اغتنام الخيرات في شهر البركات طارق برغاني

قد يتميز شهر رمضان عن غيره من شهور السنة بمجموعة من المميزات، كتغير نظام الأكل والنوم وأوقات الفراغ التي قد تكون أوفر مما في غيره من الشهور، خاصة وأنه يتزامن هذه السنة مع العطلة الصيفية، إلا أننا نجد قلة من الناس من يهيئون أنفسهم قبل هذا الشهر استعدادا لاغتنام خيراته باعتباره فرصة فريدة لنيل الرحمة والمغفرة من الله تعالى، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إِذَا جَاءَ رَمَضَان فُتحَتْ أَبْوابُ اَلْجَنَّةِ وَغُلّقَتْ أَبْوابُ اَلنَّارِ وَصُفِّدَت اَلّشيَاطِين” صحيح مسلم:1079، فهذه أخي القارئ عدد من الطاعات لتحصيل الأجر العظيم لهذا الشهر الكريم، والله المستعان.

صوم القلب والجوارح قبل صوم البطن والفرج
فضل الصوم عظيم وجزاء الصائم لا يعلمه إلا الله تعالى، والصوم جنة وحجاب وهو وقاية للمؤمن من الوقوع في المعاصي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَجْهَلْ، وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَو شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ” صحيح البخاري:1894، فيجب على كل صائم أن يستحضر هذه الغاية أثناء صومه، وبذلك يخرج من دائرة من قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم: “رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهَ إِلَّا اَلْجُوعُ” سنن ابن ماجة:1690.

تجديد التوبة والإقلاع عن المعصية
رمضان أعظم محطة لمراجعة النفس ومحاسبتها وهو بداية للانطلاق في مرحلة جديدة من الاستقامة، والتخلص مما مضى من الذنوب، وهو كذلك فرصة ثمينة للإقلاع عن جميع ما قد يبتلى به العبد من أصناف المخدرات، قَالَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِر” صحيح مسلم:233، والسبيل إلى ذلك إخلاص النية لله تعالى وصدق التوبة والندم على ما فات والعزم على عدم العودة مع لزوم الاستغفار.

المواظبة على صلاة الجماعة في المسجد
صلاة الجماعة دليل على إيمان العبد، والالتزام بها معين على الحفاظ على الصلوات المفروضة، التي هي كفارة لما بينها من الذنوب فيبقى العبد نقيا طاهرا كأنه يغتسل أثناء كل صلاة مما قد يقترفه من خطايا، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: “أَرَأَيْتُمْ لَو أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟ قَالُوا: لَا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ، قَالَ: فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا” صحيح البخاري رقم: 528.

تلاوة القرآن الكريم
رمضان شهر القرآن وقد خصه الله تعالى بهذا الفضل على سائر شهور السنة، يقول الله تعالى: “شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ” البقرة:185، فاغتنام هذا الشهر بتخصيص ورد بعد صلاة الصبح وآخر بعد صلاة العصر، لتلاوة حزب أو حزبين من القرآن الكريم في كل ورد مع المواظبة عليه، ييسر للعبد إتمام ختمة أو ختمتين وكلما زاد العبد على ذلك كان أجره أعظم، وقد يكون رمضان فرصة للشروع في حفظ شيء من كتاب الله تعالى أو بداية لإتمام حفظه كاملا، وذلك بوضع برنامج خاص يتلاءم مع قدرة الشخص ووقته المتاح.

ذكر الله تعالى
ذكر الله عز وجل له أجر عظيم، فعندما يقترن بعبادة الصوم وبخشوع القلب واستحضار عظمة الخالق عز وجل في هذا الشهر الكريم، فإن أجره يضاعف، ولاغتنام فضل هذا الباب، لا بأس من تعيين وقتين لتليين اللسان بما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من أذكار صباحا ومساء. وفي أي لحظة تتيح ذلك.

المحافظة على الرواتب والتراويح
الرواتب قربة إلى الله تعالى، وهي تؤدى متفرقة في أوقات مخصوصة في البيت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ” رواه مسلم:728، وقد خص الله تعالى رمضان بنافلة مخصوصة زيادة في الأجر وجبرا لما قد يعتري الفرائض من نقص، وهي صلاة التراويح، فعن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ القَارِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إِلَى المَسْجِدِ، فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ، يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ، وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلاَتِهِ الرَّهْطُ، فَقَالَ عُمَرُ: “إِنِّي أَرَى لَو جَمَعْتُ هَؤُلاَءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ، لَكَانَ أَمْثَلَ” ثُمَّ عَزَمَ، فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاَةِ قَارِئِهِمْ، قَالَ عُمَرُ: “نِعْمَ البِدْعَةُ هَذِهِ” صحيح البخاري:2010، لكننا وللأسف نرى كثيرا من الناس يتهاونون بهذه النافلة أولا يؤدونها كاملة مع الجماعة، وربما نجد الكثير من هؤلاء يجتمعون في المقاهي، وقد يكون المسجد بجوار المقهى وهم يستمعون لقراءة الإمام ولا يغتنمون هذا الأجر، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

تحري ليلة القدر في العشر الأواخر
ليلة القدر من أشرف ليالي السنة مكانة وأعظمها فضلا، ورغم اختلاف أقوال العلماء في تحديدها، فقد أخفاها الله تعالى في العشر الأواخر من الشهر، قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي الوِتْرِ، مِنَ العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ” صحيح البخاري:2017، وذلك حتى يجتهد المؤمن في تلك الأيام متحريا إياها بقيام الليل وتلاوة القرآن والذكر والدعاء.

التصدق وأداء زكاة الفطر
الصدقة برهان على إخلاص الطاعة، والعبد في شهر رمضان قد يستشعر أكثر مما في غيره من الشهور حاجة الفقراء والمساكين للصدقة والإطعام، لما يحسه من مشقة الجوع والعطش، فيكون ذلك حافزا له على المبادرة إلى التصدق، كما أن فضل زكاة الفطر كبير فهي بمثابة تطهير لنفس المؤمن من شوائب اللغو والرفث فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: “فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْو وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ”. رواه أبوداود:1371.

صلة الرحم
شهر رمضان مناسبة خاصة لاغتنامه في زيارة الأقارب والأحبة، وإحياء أواصر المحبة والمودة بين الأسر والعائلات، وهذا باب عظيم من أبواب الخير، فقد يجد الإنسان نفسه أحيانا مقصرا من هذه الناحية نظرا لكثرة انشغالاته ولتعدد التزاماته، فلا بأس من ترتيب بضع زيارات خلال هذا الشهر لصلة الرحم، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أحب الأعمال إلى الله إيمان بالله، ثم صلة الرحم، ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وأبغض الأعمال إلى الله الإشراك بالله ثم قطيعة الرحم” صحيح الجامع:166.

استغلال الوقت فيما يفيد
الوقت رأسمال ثمين والعبد مستأمن عليه ومسؤول عن توظيفه، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “اِغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْل خَمْسٍ: شَبابَكَ قَبْلَ هَرَمِك، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِك، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِك، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِك، وَحَياتَكَ قَبْلَ مَوْتِك” صحيح الترغيب والترهيب:3355، وشهر رمضان هذه السنة يصادف العطلة الصيفية، فيكون معظم الوقت في متناول العبد وقد نجد للأسف أن كثيرا من الناس قد يقضيه في النوم أو مشاهدة التلفاز، في حين أن الواجب هو اغتنامه في الخير، والصواب هو استعماله فيما يعود بالنفع على الفرد والمجتمع في الدنيا والآخرة، وذلك بالتخطيط الجيد له ووضع برنامج لتنظيمه وحسن استغلاله.
نسأل الله عز وجل أن يبلغنا رمضان، وأن يعيننا على حسن اغتنامه فيما يحبه ويرضاه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *