في الحلقة السابقة تم الحديث عن مؤتمر عقد في ضريح مولاي عبد السلام بنمشيش بجبل العَلم، شارك فيه ممثلو قبائل اجبالة والريف واتخذوا قرارات هامة تم استعراض بعضها، ونواصل استعراض الباقي في هذه الحلقة.
ظهر المسؤولون الإسبان لحد الآن وهم جد متفائلين بانتصارهم عن القبائل الجبلية وحلفائهم من الريف، لرفع الحصار عن تطوان وخاصة المعمرين الذين عزلوا عن ضيعاتهم ومشاغلهم، وكانوا سببا في انقطاع العلاقات بين المدينة ومحيطها تدريجيا، مما جعلهم يرفعون أصواتهم بوجوب معاقبة وزجر محاصري المدينة باعتبارهم المتضررين المباشرين من ذلك الحصار.
وهكذا لاح في الأيام الأخيرة من ماي مخطط عام جاهز من أجل تنظيم الربط بين تطوان والعرائش عبر الفندق، وكذا المنطقة الدولية التي تم تأمين حمايتها من القوات الجبلية، حيث وضعت الخطوة الأولى لتهدئة قبيلة أنجرة الموجودة بين لبحر ومركز تواجد الكلون الإسباني، وقد سخر لذلك قوات هامة.
ففي فاتح يونيو وصل أزيلا فوجان وثلاث سرايا وفوج جبال وقافلة ذخيرة وإسعاف.
توصل مركز ثلاثاء ريسانة بحوالي 250 رجلا، كما أضيف 500 من الفرسان لما في سيدي اليمني، أما تطوان فقد جاءتها إمدادات جديدة من سبتة ومليلية، وقبل وصول المخطط الإسباني رسميا لتطوان، كان قد شرع في تنفيذه لأن الأهالي لم يمهلوهم إذ أمر قائدهم بالقيام بمهاجمة كلون سلفستر عبر حركة صغيرة منطلقة من جهة الغرب حتى يمنعوه من تحريك القوات المعسكرة في أزيلا لإغاثة القوات الإسبانية المحاصرة بتطوان.
لم ينتظر اجبالة الوقت المناسب للإسبان حتى يتحركوا، بل قاموا ليلة 4 و5 يونيو في 1500 بندقية بهجوم متزامن على مركز ثلاثاء ريسانة ومركز سيدي اليمني حتى وصلوا لمشارف خنادق دفاعاتها، لكن إمدادات إسبانية قدمت من أزيلا نجحت في حماية المركزين والحيلولة دون سقوطهما بالدفاع عنهما.
الكلون الأساسي في أزيلا تحرك بدوره في نفس وقت تحرك الإمدادات للمركز ضد الحركة من أجل ردها للخلف محدثا بها أضرارا بليغة، وقد ارتأى الكلونيل سلفستر بعد العملية ألا يضيع جهوده في الدفاع عن مركزين صغيرين يصعب الدفاع عنهما وحماية الأمن في طريق طنجة في نفس الآن بعدما أصبحت كل البلاد قائمة ضد الإسبان، فقرر تركيز كل القوات في أزيلا مستقدما كتيبة من العرائش للاستعانة بها بعدما جاءت لتلك المدينة كتيبة جديدة من بيتسول.
تزامنا مع مهاجمة الثوار مركز سيدي اليمني قاموا بمهاجمة مركز جبل درسة وآخر على طريق سبتة الذي تراجعت عناصره لمدينة تطوان، كما تلقى مركز بوصفيحة المراقب لقنطرة طريق طنجة على واد مرتيل أمرا بإخلائه ومغادرة عناصره نحو المدينة.
بالرغم من تسجيل عدة حوادث يومية لم يسجل أي هجوم على تطوان بعد، لكن ارتفاع منسوب قلق السكان ولد عدة شائعات جد متشائمة بينهم.
يوم 7 يونيو وصل المدينة دعم جديد عبارة عن كتيبتي مشاة وكوكبة فرسان وبطارية رفعت عدد القوات المتواجدة بالمدينة لحوالي 9000 رجل.
يوم 9 يونيو تم استعراض أربعة كلونات في ساحة المدينة، كما تم إطلاق النيران على كتيبة معسكرة في طرف المدينة.
في الغد تحرك كولون مكون من 1200 جندي متوجها نحو سامسا على بعد ثلاث كلم من تطوان على طريق طنجة، وفي الطريق تبادل عدة طلقات مع السكان.
أخير يوم 11 يونيو احتل الإسبان شوكة اللوزيين المتحكمة في قنطرة بوصفيحة الموجودة على بعد 150 مترا من المركز الذي يبعد عن المدينة بسبع كلم ويغطيها بشكل جيد لأنه يجعل ثلاثة أودية تؤدي لشفشاون والفندق وأنجرة في مرمى نيران مدفعيته.
يوم 11 يونيو، كلون قوي مكون من ثلاثة كتائب وبطاريتي جبال وكوكبتي فرسان بقيادة الجنرال بريمو ديريفيرا خرج من تطوان على الساعة الثالثة صباحا، فاحتل اللوزيين في الخامسة صباحا دون مشاكل، وشرع في إنشاء قاعدة ثابتة به، وتم مواصلة الأشغال في الغد، فقدم النجريون في الصباح بكثافة وصاروا يزعجونه بشكل ضايق الكلون خاصة بعدما تقووا بإمدادات متتالية محاولين الاستيلاء على بطاريات المدفعية التي كانت تقنبلهم.
ولما بلغت الأنباء لتطوان أقام الجنرال ألفو في العاشرة صباحا معسكرا مؤقتا في غرب المدينة متخذا الاستعداد لتوقيف الهجوم المتهور للنجريين الذين يريدون قطع الاتصال عن المدينة.
قامت كتيبة وثلاث سرايا فرسان باعتلاء مرتفعات طريق طنجة لحماية تراجع مفرزة بريمو ديريفيرا من أجل الراحة بعدما عانت من الهجمات المتهورة لأعداء قساة، وقد دخلت القوات المتراجعة لمعسكرها بالمدينة على الساعة الثامنة والنصف صباحا.
لقد خلفت المواجهات السالف ذكرها عدة خسار في الأهالي، أما في الجانب الإسباني فقد أصبح لديه 200 عنصر خارج الخدمة، فيهم 10 قتلى و150 جريحا، وقد تركت في اللوزيين مفرزة جر تموينها معركة جديدة خلفت في صفوف الإسبان 25 قتيلا و120 جريحا.
لقد ظهر جليا حجم معاناة اجبالا من جراء الهجمات وردها، مما جعل مقاومتهم تخف تدريجيا، فسارت طلائع استطلاعهم المسير نحو تطوان أقل مما كانت في البداية.
يوم 18 يونيو، هيأ الثوار عملية كبيرة منسقة مشتركة جعلت الكولونيل سلفستر يتحول نحو الغرب بقواته ليقترب من الشاطئ التي كانت به إحدى البوارج الحربية قد اتخذت وضعا قتاليا على جانبي المضيق.
كما خرج كولون من تطوان مجتاحا القرى الغنية في واد مرتين، يدمر ويحرق المساكن والحقول، ويستولي على المواشي التي يطالها.
يوم 19 منه، تم مهاجمة الكلون المعتدي على المزارع والحقول من قبل السكان الذين كانوا متواجدين بكثافة، فكبدوا الإسبان ضابطين و5 جنود قتلى وثمانية جرحى بين الضباط والجنود.
في الغد قامت السفن الحربية الإسبانية بقصف قرى أنجرة المطلة على الشاطئ لغاية المنطقة الدولية.
هذه التحركات لم تمر دون أن تترك قلقا وغليانا من الغضب لدى ساكنة طنجة تحول لاحتجاجات شعبية، مع الإشارة لتواجد بوارج حربية إسبانية وفرنسية بميناء طنجة على استعداد لحمايتها من كل اضطرابات.
في ساحل أصيلا العداء انطلق من 12 يونيو حيث ترأس الكولونيل سيلفستر كلونا قويا توجه لغاية سوق أربعاء عياشة من أجل جر جزء من مقاتلي اجبالة نحوه لتخفيف الضغط على تطوان، ثم مهاجمة ما بين سيدي اليمني وسوق أربعاء عياشة، فتم رد المهاجمين ولوحقوا بقذائف مدفعية إلى أن اختفوا في الجبال.
يوم 18 يونيو، قام الجنود بترميم أصيلا وأحرقوا قرية بير ريحان بعد معركة حامية مع اجبالة.
يوم 12 يونيو، وقعت حادثة مؤسفة على الجانب الريفي بين تطوان ومليلية، تمثلت في كون الباخرة المقنبلة “الجنرال كونشا” لم تفلح في تجنب الصخور عند اقترابها من خليج الحسيمة بسبب كثافة الضباب، مما جعلها تعلق في مضيق تراب بقيوة، الذين لما علموا بها وبمأزقها هاجموا رجالها البالغ عددهم 90 رجلا.
جاءت المقنبلة لوريا لإنقاذ العالقين، فتمكنت من إنقاذ 63 رجلا، فيهم 13 جريحا، وقتل منهم 18 بما فيهم قائد السفينة، وأسر 9 من قبل الريفين.
في مليلية أعلن الجنرال القائد بها أنه في 15 يونيو قام أحد الأشخاص المخالف للمألوف بالدعوة للحرب المقدسة لتخليص المنطقة من قبضة الإسبان وتطهيرها من جنودها، فظهر غليان كبير من غير أن تسجل معارك لحد الآن، لكن ذلك النداء كان له صدى كبيرا في منطقة طنجة الدولية وفي المنطقة الفرنسية المجاورة على جانب عرباوة وأعالي ورغة وسافلتها.
وقد دفع هذا النداء جيراننا الفرنسيين للتقدم نحو خصومهم في الشمال والتخلي عن مواقفهم السلبية تجاه ما يفعلونه مع الإسبان.
وفي مدريد تم اتخاذ قرار هام يتمثل في إرسال تعزيزات من بينسول نحو المغرب قوامها 20.000 رجل، وأعطي الأمر لبشادرون فيرول بالتوجه للساحل الريفي.
وفي 19 يونيو، أعلنت الحكومة الإسبانية بأنه تم الاتفاق مع فرنسا على تعزيز المراقبة على جانبي الحدود بينهما في المغرب لمنع تهريب السلاح دون أن يعلن عن تنسيق عسكري بين البلدين (أرماط ص:42 وما بعدها؛ questions diplomatiques et coloniales).