة أخيرة لابد منها
إننا بهذا المقال لا نبغي زرع فتنة أو بث عداوة بين المغاربة، وإنما هي رسالة إلى الحكماء والعقلاء والشرفاء من أهل الريف وما أكثرهم بل هم سواد الريف الأعظم رجالا ونساء، دعوة إلى الوقوف أمام عصابة العلمنة والانفصال هذه وتذكيرها أن المغرب في غنى عن أفكار استُهلكت وعفا عنها الزمن، وأن الثورة التي يتوعدون المغاربة بها، هي أن تبني وتصلح وتحاور من تخالفه وتتعاون معه وإن اختلفت الرؤى والأفكار ما دام الدين واحدا والوطن واحدا، الثورة أن نحصن الأبدان من هدر كل قطرة دم، والأفهام من كل وسوسة فكر، قد تجعلنا عراقا آخر، يكون المستفيد الوحيد هم أعداء الدين والوطن.
فالأرض لله الواحد الأحد يورثها من يشاء والبقاء فيها ليس للأقوى أو للمتسلط بل للأنفع والأصلح. ولن أتعلمن ولو شنقوني، ونعم للإسلام عربا وأمازيغ.