على الدعاة ألا يقتصروا في أساليب الوعظ والتدريس على القصص، كيلا ينشغل المستمعون بالقصة عن المقصد، ولئلا تنصرف قلوبهم إلى الاستمتاع بالقصص عن الاستفادة من الموعظة، بل الواجب تأصيل الأمر التربوي والدعوي من خلال أدلته الثابتة بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، على ما هو معروف في أصول الفقه، ومنهج الاستدلال، ثم تذكر القصة للعبرة، وبيان التطبيق العملي، وشد انتباه السامع إلى معايشة المعنى واقعياً، فلا تكون القصة بذاتها مصدراً للاستدلال والتشريع.
قال ابن الجوزي رحمه الله: “ذُم القُصَّاصُ لأن الغالب منهم الاتساع بذكر القَصَصِ دون ذكر العلم المفيد، ثم غالبُهم يُخَلِّط فيما يورده، وربما اعتمد على ما أكثره محال” انتهى.”تلبيس إبليس” (134).
قال الإمام أحمد: “القَصَّاص الذي يُذَكِّر الجنة والنار والتخويف، وله نية وصدق الحديث، فأما هؤلاء الذين أحدثوا من وضع الأخبار والأحاديث فلا أراه” انتهى. “الآداب الشرعية” لابن مفلح (2/85).
ولتحقيق الغاية من القصص في الدعوة إلى الله، والتأثير في قلوب الناس، لا بد من توفر بعض الميزات في هذه القصص، كي تقع في القلوب الموقع الصحيح، فمن ذلك:
1- أن يتحرّى الواعظ الصدق فيما ينقله من قصص وأخبار؛ فإن الواقعية والمعقولية في ذكر القصص لعامة الناس طريقان سريعان للتقبل والعمل، ليس على الأمد القريب فحسب؛ بل حتى البعيد أيضاً، وانظر إلى وصف الله تعالى قصصه في القرآن بقوله: (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ)، متأملاً أثرها الخالد إلى يوم القيامة.
وعليه: فمن الخطأ أن ينظر الواعظ ما سيحصل بين يديه من التأثر بما لم يثق فيه من القصص المؤثرة، مقابل أن يهمل مصداقيته المستقبلية في وعظه.
2- الحوار، ويشمل الحوار الشفهي أو الحوار النفسي الذي يشف ما في نفس بعض أطراف القصة بدون ما يتفوه به، ليصف في بعض المشاعر والخلجات، وهذا من أكثر ما يؤثر في النفس.
3- التركيز على المواطن المؤثرة، وذكر بعض التفاصيل التي تكمل المشهد في ذهن المتلقي من دون إيراد الجزئيات التي ربما ندّت بعقل المستمع عن المطلوب.
4- جودة البدء، وإحكام النهاية، فإن في البداية تشويقاً وجذباً، وفي النهاية عنصر المفاجأة، وعنصر الاتعاظ، من هنا قال الله تعالى في آخر سورة يوسف: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).
5- أن يراوح الداعية بين قصص السابقين والمعاصرين، فإنه لا يشك أحدنا أن حكايات السلف رحمهم الله في زهدهم وورعهم وتعاملهم مع الله تعالى وخلْقِه فيها من كنوز الوعظ والتذكير ما تطرب له القلوب، وتهتز له المشاعر، ولكن لما كان في المجتمع فئة تستبعد الوصول إلى حالهم، كان على الواعظ أن يذكر صفحات مضيئة من أحوال الأتقياء والعاملين المخلصين في هذا الزمان، حتى يقْرُبَ المثال، ويُتصور التطبيق.
6- أن يوثق الداعية قصته بذكر مرجعها، أو سندها، ولو كانت من قصص المعاصرين، لتزيد ثقة الناس فيه.
إذا توفرت هذه المرتكزات في قصصنا، ستترك بإذن الله تعالى أثراً كبيراً في نفوس الناس، فكم قصة غيرت حياة إنسان، وكم قصة تركت من الأثر ما لم تتركه كثير من المحاضرات والكتب. (انظر أثر القصص الدعوية في الدعوة إلى الله؛ د. فيصل الحليبي).