الأستاذيــة الساديــة امحمد الخوجة

لا تتقدم الشعوب والأمم ولا تجد مكانها بين المجتمعات المتقدمة إلا إذا كان تعليمها يعرف جودة على جميع مستوياتها؛ بدءا من المدخلات وانتهاء بالمخرجات، هذه الأخيرة هي التي لا تتحقق جودتها إلا بتحقق كثير من المعطيات، ومن بين هذه المعطيات وعلى رأس هرم جودة المخرجات، يقبع المدرس الذي بدون اجتهاده وتحيين مادته المعرفية بما يساير الواقع تجد العملية التعليمية التعلمية لا ترقى إلى تطلعات المتلقي ولا إلى الجهة المسؤولة التي تسعى إلى أهداف معينة ينبغي توفرها في المتعلم.
وبالتالي تحصل الانتكاسة التي يكون سببها الأول والأخير هو المدرس، لأنه مهما وجهنا أصابع اللوم إلى غياب المناهج المحبوكة التي تراعي ظروف وتغيرات الأمكنة المتعلقة بالمتعلم… فإن اللوم يتوجه أكثر إلى المدرس لأنه هو صانع القرار داخل فصله، وله الحق في أن يصوب ويسدد ويقارب، بل له الحق في تعديل الدروس التي يجمعها موضوع واحد مثلا، لاسيما ونحن نعلم أن الدماغ البشري يقبل على الكليات أكثر من إقباله على الجزئيات المتناثرة، بل إن المتعلم يجد صعوبة بالغة في جمع تلك الجزئيات.
ولعل وضع المتعلم في صلب العملية التعليمية التعلمية أمر بات لا مفر منه إلا أن وضع المتعلم في الحسبان يتطلب منا صبرا وسبرا، صبرا على ما يلاقيه المدرس في مواجهته للمتعلم وخصوصا المراهق، وسبرا لتجميع الآليات والأساليب البيداغوجية التي تيسر العملية التعليمية، ولاشك أن تجاهل المدرس لهذه الأمور وغيرها من الأمور الكثيرة والتي تدخل في عدة وعتاد المدرس تجعل المدرس لا يبحث عن الجديد ولا يكلف نفسه عناء البحث بل يقبل بما استهلكه مع الفئة المستهدفة على طول طريق اشتغاله.
لذا فقد تجده يكتفي بوضع جذاذة واحدة للدروس منذ أن بدأ عمله كمدرس، وربما قد تغيب جذاذته نهائيا، وعند حضور المفتش التربوي “يعيرها” من أحد زملائه، فكيف يسهم هذا الفعل في جودة المخرجات مع وجود هذا المدرس” الكسول” ؟الذي تجد درسه غالبا ما يطبعه الروتين والملل، فمثل هذا المدرس “المحترم” تجده لا يعير اهتماما للمتعلم لا من الناحية السيكولوجية ولا السوسيولوجية، وغالب اشتغاله يتلخص في قوله للفئة المستهدفة: أين؟ ولماذا؟ على السبورة، ومعناه، أنه لا يريد متعلما أن يسأله أو يشاركه في بناء الدرس، مع العلم أن ثراتنا الإسلامي يزخر بما يشير إلى الإشراك في التعلم والعلم بالأشياء.
ففي سورة “البقرة” نجد الحق سبحانه يبين لإبراهيم كيفية إحياء الموتى مع طلبه منه بأن ينظر إلى أجزاء الطائر وهي تسري فيها الحياة، وهذا في حد ذاته إشراك إبراهيم من أجل الفهم، وأما عزير، الذي تساءل عن استحالة حياة أهل القرية مرة أخرى، فإن الحق سبحانه مارس عليه الفعل فأماته مائة عام.
ومنه نستفيد أن السائل عن فرائض الصلاة مثلا، أن نطالبه بأن يصلي أمامنا لنوقفه على فرائضها، وعلى أي هناك نصوص كثيرة في تراثنا يمكن الاستفادة منها، ومن تم على المدرس ألا يكتفي بإلقاء وصب المعلومات الجاهزة التي حفظها عن ظهر قلب مع مرور الزمن وشحنها في أدمغة المتعلمين، طالبا منهم رد بضاعته إليه أثناء المراقبة، ضاربا بالكفايات والمهارات التواصلية واللغوية والحركية… عرض الحائط.
هذا النوع من المدرسين غالبا ما يظنون أنفسهم أنهم مالكين للمعلومة مع اعتقادهم بجهلها التام من طرف المتعلمين، مع العلم أن هؤلاء تكون لهم تمثلاث مسبقة قد تكون صحيحة وقد تكون خاطئة وما على المدرس إلا تعديلها وتوجيها وتصويبها إن كانت خاطئة، وعموم القول أن المدرس الذي لا يقبل بإشراك المتعلم في بناء التعلمات، ولا يقبل بإجابة المتعلم الخاطئة، ويلقي له ما في جعبته من معارف كثيرة تثقل كاهله وتقتل فيه روح الخلق والإبداع هو مدرس سادي يتمتع بتعذيب متعلميه بالطريقة التي يراها مناسبة على حساب التعليم، لا يطمئن قلبه إلا بتكليف الفئة المستهدفة بتكليفات تعجيزية قد يعجز هو نفسه عن الإجابة عنها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *