سلسلة منطلقات الخلاف بين أطياف السلفية المعاصرة 20 البيان العالمي لقتال اليهود والأمريكان والصليبيين )ربيع القاعدة( إعداد: مراد أمقران

بادر الفصيل القاعدي تحت قيادة طارق الفضلي إلى تنفيذ سلسلة عمليات باليمن، قص شريط غمرتها من خلال هجومه الكاسح على فندق (جولدن مور) بعدن في أواخر عام 1992م قبل أن يتبعها بعملية نوعية استهدفت عدة طائرات على مدرجات مطار القاعدة الجوية الأمريكية في عدن 1993م.
بداية من عام 1994م وبعد خروج القوات الأمريكية من أرض الصومال فضل تنظيم القاعدة تغيير استراتيجيته التموقعية في الانتشار والمحدودية في التمدد، وخلص إلى أن بلدانا مثل شرق إفريقيا الهشة تشكل أرضا خصبة للعمل على تعزيز المكون القاعدي، مما دفع ب(أيمن الظواهري) إلى إرسال كل من (محمد صادق عودة) أحد المتهمين الذين تم اعتقالهم فيما بعد في الولايات المتحدة بتهمة الاشتراك في عملية تفجير سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي ودار السلام و(علي الرشيدي) المشهور بأبي عبيدة البنشيري أحد أهم الكوادر العسكرية للتنظيم في ذلك الوقت إلى كينيا.
وقد نجح (أبو عبيدة البنشيرى) خلال ثلاث سنوات فقط من إرساله إلى كينيا في إقامة تمركزات وقواعد جديدة للقاعدة في منطقة شرق أفريقيا، حيث عمد إلى تشكيل مجموعات قتالية مؤلفة من العرب والأفارقة والتي ساهمت فيما بعد في تنفيذ الهجوم الضخم على سفارتي الولايات المتحدة في كل من نيروبي ودار السلام
فضل أيمن الظواهري شرق إفريقيا وبالضبط كينيا كساحة للالتقاء والتجنيد والإعداد، واستغل المزايا التي تمنحها السلطات الكينية للسائحين في الدفع بعدد كبير من الكوادر التي سبق لها القتال في أفغانستان “الأفغان العرب” لدخول البلد الإفريقي تحت ستار السياحة، لكن مخطط (أيمن الظواهري) سرعان ما أصيب بارتباك شديد على إثر تعرض (أبو عبيدة البنشيرى) لحادث غامض أودى بحياته غرقا في بحيرة فيكتوريا عام 1996م.
لم يستطع تنظيم القاعدة استيعاب الآثار السلبية التي خلفها رحيل القائد المجرب (أبي عبيدة البنشيرى) إلا بعد مرور فترة طويلة حينما استطاع الظواهري ملء الفراغ المترتب على رحيل البنشيري من خلال الدفع بعنصر يمتلك نفس المقومات القيادية التي كان يتميز بها القائد السابق، حيث وقع اختيار الظواهري على صبحي أبو ستة الشهير بـ”محمد عاطف” أو “أبو حفص المصري” صهر أسامة بن لادن الذي اشتد عوده على تربة (تنظيم الجهاد) المصري والذي يعتبر من قادة الأفغان، العرب ناهيك عن اتفاق كان قد أبرمه أسامة بن لادن مع محمد فرح عيديد يقضي بإنشاء عدد من معسكرات التدريب لتنظيم القاعدة في المناطق الخاضعة لحزب الاتحاد الصومالي مقابل مبالغ مالية يضعها أسامة بن لادن رهن إشارة الحزب الصومالي
كان عام 1996م عاما حافلا بالحركية والتمدد بالنسبة لتنظيم القاعدة وهو العام الذي حاول فيه قائده الميداني (أيمن الظواهري) المزج بين مختلف الجيوب الجهادية المنتشرة عبر العالم وإذابتها في قالب توليفة تنظيمية مشتركة، فطرح الرجل بالتالي خطة استراتيجية نوعية أبانت عن علو كعبه في التجارب الميدانية الهائلة التي راكمها عبر الوقائع والأحداث التي طبعت حياته في مصر وأفغانستان، وكانت الخطة تتلخص بالأساس في ثلاث نقاط كان لها عظيم الأثر في تدعيم أساسات التنظيم وتماسكه وتمدده إلى يوم ما قبل ظهور تنظيم الدولة في نكهته الجهادية المعروفة…
1- دعم الفصائل الجهادية بدول القفقاز وطاجيكستان وأوزبكستان وتركستان الشرقية (الصين) وداغستان والبوسنة في محاولة منه لاستيعابها في قالب التنظيم.
2- تواجد ميداني مكثف لعناصر التنظيم بدول إثيوبيا وكينيا والصومال وجيبوتي.
3- دعم التنظيم للشبكات الإسلامية التي كانت تتحرك تحت العباءة الدعوية أو الاجتماعية بالأموال وغالبية تلك الشبكات تتموقع في أمريكا وبريطانيا وألمانيا ..(وكان لهذه الشبكات اليد الطولى في تنفيذ هجمات لندن ومدريد ونييورك وواشنطن ..وقد اصطلح عليها فيما بعد بالخلايا النائمة في أمريكا وأوربا وتطور المصطلح لاحقا على وقع الهجمات التي ينفذها تنظيم الدولة مؤخرا في الغرب ليكون الذئاب المنفردة التي بشر بها الكاتب الجهادي أبو بكر ناجي في كتابه “إدارة التوحش”).
وقبل نهاية عام 1996م بشهرين أرسل (تنظيم القاعدة) رسالة شديدة اللهجة للنظام المصري الذي أعلن حربا شعواء طويلة الأمد على الإسلاميين في مصر من خلال تنفيذه لعمليتين اثنتين…
1- قام التنظيم بمعية كوادر من الجماعة الإسلامية بمحاولة اغتيال الرئيس المصري (محمد حسني مبارك) أثناء تواجد الأخير بالعاصمة الإثيوبية (أديس أبابا) لكن الأجهزة الأمنية المصرية تمكنت من إحباط العملية وافشالها.
2- قام التنظيم بتفجير السفارة المصرية في باكستان ليرسل رسالة شديدة اللهجة للوفود الأمنية المخابراتية المصرية التي كانت تتخذ من السفارة المصرية في باكستان مركزا لمتابعة عناصر القاعدة، كما اشتمل التفجير أيضا على رسالة ثانية وجهها التنظيم لحكومة (بناظير بوتو) التي كانت قد أعلنت انخراط بلادها في الحرب على الإرهاب والقاء القبض على الأفغان العرب المتواجدين على أراضيها.
تأسيس (الجبهة العالمية لقتال اليهود والأمريكان)
تواصل قادة (تنظيم القاعدة) مع جهاديين في مناطق مختلفة من العالم وتسنى لهم التواجد والتمدد على كل الخريطة العالمية تقريبا وهذا ما أعطى للتنظيم بعدا عالميا وزخما إعلاميا كبيرا.. وفي فبراير من عام 1998م فوجئ الرأي العام العالمي ببيان وقعه عدد من قادة الحركات الإسلامية الجهادية في العالم وعلى رأسهم (أسامة بن لادن) و(أيمن الظواهري) و(رفاعي طه) رئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية بمصر و(منير حمزة ) ممثل جمعية علماء باكستان (وفضل الرحمن أمير حركة الجهاد في بنجلاديش أعلنوا فيه عن تأسيس تكتل جهادي عالمي أطلقوا عليه الجبهة العالمية لقتال اليهود والأمريكان والصليبيين،
وأكد الموقعون في بيانهم على أن حكم قتال الأمريكيين وحلفائهم مدنيين كانوا أم عسكريين فرض عين على كل مسلم أمكنه ذلك في كل بلد تيسر فيه قتالهم حتى يتحرر (المسجد الأقصى) والمسجد الحرام من قبضتهم، وحتى تخرج جيوشهم من كل أرض الإسلام مشلولة اليد كسيرة الجناح عاجزة عن تهديد أي مسلم…
وكان هذا البيان الوعيدي بمثابة إعلان حرب صريحة من قبل التنظيم على كل العالم تقريبا وعن بداية مرحلة جديدة من مراحل المواجهة.
يقول (ايمن الظواهري) في كتابه “فرسان تحت راية النبي” مسلطا الضوء على الاستراتيجية الجديدة التي يتبعها التنظيم “وجب علينا نقل المعركة إلى أرض العدو (في إشارة الى أمريكا والغرب) حتى تحترق أيدي من يشعلون النار في بلادنا.
عقب الإعلان عن قيام الجبهة بدأت مطاردة محمومة شملت العديد من دول العالم قادها رجال المخابرات الأمريكية ضد (تنظيم القاعدة) و(تنظيم الجهاد) المصري وراحت المخابرات الأمريكية تطارد العناصر التابعة للتنظيمين في كل بقعة من بقاع العالم، ولم يظل قادة التنظيمين مكتوفي الأيدي حيث بادروا بدورهم إلى الرد بقوة عبر تنفيذ عمليتين كبيرتين هزتا كل من (نيروبي ودار السلام أو أديس ابابا).
اعتقلت المخابرات الأمريكية ثلاثة من قادة (الجماعة الاسلامية) المصرية أثناء تواجدهم في (ألبانيا) وأرسل (أيمن الظواهري) كردة فعل منه بيانا شديد اللهجة متوعدا فيه بالانتقام من أمريكا وحلفائها.. وبالفعل لم تكد تمر سوى ثلاثة أيام فقط على البيان حتى دوى انفجار هائل بمحيط السفارتين الأمريكيتين بكل من (نيروبي) الكينية و(أديس أبابا) الأثيوبية واللتان كانتا تضمان مكاتب سرية للوكالة الاستخبارية الأمريكية.
وبعدها بعام واحد فقط تمكن التنظيم من توجيه صفعة جديدة شديدة لأمريكا وذلك من خلال تنفيذه لعملية نوعية بعدن اليمينة اصطدم فيها عنصران من التنظيم (خالد المحضار ونواف الحازمي) كانا على متن قارب مطاطي بالمدمرة (يو.اس اس كول)..وقد حصد الانفجار أرواح تسعة عشر جنديا أمريكيا وإصابة المئات بجروح مختلفة.. ليحرز التنظيم بذلك على أكبر إنجازاته بتحقيق النكاية في الترسانة البحرية الأمريكية.
ليعلن التنظيم بالتالي وبشكل رسمي قص شريط محطة جديدة في إدارة أكبر وأخطر صراع شهدته العشرية الأخيرة، تم النفخ في لهيبه المستعر عبر هجمات 11 شتنبر وما زالت شظاياه تتقد على خشبة المسرح العالمي إلى يومنا الحاضر هذا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *