مشاهداتي في “ضريح سيدي رحال البودالي” محمد القريفي

من بين المحطات التي قررنا أن نخوض غمار التحقيق في ما يجري بداخلها، “ضريح سيدي رحال”، وهو من المقابر التي تشهد ازدحاما شديدا، يلقب بـ”البودالي” وتقول الروايات المغربية المتداولة على لسان ورثة صاحب الضريح: أن هذا الرجل انحدر من الصحراء من قبيلة تمدولت ودخل مراكش وتتلمذ على شيخه سيدي عبد العزيز التباع أحد رجالات مراكش السبعة في القرن العاشر الهجري، فخرج إلى هذه البلدة لتدريس كتاب الله الكريم.

قبل أن نضع أقدامنا على عتبات هذا الضريح، وننقل ما عايناه هنالك، نسجل ملاحظة ينبغي على القارئ أن يضعها نصب عينيه، أن ما شاهدناه في الحلقة السابقة عن ضريح بويا عمر من مخالفات عقدية يكاد ينطبق على أغلب الأضرحة عموما في المغرب إن لم نقل في العالم الإسلامي، وبالتالي فلا داعي لكي نعيد نفس المشاهدات حتى لا نقع في التكرار، لكن هذا لا يمنع من ذكر بعض الخصوصيات التي يتميز بها كل ضريح عن الآخر.
مشاهداتي في ضريح سيدي رحال البودالي
¬أول منظر لفت انتباهي، وأنا أهم بولوج الضريح نوعية الزخارف والنقوش التي تزين الجدران، حتى يخيل إليك أنك وسط كنيسة من كنائس النصارى.
¬ شاهدت لوحة من الرخام نقشت عليها شبه سيرة ذاتية لصاحب الضريح تم اختتامها بكلمة تنضح بالشرك وهي (وظهرت له كرامات وبركات، نفعنا الله به وبزيارته).
¬ شاهدت رجلا يتراوح عمره بين الثلاثين والأربعين، دخل الضريح بغرض زيارته، وفي لحظة من اللحظات، استقبل ذلك الرجل قبر الميت رحال البودالي وشرع يستغيثه ويستجديه أن يقضي له حاجته.
¬ ومما أثار انتباهي حالات بعض النسوة، يصحن صياحا غريبا، وإحداهن تكلم نفسها طوال الوقت ولا تسأم من ذلك وبين الفينة والأخرى تستغيث برجال البلاد “موالين تساوت”.
¬ بينما كنت أهم بالمغادرة، لفت انتباهي منظر بعض النسوة النزيلات وهن ينشرن غسيلهن فوق الحبال، وما دام الباب مفتوحا على مصراعيه، لم أجد بدا من الدخول بغية معرفة ما يجري داخله: يمينا توجد أطلال غرفة قديمة مجردة من سقفها، وعلى طول جنبات هذه الغرفة، توجد أثار الحناء على الجدران، قيل لي فيما بعد أن كل عروس قبل أن تزف إلى زوجها بيوم واحد، يأخذونها إلى هذا الضريح، وتقوم صويحباتها بطلاء الحناء لها، وما تبقى في اليد تطلى به جدران الضريح اعتقادا منهن أن ذلك مجلبة للحظ وبالتالي التعجيل بقدوم عريس جديد سيتقدم لخطبتهن في أقرب الأوقات، أما باقي الغرف فلا تتجاوز مساحتها الإجمالية مترين مربع، يبدو أنها مخصصة لإيواء المرضى النزلاء. كما تجدر الإشارة إلى أن كل الغرف مملوءة عن كاملها باستثناء غرفة واحدة، يبدو أنها نظفت للتو لاستقبال أي زائر جديد.

قصة واقعية لفتاة مريضة تذهب إلى الاختصاصي النفساني فيقترح عليها زيارة “ضريح سيدي رحال البودالي”.
من المواقف الغريبة التي اعترضت طريقنا ونحن نكتب تحقيقا عن هذا الضريح، قصة طريفة يحكيها أحد الآباء ممن كان له في الماضي تعلق وتقديس للقبور والأضرحة، حيث كانت له فتاة في عمر الزهور، تتمتع بكامل الحيوية والنشاط، وفي لحظة مفاجئة، انتكست صحة الفتاة، وسيطرت عليها حالة من الكآبة والرغبة في اعتزال الناس، فأشفق الأب من حال ابنته فهرع بها إلى أحد الاختصاصيين النفسانيين، هذا الأخير جرب كل ما عنده من أساليب نفسانية، فلما استعصى عليه العلاج، لم يجد بدا من إسداء نصيحة شيطانية للوالد المكلوم، حيث حرضه على أن يأخذ ابنته لزيارة مختلف الأضرحة.
تضافرت عوامل مختلفة تمثلت في جهل ذلك الوالد بما قد يترتب على هذه الزيارة من مخالفات شركية، وضغط الحالة النفسية التي كانت تعاني منها ابنته، وبتغرير من ذلك ¬الأخصائي النفساني الجاهل بدينه وعقيدته، لتجعل الأب المسكين المغلوب على أمره مستعدا للقيام بفعل أي شيء ولو كان حراما أو شركا مادام فيه العلاج والخلاص لابنته.
يحكي الأب مواصلا سرد قصته: “جمعت كل أفراد الأسرة بما في ذلك ابنتي المريضة، وركبنا سيارتي الخاصة ثم توجهنا إلى زاوية سيدي رحال البودالي بحكم قربها الجغرافي من منطقة قلعة السراغنة مقر سكناي وقتئذ، أول ما وصلت إلى عين المكان حيث يتواجد الضريح استقبلنا أحد سماسرة الزاوية، فسألنا عن سبب الزيارة وتظاهر بأنه يود مساعدتنا، فأخبرناه بخبر الفتاة المريضة، وما هي إلا لحظات حتى تهلل وجهه، فأخبرنا أن العلاج سهل ميسر وغير مكلف.
وكم كانت فرحتنا وبهجتنا حين سمعنا هذا الكلام وكلنا شوق لمعرفة ماهية هذا العلاج، لقد نصحنا ذلك السمسار ¬وبئست ¬النصيحة، بأن نشتري عنزة ثم نقوم بذبحها تقربا إلى سيدي رحال البودالي، وبعدها سيكون الشفاء مباشرة، وللأسف في لحظة ضعف وغفلة منا قمنا بما أملاه علينا ذلك السمسار فاشترينا العنزة، وقمنا بذبحها، ووزعنا أغلبها على الفقراء والمساكين، ولم نأكل منها إلا قطعة الكبد، ورغم كل هذه التنازلات العقدية الخطيرة، فإن هدفنا لم يتحقق، وبقيت الفتاة على حالتها المرضية المزمنة، ولم تتماثل إلى الشفاء إلا بعدما أذن الله عز وجل في ذلك بعدما يزيد عن عشر سنين”.
قد يتهمنا بعض القراء خاصة أولئك الذين أشربت قلوبهم محبة الشركيات بالمبالغة والتهويل، وأن ما قلناه عن الزوار الذين يزورون الأضرحة عموما وضريح سيدي رحال البودالي خاصة، محض افتراء وكذب من نسج بنات خيالنا، متسائلين: هل يعقل أن يوجد مغربي مسلم يعبد الأضرحة ويقدسها؟
طبعا لن أجيب عن هذه الشبهة بنفسي، وإنما سأفسح المجال لعلم من أعلام الدعوة السلفية المغربية، يتعلق الأمر بالشيخ تقي الدين الهلالي المغربي رحمه الله في كتابه الماتع الدعوة إلى الله في أقطار مختلفة ص23- 26.
تفنيد أحد علماء الدعوة السلفية المغربية لبعض شبهات القبوريين:
«وكأني بعابد القبر يقول يا هذا لقد أسرفت في القول فهل يعبد مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله قبرا؟
فأقول في الجواب: يمكنك أن تغالط بهذا الكلام غيري أما أنا فلا تستطيع أن تغالطني لأنني أنا بنفسي كنت أعبد القبور، فهداني الله إلى توحيده وهدى بي خلقا كثيرا ولله الحمد، وأزيدك على ذلك ما يخرسك ويلقمك حجرا أن الجهال في هذا الزمان من أهل البلاد الإسلامية ¬وما أكثرهم ¬ يعبدون القبور والأنصاب بل والأشجار، ويعبدون كل شيء حتى الحمير ودونك البرهان القاطع:
أما عبادة الأضرحة فأمر متواتر مشاهد بالعيان في أكثر البلدان المنتسب أهلها إلى الإسلام كما هو في بلاد النصارى وهؤلاء يزيدون التماثيل..
إلى أن قال: وأما عبادة الحمير فأذكر فيها القصة التالية:
في المغرب الأقصى قرأت في سنة ستين وتسعمائة وألف بتاريخ النصارى في صحيفة العلم مقالا لمعلمة اسمها خديجة النعيمي من الدار البيضاء قالت خديجة: خرجت مع نسوة جاهلات نتجول خارج المدينة فمررنا بكوم من حجارة، فأخذت النسوة يقبلن تلك الحجارة ويتمسحن بها قائلات: (انتاع الله لله يا للا حمارة) معناه نسألك متاع الله، أي: ما أعطاك الله من الكرامة يا سيدتنا الأتان، قالت: فأنكرت صنيعهن وقلت لهن: ويحكن تتخذن أولياء حتى من الحمير، فقلن لي: اسكتي إنك لا تعرفين قدر هذه الولية فكم قضت من حاجات، ونخاف عليك أن تضربك ضربة يكون فيها حتفك فسلمي للفارغ لكي تنجي من العامر (قلت: وهذا مثل يضربه المغاربة لمن اعترض على عبادة شخص وقال: إنه لا ينفع ولا يضر يقول له عباده “سلم للخاوي تنج من العامر” معناه هب أنه فارغ من الولاية فخير لك أن لا تعترض عليه وألا تنكر ولايته لأنك إن استمررت في الإنكار يخشى عليك أن تصادف وليا حقيقيا فيصيبك بشر)، ثم وجهت الكاتبة المذكورة دعوة إلى العلماء وقالت: يا علماء الدين اتقوا الله وعلموا الناس توحيد الله وشعائر دينهم، فإنكم ضيعتم الأمانة التي حملكم الله إياها حتى وصل الناس إلى عبادة الحمير دون الله.
وصل اللهم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *